تعد مشكلة الطلاق من أكثر القضايا التى تؤرق المجتمع نظراً لتزايد معدلاته كل عام عن سابقه وذلك فى مقابل حالات الزواج، كما كشف آخر تقرير لجهاز التعبئة العامة والإحصاء أن معدل طلاق «الخلع» يسجل أكبر نسبة على الإطلاق خلال عام 2023، الأمر الذى يثير التساؤلات حول استمرارية زيادة حالات الطلاق، لا سيما الخلع الذى سجل نسبة 81.3% من عدد أحكام الطلاق النهائية. الخلع هو طلاق الزوجة من زوجها على مال أو على العوض، حيث فيه تتنازل المرأة عن حقوقها فى مقابل أن يتم طلاقها من المحكمة، وعلى الرغم من أن الزوجة تضطر لترك مستحقاتها كاملة عند الطلاق بالخلع، فإن هناك سيدات كثيرات وجدن فى الخلع حلا للهروب من حياة زوجية صعبة وعيوب لم تكن لديهن القدرة على تحملها. ◄ معاناة الزوجات وهناك قصص كثيرة لزوجات تضررن من أزواجهن ولم يجدن سبيلا للتخلص من هذه المعاناة إلا من خلال الخلع، ومن بين هؤلاء «ش.م» التى تحدثت لنا عن أسباب لجوئها للخلع قائلة: عانيت مع زوجى لمدة 8 سنوات فهو شخص بخيل لدرجة المرض، وللأسف الشديد لم ألحظ هذه الصفة عليه أثناء فترة الخطوبة التى استمرت 18 شهرا لأنه كان مسافرا خارج البلاد خلال تلك الفترة، حتى قررت رفع دعوى خلع، ولدىّ طفل منه عمره 7 سنوات، حيث قام بالتهرب من النفقة والمماطلة فى مصاريف الدراسة، وقام برفع قضية إسقاط حضانة لتملك شقة الزوجية، مستندًا على شهود زور لإثبات أننى أم غير صالحة لتربية ابنى مما أثر نفسيًا فى ابني». وتشير إلى أن الخلع ساعدها على التخلص من الزواج بعد أن رفض زوجها الطلاق لكنه لم يخلِّص الطفل من مخططات طليقها فى الانتقام منها بعدما قامت ب«خلعه» لأنه يعتبر الخلع خطأ كبيرًا في حقه. أما «س.ط» فلجأت للخلع بعد استحالة العشرة مع زوجها بسبب عنفه المستمر معها وضربه لها فى وجود أطفالهما، وتحكى عن معاناتها قائلة: «زوجى يعمل بإحدى الدول العربية وأثناء سفره كان يرفض إرسال المصروفات التى التزم بها كأم لطفلين عمرهما 8 و10 سنوات، وكان يكتفى بمبلغ بسيط جدًا، وفى الإجازات كنت أحاول مناقشته فى المشكلة، وأضع أمامه احتياجاتنا ومصاريفنا الشهرية، فلا أجد منه سوى الرد بالعنف اللفظى والجسدى حتى أنه تسبب فى كسر بيدى اليسرى». تضيف: «حررت ضده محضرًا بقسم الشرطة وأثبت بالتقارير الطبية أن العلاج يحتاج لأكثر من 21 يومًا، لكنه بشهود زور أثبت أنه لم يكن فى المنزل أثناء الواقعة، واستطاع الخروج من المشكلة وأصر على رفض الطلاق رغم حكم رجال العائلة عليه بالطلاق والإنفاق على ابنيه، لذا لم أجد أمامى سوى رفع قضية خلع وبالفعل صدر الحكم لصالحي بعد 3 شهور». ◄ إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشف ارتفاع عدد أحكام طلاق «الخلع» بنسبة 81.3% خلال عام 2023 على أساس سنوى مسجلا نحو 8.684 ألف من إجمالى الأحكام النهائية. كما استحوذت أحكام الخلع على نسبة 3.3% من إجمالي حالات الطلاق خلال 2023، وأوضحت النشرة السنوية للجهاز تراجع عدد حالات الطلاق 1.6% خلال عام 2023 إلى 265.606 حالة مقابل 269.834 حالة فى عام 2022. وسُجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (25 - 30 سنة) بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية (75 سنة فأكثر)، وبلغ متوسط سن المطلقة 34.4 سنة خلال 2023. ◄ أسباب الخلع من جانبها، تقول الدكتورة عزة زيان استشارى العلاقات الاجتماعية والأسرية: هناك أسباب للجوء الزوجة لقضايا الخلع بدلًا من الطلاق، منها تعنت الزوج فى الطلاق واحتفاظه بالزوجة على ذمته لسنوات طويلة، حيث إن إجراءات التقاضى وصولا للحكم بالطلاق تستغرق وقتا طويلا وقد تستمر لسنوات، كما أن للزوج حق الاستئناف على الحكم وهى سنوات مهدرة من عمر الزوجة. وتوضح: «من واقع الجلسات فإن معظم الزوجات يلجأن فى البداية لقضايا الطلاق، لكن بعد طول الفترة وعدم الوصول لحل قانونى أو ودى تلجأ الزوجة لقضايا الخلع، كما يستغل بعض الأزواج الوقت ويحاول استنزاف قوى الزوجة سواء المادية أو النفسية، وأحيانا تلجأ زوجات للخلع وليس الطلاق نكاية فى الزوج وأن تلصق به لقب (مخلوع) لسوء العشرة والخلافات المستمرة بينهما، كما أن الدافع وراء طلب الخلع أسباب معلنة وأخرى خفية، ويتمثل السبب الخفى فى توتر العلاقة الحميمة بين الزوجين، فمن الزوجات من تعانى عدم قدرة الزوج أو ضعف رغبته، لكن الكثير منهن قد لا يفصحن عن هذا السبب وتحاول إخفاءه وتعلق أسباب طلبها للخلع على أسباب أخرى معلنة». ◄ العنف والخلع وتضيف: أما الأسباب الظاهرة التى تفصح عنها الزوجات فيأتى فى مقدمتها المادة وعدم إنفاق الزوج وتعمده إخفاء مصادر دخله عن زوجته، بالتالى يتبادر إلى ذهن الزوجة أن راتب زوجها كبير وعليه تقوم بزيادة الطلبات، فى حين أن الزوج يمكن أن يكون بالفعل غير قادر على تلبية طلباتها، لذا فالصراحة فى مثل هذه الأمور تجنب الزوجين الوقوع فى المشاكل. ويأتى العنف كأحد أهم أسباب لجوء الزوجات للخلع سواء كان ماديا أو معنويا. وبعد ذلك يأتى التدخل من الآخرين سواء أهل وأصدقاء الزوج أو أهل وأصدقاء الزوجة والتطوع منهم بإعطاء المشورة الخاطئة للزوج أو الزوجة عند حدوث خلاف، وغالباً ما تكون مشورة خاطئة وغير حيادية. ◄ السوشيال ميديا فيما يرى حسن الخولى أستاذ علم الاجتماع، أن زيادة حالات الخلع تأتى انعكاسا لطول فترة التقاضى بقضايا الطلاق، كما أن بعض الأزواج يخشون من لقب «مخلوع»، فعندما يجد الزوجة لجأت للخلع يقوم بالطلاق. ويؤكد أن هناك مؤثرات شاركت فى زيادة نسب الخلع ومنها السوشيال ميديا التى تعطى أفكارا مغلوطة عن الزواج وخاصة بين المتزوجين حديثاً وهى فى الأساس مشاهد تمثيل لا علاقة لها بالحقيقة والمسئوليات فى الحياة الزوجية، كما أن الزوجات يعرضن تجاربهن فى الطلاق والخلع ويتابعن آراء بعضهن البعض بغض النظر عن اختلاف حياة ومشكلات كل واحدة منهن. من الناحية القانونية، يوضح محمد وردانى المحامى بالاستئناف، أن عدد قضايا الطلاق أصبح ضئيلا جدا فى مقابل عدد قضايا الخلع داخل محاكم الأسرة، لعدة أسباب قانونية منها أن السيدات أصبحن يلجأن إلى الخلع لقصر المدة التى يصدر فيها الحكم، والتى لا تتعدى خمسة أشهر، كما أن السيدة ليست ملزمة فى قضايا الخلع بتقديم الدلائل والبراهين لإثبات الضرر الواقع عليها الذى على إثره تطلب الطلاق، وهناك أسباب يصعب إثباتها منها على سبيل المثال أن هناك زوجات يطلبن الطلاق بسبب بخل الزوج وعدم إنفاقه على أسرته، وحتى عندما يكون طلب الطلاق بسبب تعاطى المخدرات فذلك يصعب التعرف عليه سوى بالتحاليل الطبية والمحكمة لم تلزم الزوج بإجراء التحاليل، بالتالى يصعب على الزوجة إثبات ذلك .أما فى قضايا الخلع فالسيدة لا يتوجب عليها إثبات السبب ولكن يكفى أن توضح أنها أصبحت تبغض العيش مع زوجها وتخاف ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.