من أغلى ما يملكه المرء دينه ووطنه؛ لأنه مهد صباه ومنبع ذكرياته وموطن آبائه وأجداده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها، فحب الوطن والتمسك بأرضه أمر أوصت به جميع الأديان والشرائع وهو من مقاصد الشريعة.. عن مفهوم حب الوطن فى الإسلام يقول د. عبدالفتاح إدريس الأستاذ بكلية الشريعة والقانون: حب الوطن من القيم السامية التى رسخها النبى صلى الله عليه وسلم فى نفوس المسلمين، ولم تكن دعوة الإسلام لحب الوطن شعارا يردده أتباعه بل واقعا عمليا طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا أصحابه إلى تطبيقه من ثم ترسخت قيمته فى النفوس. اقرأ أيضًا| وزارة الأوقاف تنظم مجلس الحديث الحادي والثلاثين لقراءة صحيح البخاري ويضيف: لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة، وبعد أن صار على مشارف مكة خارجا منها توجه إليها وقال قولته التى تقطر حبا وتمسكا بها: «والله إنى لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأحبه إلى نفسي، ولولا أن أهلك أخرجونى منك، ما خرجت».. بهذه الكلمات التى تؤكد حب الرسول صلى الله عليه وسلم لبلده الذى ولد فيه ونشأ، يعلمنا درسا فى حب الوطن. هذا بالإضافة إلى أنه قد بلغ حبه لوطنه مبلغا كبيرا أنه لما صده أهل مكة عن دخولها والطواف بالبيت فى سنة 6 هجرية وألجأوه إلى الحديبية، لم يشأ أن يقاتلهم حتى يبعث إليهم عثمان بن عفان؛ ليفاوضهم ويحقن الدماء وقد بشر بفتح مكة منذ منصرفه من الحديبية يقول الله تعالى: «لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا». ولما فتحت مكة وأمكنه الله من أهلها أمنهم على أنفسهم قائلا: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن»، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد وعفا عنهم جميعا؛ إذ قال لهم: ماذا تظنون أنى فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء». اقرأ أيضًا| طلاب جامعة القناة يزورون جناح «الأعلى للشئون الإسلامية» بمعرض الكتاب وأيضا من المواقف العظيمة من حب الوطن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة الى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار؛حتى يكون الانتماء إلى أرضها أوثق وأدعى الى حمايتها والدفاع عنها، لذا فإن الغزوات التى قادها صلى الله عليه وسلم اشترك فيها المهاجرون والأنصار، وكان فى مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفاعا عن هذا البلد الذى اتخذه المهاجرون موطنا لهم حتى إنه لما اشتد القتال فى غزوة أحد وأصيب الرسول صلى الله عليه وسلم فى وجنته وكسرت رباعيته دعاه المسلمون ليكون فى خلف الصفوف حتى لا يصيبه المزيد من الأذى إلا أنه أبى إلا دفاعا عن المدينة وطنه ودفاعا عن الإسلام والمسلمين بها بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أن كرز بن عامر الفهرى أغار على سرح المدينة فى العام الأول من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمفرده فى طلبه. كل هذا يبرهن بطريقه عملية عن حب الوطن والدفاع عنه ضد من أراده أو أراد أهله بسوء من مقاصد التشريع الاسلامى فمن يتشبث بوطنه ولا يفارقه تحت تأثير أى تهديد أو نحوه إنما ينفذ مقصود الشرع فى البقاء فيه وعدم مغادرته مهما كانت التضحيات فى سبيل ذلك.