في أعماق مكتبة المتحف المصري بالقاهرة، بين رفوف تزخر بالمخطوطات النادرة والمجلدات التي تحمل أسرار الماضي، توجد إحدى المقتنيات الثمينة التي تعكس عبقرية وإسهامات أحد أعظم علماء الآثار المصريين، الدكتور أحمد فخري. إنها مذكراته ومسودات تصحيح النسخة الأصلية من كتابه الشهير "واحة سيوة - SIWA Oasis"، والتي كتبها بخط يده، موثِّقًا من خلالها اكتشافاته وبحوثه حول واحدة من أكثر الواحات المصرية سحرًا وغموضًا. تمثل هذه المذكرات نافذة نادرة على فكر الدكتور فخري، إذ تكشف عن تفاصيل ملاحظاته الحقلية، وتصويباته الدقيقة، وتأملاته حول واحة سيوة، التي تعد من أهم المواقع الأثرية والثقافية في الصحراء الغربية. في هذا التقرير، نستعرض أهمية هذه المذكرات، ومحتواها، والدلالات العلمية والتاريخية التي تنطوي عليها، إضافةً إلى تأثيرها على دراسات علم الآثار في مصر. ◄ من هو الدكتور أحمد فخري؟ يُعد الدكتور أحمد فخري (1905 - 1973) واحدًا من أبرز علماء الآثار المصريين في القرن العشرين، وقد تميز بإسهاماته الكبيرة في دراسة المواقع الأثرية في الصحراء الغربية وسيناء، بالإضافة إلى أبحاثه حول الأهرامات المصرية. بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة برلين، شارك في العديد من البعثات الأثرية، وكان له دور أساسي في توثيق التراث الثقافي لواحات مصر، وخاصةً واحة سيوة، التي كرس جزءًا كبيرًا من أبحاثه لاستكشافها. كتابه "واحة سيوة - SIWA Oasis" يُعد من أهم المراجع العلمية التي تناولت التاريخ والآثار والحياة الاجتماعية في هذه الواحة الفريدة. وقد استند في تأليفه إلى سنوات من البحث الميداني والتنقيب، موثقًا تفاصيل دقيقة عن المعابد، والمقابر، والتقاليد المحلية. ◄ المذكرات والمسودات – نافذة على فكر عالم آثار 1- وصف المذكرات والمحتوى تضم المذكرات المحفوظة بمكتبة المتحف المصري عدة دفاتر تحتوي على ملاحظات بخط يد الدكتور فخري، تشمل: تصحيحات وتعديلات على فصول الكتاب، مع إضافات تتعلق بالمواقع الأثرية التي زارها في سيوة. رسومات وتخطيطات أولية لبعض المعابد والمقابر، تظهر فيها ملاحظات على الأبعاد والزخارف. مذكرات يومية للبعثات الاستكشافية التي قادها، موضحًا فيها الصعوبات التي واجهها، والتفسيرات الأولية للاكتشافات. هوامش وتعليقات شخصية حول بعض الفرضيات الأثرية، حيث يظهر تطور فكره النقدي أثناء العمل على الكتاب. 2- أهمية المسودات في دراسة واحة سيوة تُعد هذه المذكرات وثيقة ثمينة، لأنها تتيح للباحثين فهم تفاصيل البحث الأثري الميداني الذي أجراه الدكتور فخري. ومن خلال مقارنة هذه الملاحظات مع النسخة المنشورة من كتابه، يمكن اكتشاف التطورات التي طرأت على آرائه، وكيفية تنقيحه للمعلومات قبل إصدارها رسميًا. كما تعكس اهتمامه بتوثيق التراث غير المادي للواحة، مثل العادات والتقاليد التي لاحظها أثناء وجوده هناك. 3- قيمة المذكرات في دراسة علم الآثار تمثل هذه الوثائق نموذجًا فريدًا لكيفية عمل علماء الآثار المصريين في منتصف القرن العشرين، وتوضح المناهج البحثية التي اتبعها الدكتور فخري. كما تُظهر مدى اهتمامه بالدقة العلمية والتحليل النقدي، وهو ما يجعلها مرجعًا هامًا للباحثين المهتمين بتطور علم الآثار في مصر. ◄ واحة سيوة في دراسات الدكتور أحمد فخري 1- موقع استراتيجي وتاريخ غني تعتبر واحة سيوة من أقدم الواحات المأهولة في مصر، وتقع في قلب الصحراء الغربية، بالقرب من الحدود الليبية. منذ العصور القديمة، كانت محطة تجارية مهمة وموطنًا لمعبد آمون الشهير، الذي زاره الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد. 2- الاكتشافات الأثرية في واحة سيوة من خلال بعثاته الاستكشافية، تمكن الدكتور فخري من توثيق عدة مواقع أثرية هامة، أبرزها: معبد آمون: أحد أهم المعابد المصرية القديمة، حيث يُعتقد أن كهنته تنبأوا بمصير الإسكندر الأكبر. جبل الموتى: مقبرة تاريخية تحتوي على العديد من المقابر المنحوتة في الصخور، والتي تعود إلى العصر الفرعوني والروماني. قلعة شالي القديمة: مدينة طينية مهجورة تعود إلى العصور الوسطى، وتعتبر من أبرز معالم سيوة التاريخية. اقرأ أيضا| معبد التنبؤات.. أساطير عميقة في التاريخ 3- تأثير دراساته على علم الآثار ساهمت أبحاث الدكتور فخري في تعزيز الاهتمام الدولي بواحة سيوة كوجهة أثرية وسياحية. وقد ساعدت ملاحظاته الميدانية في تحسين فهمنا لطبيعة الحياة في الواحات المصرية، ودورها في التاريخ المصري القديم. ◄ دور مكتبة المتحف المصري في حفظ التراث العلمي 1- كنوز معرفية داخل المكتبة تُعد مكتبة المتحف المصري بالقاهرة واحدة من أهم المكتبات المتخصصة في علم المصريات، حيث تضم آلاف الكتب، والمخطوطات، والمجلات العلمية. ومن بين هذه الكنوز، تحتل مذكرات ومسودات الدكتور أحمد فخري مكانة مميزة، نظرًا لقيمتها العلمية والتاريخية. 2- أهمية الحفاظ على المذكرات الأصلية بفضل الجهود المستمرة للحفاظ على هذه المقتنيات، يمكن للأجيال القادمة الاستفادة منها في أبحاثهم. ويعد الحفاظ على المذكرات المكتوبة بخط اليد أمرًا بالغ الأهمية، لأنها توفر رؤية مباشرة لأسلوب التفكير والتحليل العلمي للباحثين الأوائل في علم الآثار. 3- إتاحة الوثائق للباحثين تسعى مكتبة المتحف المصري إلى رقمنة هذه المذكرات، وإتاحتها للباحثين المهتمين بدراسة تاريخ علم الآثار في مصر، مما يسهل الوصول إلى هذه المعلومات القيمة، ويحافظ عليها من التلف. ◄ كنوز علمية تمثل مذكرات الدكتور أحمد فخري حول كتابه "واحة سيوة" إحدى الكنوز العلمية المحفوظة داخل مكتبة المتحف المصري بالقاهرة، حيث تتيح لنا استكشاف أفكاره وأساليبه البحثية في علم الآثار. إنها ليست مجرد أوراق مكتوبة، بل سجل حي للجهود التي بذلها هذا العالم الجليل في توثيق أحد أهم المواقع الأثرية المصرية. بفضل هذه الوثائق، يبقى إرث الدكتور فخري حاضرًا في ذاكرة البحث العلمي، ملهمًا أجيالًا جديدة من علماء الآثار لمواصلة استكشاف تاريخ مصر العريق.