هؤلاء الاصدقاء، هم الملح فى كل طعام، وهم الشعاع الذى يستقر فى أعماقنا فلا يغيب.. لا تحرمنى من حقى فى أن أحلم بما تراه أنت مستحيلا.. دعنى أحلم بأن أشجار الزيتون قد غطت بحار الرمال، التى لم تعرف جمال اللون الأخضر منذ ملايين السنين.. دعنى أحلم بأن ترفرف السعادة وراء كل النوافذ والأبواب المغلقة فى كل بيت من البيوت، وأن أحلم بأن قسوة الحياة قد ذابت، وتراجعت بعيدا إلى الوراء.. دعنى أحلم بأن المستحيل الذى تراه أنت قد أصبح حقيقة تعيشها أنت وأعيشها أنا ويعيشها معنا كل أحبائنا، وكل الغرباء الذين لا نعرفهم ولن نعرفهم.. دعنى أحلم بأن دفء العلاقات الإنسانية قد صنع المستحيل.. وأن الحب الإنسانى الأنيق، قد جعل من كل قلب، جنة مبدعة خفاقة بالنور.. لا تحرمنى من حقى فى هذه الأحلام ولا تتشبث بموقف من الحياة فتقول ساخرا : - «كل حلم يخطر على ذهنك هو الشيء المستحيل»!.. انظر معي.. إلى التاريخ كيف يدور وكيف يتقدم؟!.. وراء كل سعادة إنسانية، لا بد من أن يكون هناك حلم عظيم، ووراء كل خطوة تخطوها منذ البداية كانت هناك أحلام عظمى، وحول كل حب عظيم لابد من أن تزدهر أجمل الأحلام.. دعنى اقف معك فى نقطة واحدة.. «المستحيل» الذى تراه أنت وأراه أنا، هو ألا يكون لأى حلم مهما كان جميلا أية قيمة، إلا إذا واكبه عمل خلاق.. التقدم والرخاء والسعادة والطمأنينة ودفء العواطف البشرية-كل شيء فى حياتنا-صغيرا عابرا أو كبيرا مؤثرا-هو من صنع عقولنا، وإصرارنا، وعزائمنا، واحتمالنا، وقوة وشجاعة بصيرتنا، وأيدينا.. ولا يوجد فى قاموس الحياة شيء اسمه المستحيل، إنما يوجد شيء اسمه الممكن !.. وهل كثير على بلد عمره سبعة آلاف سنة أن يشطب الى الابد وساوس المستحيل، وأن يمنح كلمة «الممكن» معناها ويرسل الدم فى شرايينها، ويكسوها بالعمل والإنتاج.. ويطلقها تملأ الحياة طولا وعرضا بما تصنعه الايدى، وتبدعه العقول، وبما تبنى صروحه العملاقة، بذور المحبة النقية، وبذور الأحلام التى يحولها الإنسان بجهده من أطياف جميلة، إلى حقائق أشد نعومة وأبدع جمالا وأكثر عطاء؟! أخيرًا وجدنا «الونس»!.. بعض الناس تلتقى بهم صدفة.. فتشعر بأنهم ولدوا معنا وعاشوا معنا، وأننا كنا نعرفهم قبل أن نلتقى بهم، بينهم وبيننا تقوم صداقة عمقها عمق الأنهار الكبرى.. أتعرف لماذا؟! لأن هؤلاء الاصدقاء، هم الملح فى كل طعام، وهم الشعاع الذى يستقر فى أعماقنا فلا يغيب.. بعض الناس الآخرين يمرون بنا كما تمر قطارات السكك بالمحطات، وكما تظهر الظلال على الجدران، فإنهم لا يتركون بصماتهم على أى شيء فى أعماقنا.. ننساهم وندير ظهورنا لهم.. أتعرف لماذا؟!.. لأن هذا الصنف من الناس عاجز عن أن يأخذ الحياة بالأحضان.. وما فى الحياة؟!.. إنه الإنسان أولا والإنسان أخيرا.. وكلمة الانسان لا تعنى مجرد الكائن الذى يمشى على أربع فى الطفولة، واثنتين فى الشباب وثلاث فى الشيخوخة.. إنه شحنة هائلة متجددة من العطاء، فإذا لم يكن كذلك كان مجرد خيال، نري صورته على الجدران.. وأما الذى يبقى معنا، ويسعدنا فهو العطاء الانسانى الذى قد نلتقى به لحظة واحدة، وبدون أن نتوقعه فنقول صادقين مع أنفسنا: - (أخيرا وجدنا الإنسان «الونس»)!.. حرف واحد من كلمة «أمل» فى استطاعتك أن تعيش وترتفع فوق المتاعب ولو كانت كالخناجر المسنونة، فى استطاعتك أن تقيم جسورا طيبة بينك وبين الآخرين.. لكن بداية الانتصار على المتاعب وبداية إقامة العلاقات الانسانية مع الآخرين تنبعان من داخل نفسك.. هل أقول لك شيئا يشبه الموعظة وأنا من أول الذين يكرهون إلقاء المواعظ: «لكن دستور حياتك أنك إنسان يعيش لغاية نبيلة، تبقى بعد أن يغيب غياب الأبد».. هذا الانسان لا يمكن أن يمضغ الحقد والكراهية واليأس، ولا يمكن أن يجد أن الحياة حلوة. وهو يعيش بائسا مهزوما.. إنه يستطيع أن يتجدد كل يوم بإرادته وعمله وفكره.. ويستطيع أن يبدأ بتصحيح أخطائه، وعندما يمد يده إلى الآخرين فسوف يجد آلافا من الايدى ترحب به، وعندما يقول كلمة طيبة صادقة فسيجد آلاف القلوب التى تأخذ هذه الكلمة بالاحضان. وعندما يجعل من نفسه قدوة صالحة منتجة، فسينمو حوله آخرون، كل واحد منهم قدوة ذات عطاء مستمر.. تلك هى الترجمة لحرف واحد من حروف كلمة «الأمل».. وهو حرف واحد من العبارة التى بدأت بها هذه الكلمة وهى أنك تستطيع أن ترتفع دائما فوق المتاعب ولو كانت كالخناجر المسنونة!.. أسهل الأشياء وأقسى الأشياء!.. الحزن أسهل الأشياء وأقسى الأشياء!.. وفى حياة كل يوم ما يكفى لأن يجعل أى إنسان كان غارقا فى التعاسة لا يعرف كيف يتنفس من تحت أمواجها، لكن الإنسان لم يولد ليعيش حزينا ولم يولد ليغرق فى التعاسة!.. لقد ولد هذا الانسان ليكون «أميرا» و»سيدا» فى الحياة، لا أن يكون عبدا وأسيرا لآلامها وأحزانها.. والشيء الغريب أن الإنسان قد استطاع أن يملأ تاريخه الطويل بالانتصار على قسوة الظروف والزمن وشراسة الطبيعة.. ولم يزل العلماء والناس-حتى أبسط الناس-يحلمون بأن تتحرر الحياة من كل التعاسات ومن كل الأعباء والمضايقات التى تجعل الإنسان-عبدا-يدور فى ساقيه.. تتدفق منها الدموع والآهات.. نرفض أن تكون الأحزان هى الأميرة التى تسيطر على الحياة.. وألا تكون سعادة الانسان هى الأميرة ذات التاج وذات النفوذ والكلمة التى لا يقول لها أحد: «إنى أعترض»!.. الماضى لا يعود الماضى لا يعود والمسقبل لا يولد قبل الأوان.. وأما الذى يعود ويتكرر فهو الذكريات والأحلام، والهلوسة فى بعض الأوقات.. وعندما قال الشاعر العربى القديم : «أمس الذى مر على قربه يعجز أهل الأرض عن رده».. كان يرمى «سهاما» فى العقول المعطلة لتفهم حال الدنيا، وسيرة الزمان وطبائع الأشياء... وفى الحياة، يستحيل أن يعود الماضي.. الشيء الممكن باستمرار هو تصحيح الأخطاء التى وقعت أو التى تقع.. وفتح أوسع الطرق التى تنتهى إلى أن يعيش الإنسان حياة أفضل من حياته السابقة، وأن يعيش كل إنسان ولا تغرب عنه شمس العمل والأحلام والأمنيات.. آخر الكلام لن يكتمل هدوء الإنسان قبل إدراكه أن هناك مساحات عليه قطعها وحده، وأن هناك حروبا لن يصفق له أحد عليها؛ وفوق هذا قد لا يمتلك رفاهية الحديث عنها، وربما لو تكلم لن يفهم.. وحسب الإنسان أن فوق كل بقعة سماء..