في مواجهة التصعيد الأمريكي غير المسبوق ضد المحكمة الجنائية الدولية، أجمعت عشرات الدول على إعلان تضامنها القوي مع المحكمة، رافضةً العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بحق موظفيها. فقد أصدرت نحو 80 دولة بيانًا مُشتركًا شدّدت فيه على أهمية استقلال المحكمة، مؤكدةً أنها تمثل ركيزة أساسية لنظام العدالة الدولية في محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة، وجاءت العقوبات الأمريكية على خلفية تحقيقات الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة بعد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتعدّ هذه العقوبات تصعيدًا خطيرًا في معركة واشنطن المستمرة ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق أن رفضت الاعتراف بسلطتها، متهمةً إياها بالانحياز واستهداف الولاياتالمتحدة وحلفائها، وفقًا لوكالة الأنباء «رويترز». في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن يؤدي الضغط الأمريكي إلى تقويض جهود مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية، نشأت موجة تضامن دولية قوية تتحدى النهج الأحادي الذي تتبعه واشنطن، إذ ترى العديد من الدول في المحكمة الجنائية الدولية حصنًا وملاذًا أخيرًا يكفل العدالة.. على الصعيد العالمي. تضامن دولي وقع 79 دولة من مختلف أنحاء العالم على البيان المُشترك، ما يوضح جليًا دعمًا متنوعًا ل المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن هؤلاء يشكلون حوالي ثلثي الأعضاء ال125 في المحكمة، غابت بعض الدول مثل أستراليا وإيطاليا، فيما أكدت دول كفرنسا وألمانيا موقفها الراسخ في دعمها لعمل المحكمة ضد الجرائم الدولية. في الوقت الذي يدعم فيه رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان خطوة دونالد ترامب، التي تزامنت مع زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لواشنطن، تكمُن خلف هذه العقوبات تصعيد كبير ضد المحكمة الجنائية الدولية، تستهدف العقوبات، التي تشمل حظر السفر وتجميد الأصول، التحقيقات التي تجريها المحكمة ضد مواطنين أمريكيين وحلفاء مثل إسرائيل. وفي مقابلة تلفزيونية، صرح أوربان بأن "إعصار ترامب" حسب وصفه، يغير من السياسة الدولية ويجب على المجر إعادة تقييم موقفها من المحكمة الجنائية الدولية، وأتى هذا التصريح وسط تصريحات متناقضة من دول أخرى كانت قد غابت عن دعم البيان، الأمر الذي أوضح انقسامًا عالميًا في المواقف بشأن دعم المحكمة أو معارضة العقوبات. من جانبها، أعربت هولندا عن أسفها للعقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية، مُشيرة إلى أنها قد تعيق مهام المحكمة في بعض المناطق، ورغم ذلك، أكدت هولندا التزامها المستمر في دعم المحكمة.. تنديد ألمانيا في رده على العقوبات الأمريكية، وصف المستشار الألماني، أولاف شولتز الإجراءات بأنها "أداة خاطئة"، مشيرًا إلى خطر تقويض قدرة المحكمة الجنائية الدولية على ضمان العدالة ومنع الطغاة من التسبب في الحروب، وفقًا له، فإن هذه العقوبات تهدد استقرار العدالة الدولية في العالم كله وتعرقل آلية محاسبة الجرائم الكبرى. ردًا على العقوبات، أكدت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستواصل مساعيها لتحقيق العدالة رغم الضغوط السياسية، وذكرت المحكمة في بيانها أنها تقف إلى جانب موظفيها، مُؤكدةً التزامها بتوفير العدالة للضحايا حول العالم، في خطوة تبرز تصميمها على مواجهة العقوبات الأمريكية وضمان استمرارية عملها في محاسبة الجناة.. إجراءات الجنائية الدولية الاحترازية في المقابل، سعت المحكمة الجنائية الدولية إلى حماية موظفيها من تداعيات العقوبات الأمريكية المحتملة، حيث اتخذت خطوات احترازية مثل دفع الرواتب مسبقًا، وهذا التحرك يأتي في وقت حساس بعد أن حذرت رئيسة المحكمة من أن العقوبات تهدد فعالية العمليات القضائية وقد تعرض وجود المحكمة نفسها للخطر في حال استمرت. وفي مواجهة عمل المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت روسيا قائمة تضم شخصيات بارزة، بينها المدعي العام كريم خان، وتمنع دخولهم إلى أراضيها، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2023، متهمة إياه بارتكاب جريمة حرب تتعلق بترحيل الأطفال الأوكرانيين بشكل غير قانوني، بحسب «رويترز». حتى الآن، لم تتضح بعد تفاصيل تطبيق العقوبات الأمريكية على موظفي المحكمة الجنائية الدولية، فيما أكدت المحكمة أن العقوبات الأمريكية لن تمنعها من تحقيق العدالة، وفي تصريح رسمي، أبدت الجنائية الدولية عزمها على تقديم العدالة لملايين الضحايا، رغم العوائق المالية والسياسية.