لا تزال أم كلثوم، أيقونة الطرب العربي، حاضرة في وجدان الملايين رغم مرور عقود على رحيلها، ويستمر صوتها في إلهام عشاق الفن الأصيل, ومع التقدم التكنولوجي أصبح من الممكن حضور حفلاتها مجددا، فحلم حضور حفل لأم كلثوم لم يعد مستحيلا بفضل تقنية الهولوجرام التي نقلت الخيال إلى الواقع وأعادت كوكب الشرق إلى خشبة المسرح في عروض مبهرة, هذه التقنية سمحت للجمهور بالاستمتاع بصوتها وأدائها كما لو كانت تغني أمامهم بالفعل، فقد بات بإمكان تلك التكنولوجيا الحديثة أن تنقلنا في رحلة ساحرة لزمن الفن الجميل وتعيد عمالقة الفن ليضيئوا المسارح الغنائية من جديد, وأصبح عشاق كوكب الشرق قادرين على الاستمتاع بصوتها وأغانيها وكأنها تقف أمامهم على المسرح, مما أعاد أجواء الزمن الجميل إلى الحياة. تزامنا مع ذكرى رحيلها ال 50، نستعرض خلال السطور التالية أبرز حفلات الهولوجرام التي أعادت أم كلثوم إلى الجمهور, فمنذ انطلاق أول حفل هولوجرام لها، لاقت الفكرة نجاحا هائلا وتفاعلا واسعا من الجماهير، وشهدت السنوات الأخيرة عدة عروض هولوجرامية مبهرة لأم كلثوم في مختلف الدول العربية، كان أحدث هذه الحفلات في يونيو 2024 خلال مهرجان موازين بمدينة الرباط المغربية, أما البداية فكانت عام 2019، حين أقيم أول عرض لها بتقنية الهولوجرام في دار الأوبرا بدبي، محققا أصداء واسعة. وفي مصر، تم تقديم عرض داخل قصر عابدين، حيث استمتع الحضور بمقاطع غنائية لأم كلثوم عبر هذه التقنية المتطورة, كما شهدت مدينة الرياض عام 2021 حفلا ضمن فعاليات "موسم الرياض"، استقطب آلاف المشاهدين وحقق نجاحا لافتا, أما في الأردن، فقد عاش الجمهور تجربة فريدة خلال عرض أقيم في قصر الثقافة بعمان, كما شهدت الكويت حفلا مماثلا، حيث تفاعل الحاضرون مع الأداء وكأن أم كلثوم تقف أمامهم. ظلت أم كلثوم رمزا فنيا خالدا على مر العصور، وأغانيها تراثا لا يمحى من ذاكرة الأجيال, وفي خطوة جمعت بين الحنين والتكنولوجيا، عاد صوت وصورة أم كلثوم ليضيئا المسارح من جديد، بفضل تقنية الهولوجرام أحد أبرز تطبيقات الواقع المعزز وهى تقنية عرض ثلاثي الأبعاد تعتمد على الليزر والذكاء الاصطناعي لإنشاء صور مجسمة واقعية يمكن رؤيتها من زوايا متعددة، مما يمنح المشاهد إحساسا بأن الشخص أو الكائن المعروض موجود فعليا أمامه, يتم ذلك من خلال تسجيل الأنماط الضوئية ثلاثية الأبعاد وإعادة عرضها بأسلوب يجعلها تبدو نابضة بالحياة وتتحرك في الفراغ دون الحاجة إلى شاشات تقليدية. وتطلبت هذه التجربة الرائدة عدة مراحل تقنية وفنية معقدة، حيث عمل فريق من المتخصصين على جمع الأرشيف البصري والصوتي والاستعانة بمئات المقاطع المصورة والنادرة لأم كلثوم، مع تحليل تعبيراتها وأدائها على المسرح, لتصميم نموذج ثلاثي الأبعاد باستخدام الذكاء الاصطناعي، فتم بناء نموذج رقمي يجسد تفاصيل وجهها، حركاتها وحتى طريقة إلقائها المميزة. أيضا تحليل الصوت وإعادة تركيبه، فتم عزل صوت أم كلثوم من تسجيلاتها الأصلية بدقة عالية، بحيث تبدو وكأنها تغنى مباشرة على المسرح. ولإظهار التفاعل مع الفرقة الموسيقية, تعاون مختصون في الموسيقى مع فرق موسيقية حية لتقديم العرض بمصاحبة العزف المباشر، مما جعل التجربة أكثر واقعية. رحلة إعادة أم كلثوم إلى المسرح بالرغم من اعتبارها رحلة شيقة وممتعة لدى الصناع إلا أنها شكلت تحد تقني وفني كبير، استغرق تنفيذه شهور من العمل الدؤوب، وشمل عدة مراحل أساسية أهمها إعادة بناء الأداء المسرحي, فلم يكن الهدف مجرد عرض صورة ثابتة لأم كلثوم، بل محاكاة أدائها الحي بدقة, لذا تم الاستعانة بممثلة ذات ملامح قريبة من أم كلثوم، وتم التقاط حركاتها بتقنية Motion Capture "التقاط الحركة"، ثم إسقاطها على النموذج الرقمي ليبدو وكأن أم كلثوم نفسها تتحرك وتغني, لتأتي مرحلة معالجة الصوت وبناء الحفل رقميا، وبما أن تسجيلات أم كلثوم الأصلية لم تكن بجودة تناسب العروض الحديثة، تم تنقيحها باستخدام تقنيات متطورة لإزالة الضوضاء وتحسين جودة الصوت, كما تم مزامنة حركات الصورة مع التسجيلات الصوتية الأصلية، بحيث يتوافق الأداء الحي مع الصوت تماما. ولجعل التجربة أكثر واقعية، تم تصميم المسرح ليحاكي الحفلات الأصلية التي كانت تقدمها أم كلثوم، مع إعادة توزيع الإضاءة بحيث تنسجم مع تحركاتها الافتراضية، مما منح العرض طابعا ساحرا جعل الجمهور يشعر وكأنهم في حفل حقيقي. اقرأ أيضا: في مئويتها.. رواد معرض الكتاب يكشفون أغانيهم المفضلة ل«كوكب الشرق» | فيديو أما عن ردود أفعال الجمهور فلم تخلو من الدهشة والانبهار, كثيرا من الحضور أكدوا أنهم شعروا وكأن أم كلثوم تغني فعلا أمامهم، بسبب دقة العرض والتفاعل بين الصورة والصوت, بينما عبر عشاق كوكب الشرق عن امتنانهم لهذه التجربة التي سمحت لهم بحضور حفلاتها كما لو كانوا يعيشون في عصرها. ومع ذلك لم يخلو الأمر من بعض التحفظات, فهناك من يرى أن الهولوجرام لا يمكن أن يعوض التجربة الحية الحقيقية للفنان، لكنه يظل وسيلة رائعة للحفاظ على تراثه. ويرى بعض النقاد أن التقنية تقدم تجربة فنية استثنائية، تعيد إحياء التراث بأسلوب حديث. أثارت التجربة الجدل حول الأصالة الفنية، فالبعض يعتقد أن العروض الرقمية قد تؤثر على قيمة الفن الحي، حيث يغيب التفاعل الحقيقي للفنان مع الجمهور. فى حين يؤكد آخرون أن التقنية تتيح للشباب الذين لم يعيشوا زمن أم كلثوم فرصة للاستمتاع بفنها كما كان يقدم في الماضي. بعد النجاح الكبير لحفلات أم كلثوم بتقنية الهولوجرام، بدأت الفكرة تتوسع، لتشمل خطط لإعادة إحياء حفلات عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، وسيد درويش بنفس الأسلوب, كما تم استخدامها عالميا مع نجوم مثل مايكل جاكسون، ويتني هيوستن، وإلفيس بريسلي. مع تطور التكنولوجيا، من المتوقع أن يصبح الهولوجرام جزءا أساسيا من العروض الموسيقية، ليس فقط لإحياء حفلات الفنانين الراحلين، بل حتى لإقامة حفلات لفنانين أحياء في أماكن متعددة في نفس الوقت، كما أن هناك أبحاثًا جارية لتطوير هولوجرام تفاعلي يتيح للجمهور التفاعل مع الفنان، مما سيجعل التجربة أكثر واقعية. بينما يظل الجدل قائما حول مدى قدرة التكنولوجيا على تعويض التجربة الحقيقية للفن الحي، فإن حفلات أم كلثوم عبر الهولوجرام أثبتت أن التكنولوجيا قادرة على إحياء التراث الفني بأسلوب مبهر، مما يفتح الباب أمام مستقبل جديد في عالم العروض الفنية، ومهما تطورت التقنيات ستبقى أم كلثوم أسطورة لا تتكرر، وصوتا خالدا يتجاوز حدود الزمن والتكنولوجيا.