في أعقاب صراع طويل الأمد، كانت عودة الفلسطينيين النازحين إلى شمال غزة بمثابة نسيج مؤثر منسوج من خيوط الخسارة والأمل والصمود، ومع السماح لآلاف الأشخاص بالعودة إلى ديارهم بعد وقف إطلاق النار، تكشفت قصصهم وكأنها سرد للحزن والعزيمة. شرع منذر الشرفى، وهو أب لثلاثة أطفال، فى رحلة كانت تدور حول العودة إلى جذوره ومواجهة بقايا ماضيه. وبعد خمسة عشر شهراً قضاها فى خيمة، انطلق مع ابنته لولو، حاملاً القليل من الأمتعة فقط. كان قلبه مثقلاً بمشاعر مختلطة الفرح بالالتقاء بعائلته والحزن على الدمار الذى ينتظره. وقال وهو يتأمل حالة عدم اليقين التى تنتظره: «أتساءل ما إذا كان منزلى لا يزال قائماً أم لا»، وفقًا لشبكة «CBSNEWS» الإخبارية الأمريكية. وبينما كان يسير على طول طريق الساحل المترب، عادت الذكريات إلى ذهنه. وتذكر الحياة النابضة بالحياة التى عاشها ذات يوم فى جباليا، التى تحولت الآن إلى أنقاض. «أشعر وكأننى غادرت غزة لمدة 15 عامًا، وليس 15 شهرًا»، هكذا قال بحسرة. فقد تحول المشهد الذى عرفه ذات يوم إلى مشهد من الدمار الشامل؛ فقد اقتُلعت الأشجار، ودُمرت المبانى، وأصبحت الشوارع المألوفة غير قابلة للتعرف عليها. وعند وصوله إلى الحى الذى يسكنه، انحنى منذر لتقبيل الأرض وهى لفتة رمزية للعودة إلى وطنه ومع ذلك، ضربته الحقيقة بشدة عندما علم من والده أن شقتهما «دُمرت بالكامل». وفى تلك اللحظة، نخل بين الأنقاض، ممسكًا ببقايا حياته السابقة: مرتبة، وسترة، والأكثر إيلامًا، دمية ابنته. وانهمرت الدموع على وجهه وهو يندب فقدان الذكريات والمنزل الذى احتضن عائلته لأجيال. ◄ سنُعيد البناء ورغم هذا الحزن الشديد، أشرقت روح منذر. وأعلن بعزم لا يتزعزع: «سنعيد بناء منزلنا مرة أخرى». ولم تكن كلماته تعكس التصميم الشخصى فحسب، بل كانت تعكس أيضًا شوقًا جماعيًا بين العديد من العائدين الذين واجهوا مصائر مماثلة - حيث وجدوا منازلهم مدمرة ولكنهم متمسكون بأمل إعادة بناء حياتهم على أرض أجدادهم، وفقًا ل«وكالة أسوشيتد برس». ◄ اقرأ أيضًا | حصانة أمريكية لإسرائيل تُعرقل مساعي تحمل تكلفة دمار غزة ◄ تحت الأنقاض وبرفقة ثلاث من بناتهم الست، عاد نعمان وماجدة أبو جراد، إلى منزلهما بعد 15 شهراً من النزوح. وبينما اقتربا من منزلهما المدمر، عادت الذكريات إلى ذهنهما. فقد تحولت الحديقة التى كانت نابضة بالحياة ذات يوم، والمليئة بأشجار البرتقال والزيتون والنخيل، إلى أرض قاحلة. حمل نعمان حقائب ثقيلة مليئة بممتلكاتهما القليلة المتبقية، بينما ركعت ماجدة للصلاة، وقد طغى عليها مزيج من الفرح والحزن. وقالت: «سعادتنا لا تقارن»، وهى تتأمل الارتياح العميق الذى شعرا به عند عودتهما إلى المنزل على الرغم من الدمار الذى واجهاه. لقد تحملا النزوح والصعوبات العديدة، لكن تصميمهما على إعادة بناء حياتهما ظل ثابتاً، وفقًا لما نقلته الوكالة الأمريكية. قام الشقيقان خميس وأحمد عمارة برحلة العودة الصعبة إلى الشجاعية، وهما يدركان تمام الإدراك أنهما لن يجدا أكثر من الأنقاض. وكان والدهما وشقيقهما لا يزالان مدفونين تحت حطام منزلهما، الذى دمره العدوان الإسرائيلى قبل أكثر من عام. وعبر خميس عن يأسه عند وصوله: «لقد حطمت العودة إلى هنا قلبى». لقد نخل بين الأنقاض، فوجد بقايا حياة والدته - حقيبة حياكة خضراء بها خيوط لا تزال سليمة. بالنسبة له، لم تكن هذه العودة لاستعادة منزل بل البحث عن إغلاق لأسرته المفقودة، كما روته شبكة CNN الإخبارية الأمريكية. ◄ حزن وأنقاض لقد عاشت صابرين، وهى امرأة تبلغ من العمر 44 عامًا عادت إلى منطقة ثرية فى غزة، عاصفة من المشاعر عندما رأت حيها يتحول إلى أنقاض. قالت: «نحن سعداء بالالتقاء بعائلتنا.. لكن الأمر محزن للغاية أيضًا». لقد تم استبدال المناظر الخلابة التى كانت تحدد منزلها ذات يوم بالدمار. مثل العديد من الآخرين، واجهت عمليات نزوح متعددة طوال الصراع ووجدت نفسها تكافح ثنائية الفرح والحزن عندما عادت، بحسب ما نقلته بى بى سى نيوز البريطانية. ◄ عودة الفرحة انضمت إسراء شاهى البالغة من العمر 24 عامًا إلى موجة الأشخاص العائدين إلى شمال غزة. فى البداية كانت مليئة بالإثارة والأمل أثناء سيرهم على طول الطريق الساحلى، ثم تغير مزاجها مع دخول الإرهاق. ووصفت المشاعر المختلطة بين الحشد: «فى البداية، كان الجميع مبتهجين... ولكن مع مرور الوقت، سيطر الإحباط». ومع ذلك، عند رؤية اللافتات التى ترحب بهم فى غزة والمزينة بالأعلام الفلسطينية، عادت الفرحة مرة أخرى بين العائدين، وفقًا لشبكة «CBSNEWS» الإخبارية الأمريكية. شهدت أروى المصرى عودة أفراد أسرتها لتقييم منزلهم فى بيت حانون فقط ليجدوه مدمرًا بالكامل. كان على شقيقها أن يسافر مسافات طويلة فقط لجلب المياه لعائلته التى لا تزال فى مخيم للاجئين. وأوضحت من ملجئها المؤقت فى مدرسة تديرها الأممالمتحدة: «معظم الذين عادوا إلى الشمال أفادوا فقط بالدمار وانعدام الحياة». سلطت تجربتها الضوء على الحقيقة القاسية التى واجهها الكثيرون عند العودة - لم يعد المنزل مكانًا للراحة بل تذكيرًا بالخسارة. لم تكن العودة حدثًا منعزلاً؛ بل كانت بمثابة لحظة مهمة لمئات الآلاف الذين اقتُلعوا من ديارهم. وأشارت التقارير إلى أن ما يقرب من 600 ألف فلسطينى عادوا إلى شمال غزة بعد أن فتحت إسرائيل طرق الوصول فى أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الهش. حمل كل فرد قصته الخاصة - مزيجا من الخسارة والشوق. ◄ نهاية أحياء اجتمعت الأسر بعد فراق طويل؛ التقى الأطفال بأجداد لم يروهم إلا فى الصور. ومع ذلك، غالبًا ما كان اليأس يخفف من الفرح حيث عاد الكثيرون ليجدوا ليس فقط منازلهم بل وأحياء بأكملها قد تم القضاء عليها؛ «لقد عدنا ولكننا لا نستطيع العثور على منازلنا أو أى من ممتلكاتنا»، قالت إحدى النساء وهى تصف العيش فى ظروف مؤقتة بدون الضروريات الأساسية. من خلال هذه الروايات يبرز موضوع قوى: المرونة. وعلى الرغم من الدمار وعدم اليقين الذى ينتظرنا، أعرب العديد من العائدين عن التزامهم الثابت بأرضهم. وقد تردد صدى هذا الشعور فى جميع أنحاء المجتمع حيث واجهوا بشكل جماعى المهمة الشاقة المتمثلة فى إعادة البناء - ليس فقط الهياكل ولكن حياة متشابكة مع الذكريات والتراث. بينما يتنقلون بين الأنقاض ويتنقلون بين حقائق جديدة مليئة بالتحديات - نقص المياه ونقص الغذاء والمأوى غير الكافى - تعكس قصصهم روحًا لا تقهر ترفض أن تنكسر بسبب الشدائد. فى كل دمعة تذرف وكل ذكرى عزيزة تكمن علاقة عميقة بوطنهم - وهى رابطة لا يمكن للوقت والصراع أن يقطعها. في هذه الملحمة المستمرة من النزوح والعودة، تذكرنا قصص منذر الشرفى وعدد لا يحصى من الآخرين بأن الوطن ليس مجرد مساحة مادية؛ إنه تجسيد للهوية والانتماء والأمل الدائم فى السلام وسط الفوضى.