أمران مقترنان لا يمكن الفصل بينهما عند المصريين هما صوت أم كلثوم المنبعث من المقاهى والبيوت وليل القاهرة، فتلك الآهات الشجية الملتاعة لسيدة الغناء العربى تبعث الطمأنينة فى قلوب المصريين . الأمر لم يعد كونه تقديرًا لسيدة هز صوتها مشرق العالم ومغربه إنما أصبحت أم كلثوم بنظارتها السوداء ومنديلها المتأرجح فى يديها رمزًا مصريًا خالصًا، وفى ذكرى رحيلها الخمسين فلنتذكر كيف بدأت مسيرتها ولم حظيت بكل هذا التقدير عن جميع العرب . اقرأ أيضًا | خرائط القوة «المسلمانى»: الحروب الكبرى صراعات ثقافية وأيديولوجية ولدت فاطمة ابراهيم الملقبة والمعروفة بأم كلثوم 31ديسمبر لعام 1898 بقرية طماى الزهايرة الواقعة بمحافظة الدقهلية وبدأت مسيرتها للغناء فى سن العاشرة عندما استمع والدها لأنشودة دينية بصوتها فقرر اصطحابها للغناء معه فى الحفلات والمناسبات التى يدعى إليها . وبدأت مسيرة أم كلثوم الحقيقية فى عالم الغناء عندما تقابل والدها مع الملحنين زكريا أحمد وأبو العلا محمد واللذين أقنعاه بالاستقرار فى القاهرة مع ابنته حتى تحقق شهرتها فى الغناء وبالفعل غنت لأبوالعلا محمد « الصب تفضحه عيونه « من كلمات الشاعر أحمد رامى والتى حققت نجاحًا كبيرًا جعلها تتعرف على الملحن محمد القصبجى الذى ساعدها فى تكوين فرقتها الخاصة متخلية عن فرقة والدها من المنشدين والمعممين. اتسعت شهرة أم كلثوم 1928 بعد نجاح مونولوج « إن كنت أسامح وأنسى الأسية « وبعدها تقابلت مع الملحن محمد السنباطى وقدم لها أغنية « على بلد المحبوب ودينى « التى أحدثت نقلة نوعية فى مشوارها الفنى . اهتمت أم كلثوم بالقصيدة الفصحى فغنت لمعظم الشعراء المعاصرين آنذاك ومنهم أحمد رامى وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجى والأمير السعودى عبد الله الفيصل والسودانى الهادى آدم والشاعر محمد إقبال . 320 أغنية هى كل ما قدمته أم كلثوم أثناء مسيرتها تعاونت فيها مع كبار الملحنين وعلى رأسهم رياض السنباطى الذى تشارك معها فى أكثر من 90 أغنية وبذلك يصبح الشريك الأكثر نجاحًا معها ، وقدما معًا «أراك عصى الدمع» و «لسه فاكر» و «حيرت قلبى معاك» و «هجرتك» و «ليلة العيد» كما لحن لها القصائد التى غنتها أم كلثوم لأمير الشعراء أحمد شوقى ولحن لها قصيدة «الأطلال» للدكتور إبراهيم ناجى التى جاءت ضمن أفضل 100 أغنية فى العالم فى القرن العشرين . ورغم الخلاف بين أم كلثوم والملحن محمد عبد الوهاب والذى استغرق سنوات للتغلب عليه إلا أنهما تعاونا فى 9 مناسبات مازالت خالدة فى ذهن الجمهور حتى الآن ، بدأت بأغنية «إنت عمرى» ووصفتها الصحافة فى ذلك الوقت بلقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب ومن ثم غنت من ألحانه « فكرونى» و «دارت الأيام» و «على باب مصر» و «هذه ليلتى» وغيرها . برعت أم كلثوم فى المديح النبوى والغناء الديني خاصة فى أداء القصائد الطويلة والشعر القديم- ومنها: «نهج البردة»، «سلوا قلبي»، «ولد الهدى»، «أراك عصى الدمع»، «رباعيات الخيام» كما نجحت فى الغناء العاطفي، ومنه أغاني: «أنت عمري»، «الأطلال»، «الحب كله»، «أروح لمين»، «أغداً ألقاك» . حصلت أم كلثوم خلال مسيرتها الفنية على العديد من الجوائز والأوسمة من عدة دول عربية وأجنبية، منها وسام الكمال فى مصر من الملك فاروق، وجائزة الدولة التقديرية بمصر فى الستينيات، ووسام الأرز اللبناني، ووسام النهضة الأردني، ونيشان الرافدين العراقي، ووسام الاستحقاق السوري، ووسام نجمة الاستحقاق الباكستانى . وتوفت أم كلثوم يوم 3 فبراير 1975 عن عمر يناهز 76 عامًا بعد معاناة مع مرض التهاب الكلى.