تشهد بيلاروسيا أزمة سياسية حادة إثر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التى أسفرت عن فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بولاية سابعة على التوالى. أشعل هذا الفوز موجة احتجاجات واسعة فى الداخل البيلاروسى، كما أثار ردود فعل غاضبة من الغرب، الذى رفض الاعتراف بشرعية الانتخابات ونتائجها. وفقاً للنتائج الرسمية المعلنة، حصل لوكاشينكو، الذى يحكم البلاد منذ عام 1994، على أكثر من 87% من الأصوات، بينما حصلت منافسته الرئيسية سفيتلانا تيخانوفسكايا على نسبة ضئيلة جداً مقارنة بما توقعه المراقبون. اقرأ أيضًا | أمريكا.. ترامب على طريق ريجان فى البحث عن «قبة حديدية»! دعت تيخانوفسكايا، التى اضطرت لمغادرة البلاد بعد إعلان النتائج تحت ضغط من السلطات، إلى تنظيم احتجاجات سلمية واسعة النطاق رفضًا لما وصفته ب»سرقة أصوات الشعب». وأكدت أن الشعب البيلاروسى لم يعد يقبل بقاء لوكاشينكو فى السلطة بعد 30 عامًا من حكمه الذى تخللته اتهامات متكررة بالقمع والفساد. بعد الإعلان عن النتائج، خرج الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع مينسك ومدن أخرى فى بيلاروسيا للتعبير عن رفضهم للانتخابات والمطالبة برحيل لوكاشينكو. وردت السلطات بقوة مفرطة لقمع الاحتجاجات، حيث تم اعتقال الآلاف من المتظاهرين، وتعرض كثيرون للعنف الجسدى والاعتداء أثناء الاحتجاز. يشبه بعض المحللين ما يحدث فى بيلاروسيا بثورات الربيع العربى أو الثورات الملونة التى شهدتها أوروبا الشرقية سابقًا. مع ذلك، فإن هناك فروقًا كبيرة. فالدعم الروسى القوى للنظام قد يضمن بقاءه لفترة أطول على عكس أنظمة أخرى انهارت بسبب العزلة الدولية. الانتقادات الدولية تزايدت بشأن استخدام السلطات البيلاروسية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين، بينما أكد لوكاشينكو أن الاحتجاجات هى جزء من «مؤامرة غربية» تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وإسقاط نظامها. أعلنت الدول الغربية، بما فى ذلك الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى، رفضها لنتائج الانتخابات، كما فرضت عقوبات على كبار المسئولين فى الحكومة البيلاروسية، بما فى ذلك لوكاشينكو نفسه. فى حين دعا الاتحاد الأوروبى إلى إجراء انتخابات جديدة تحت إشراف دولى لضمان نزاهتها، كما عبر قادة أوروبيون عن تضامنهم مع الشعب البيلاروسى ودعمهم لمطالب الديمقراطية والإصلاح. على الجانب الآخر، أظهر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين دعمه للوكاشينكو، وأبدى استعداده للتدخل عسكريًا إذا لزم الأمر. وتعهدت روسيا بتقديم دعم اقتصادى ولوجستى لحكومة لوكاشينكو، لمواجهة العقوبات الغربية المحتملة. يرى العديد من المراقبين أن موسكو تعتبر بيلاروسيا حليفًا استراتيجيًا مهمًا، لذلك، فإن بقاء لوكاشينكو فى السلطة يشكل مصلحة روسية واضحة، لأنه يحافظ على ارتباط بيلاروسيابروسيا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. الأزمة السياسية فى بيلاروسيا تفتح الباب أمام عدة سيناريوهات لمستقبل البلاد: 1- استمرار الحكم القائم بدعم روسى: قد يتمكن لوكاشينكو من البقاء فى السلطة إذا استمر الدعم الروسى ونجح فى قمع المعارضة داخليًا. 2- تصعيد الاحتجاجات الداخلية: فى حال استمرار الاحتجاجات واتساع نطاقها، قد تواجه الحكومة البيلاروسية تحديًا أكبر، ما قد يؤدى إلى تغييرات فى النظام أو التفاوض مع المعارضة. 3- زيادة الضغط الغربى: حيث يمكن أن تسهم العقوبات والضغوط الدولية فى إضعاف النظام. 4. وساطة دولية: قد تسعى أطراف دولية، مثل الأممالمتحدة أو منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، إلى التوسط لحل الأزمة سياسيًا من خلال الدعوة إلى حوار بين الحكومة والمعارضة. 5. احتمال تحول بيلاروسيا إلى «دولة تابعة» لروسيا فى ظل الضغوط الغربية والاحتجاجات الداخلية، سيصبح لوكاشينكو أكثر اعتمادًا على موسكو، مما يزيد من خطر تحوّل بيلاروسيا إلى دولة تابعة تمامًا لروسيا. ستظل أزمة انتخابات بيلاروسيا اختبارًا صعبًا للنظام السياسى فى البلاد ولعلاقاته مع الغرب وروسيا. وبينما سيسعى لوكاشينكو للبقاء فى السلطة بأى ثمن، فإن الشعب البيلاروسى سيواصل المطالبة بالتغيير والديمقراطية. ويبقى المستقبل مفتوحًا على جميع الاحتمالات، ولكن المؤكد هو أن هذه الأزمة ستظل علامة فارقة فى تاريخ البلاد، وقد تحدد ملامح بيلاروسيا لعقود قادمة.