في منعطف حاسم في تاريخ المنطقة السياسي، تجلت مصر، حكومة وشعبًا، ككيانٍ صلبٍ لا ينحني، وفي ملحمةٍ بصرية مهيبة، وقف آلاف المصريين اليوم عند معبر رفح، كحاجز منيع في وجه رياح التهجير، متحولًا إلى أيقونة للصمود والتحدي. احتشدت الجموع كطوفان بشري يهدر بالرفض، يخطّون بدمائهم قبل كلماتهم سطورًا لا تُمحى من ذاكرة التاريخ، مؤكدين أن القضية الفلسطينية ليست ورقة تفاوض، بل جزءٌ أصيلٌ من وجدان الأمة، نقشٌ على جدران الهوية، لا يقبل المساس أو التفريط. وفي صرخة مدوية، بعثوا للعالم رسالة كُتبت بحروفٍ من نار "لا لتهجير الفلسطينيين.. لا لتصفية القضية الفلسطينية.. لا للمساس بالأمن القومي المصري". لم يكن هذا الحراك الشعبي مجرد انفعالٍ عابر أو استجابة آنية لمشهدٍ مأساوي، بل كان انعكاسًا لوعيٍ مجتمعيٍ متجذر، تراكم عبر التاريخ كالصخر الذي لا تفتّه الرياح. أدرك المصريون بفطرتهم السياسية أن تهجير أهل غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل جزءٌ من مخططٍ جيوسياسيٍ خبيث، يستهدف إعادة تشكيل خرائط المنطقة، ويفتح أبواب الفوضى على مصراعيها، إنه ليس خطرًا يحدق بالفلسطينيين وحدهم، بل تهديد وجودي يُعيد رسم معادلات الأمن القومي المصري، ويفرض على الدولة تحدياتٍ تمتد إلى جوهر استقرارها ومكانتها في الإقليم. لم يكن تدفق الحشود نحو معبر رفح حدثًا عابرًا أو وليد لحظة غضب، بل كان تتويجًا لموجةٍ شعبيةٍ عارمة، بدأت كهمسةٍ على منصات التواصل، ثم تصاعدت كنداءٍ هادرٍ يجوب المحافظات، ليترجم إلى حراكٍ ميدانيٍ جارف. شخصياتٌ سياسية وبرلمانية وحزبية اصطفت جنبًا إلى جنب مع المواطنين، وتوحّدوا تحت رايةٍ واحدة، مدفوعين بإحساسٍ وطنيٍ لا يقبل المساومة، مدركين أن اللحظة تتطلب موقفًا بحجم التاريخ، وصرخةً تعانق ضمير الأمة، رافضةً الانحناء أمام العواصف. انطلقت الحشود من أعماق الصعيد إلى أبعد حدود الوجه البحري، حاملةً لافتات مشحونة برسائل قاطعة، ترفض بكل وضوح محاولات تهجير الفلسطينيين والمساس بالأمن القومي المصري. لم تكن تلك اللافتات مجرد كلمات، بل تلخيصًا لقلقٍ عميقٍ ينبع من وعيٍ مجتمعي يقظ، يحذر من تداعيات أي محاولة لفرض واقع ديموغرافي مشوه في غزة، سواء عبر التهجير القسري أو الضغط غير المباشر عبر الحصار والتجويع. كان الموقف المصري ثابتًا وواضحا من البداية، حيث أكدت القيادة السياسية مرارًا وتكرارًا أن مصر لن تسمح بأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، معتبرةً ذلك خطًا أحمر لا يمكن تخطيه تحت أي ظرف. وشدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، على أن الحل العادل والوحيد المقبول هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وليس تفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم إلى أماكن أخرى. وبدورها أدت الدبلوماسية المصرية، دورًا محوريًا في إفشال العديد من المحاولات الرامية إلى إيجاد "بدائل مؤقتة" لسكان غزة في مناطق حدودية داخل سيناء، وهي محاولات اعتبرتها القاهرة تجاوزًا غير مقبول لثوابت الوطن وأمنه القومي، مشيرةً إلى أن مثل هذه الخطوات تمثل تهديدًا لسلامة المنطقة بأسرها. لم يكن المشهد عند معبر رفح مجرد حدثٍ داخليٍ عابر، بل لحظةً تلاحقت فيها الأنفاس، حيث ترقبته وسائل الإعلام العبرية بتوجسٍ وقلقٍ بالغ، وبرزت عبر تقاريرٍ مصورة مقاطع فيديو وصور للحشود المصرية التي زحفت بعزيمةٍ لا تساوم، مُعبّرةً عن صلابة الموقف المصري الراسخ تجاه محاولات إعادة رسم معالم الخارطة السكانية في غزة. وصفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأنه "رسالة تحذيرية" تُعلن أن أي خطط للتهجير لن تلقى فقط رفضًا قاطعًا من الدولة المصرية، بل من الشعب المصري ذاته، في تجسيدٍ نادرٍ للوحدة الوطنية. فيما أشارت "هآرتس" إلى أن هذا التحرك يعكس "توافقًا غير مسبوق" بين الإرادة الشعبية والإرادة السياسية في مصر، مما يعزز من قوة القاهرة في مواجهة التحديات، ويمنحها قاعدة تفاوضية أكثر صلابة في أي محادثاتٍ مستقبلية حول غزة.