في عصر يزداد فيه الاهتمام بالذات وتقديرها، يبرز مفهوم "النرجسية" كأحد المصطلحات التي تثير الجدل بين الإعجاب والنقد. هل النرجسية سمة إيجابية أم اضطراب يحتاج إلى معالجة؟ هل يمكن للمرء أن يصبح نرجسيًا بإرادته أم أنها صفة يولد بها؟ هذه الأسئلة تأخذنا في رحلة استكشافية لفهم أعمق لهذا النمط الشخصي، خاصة في ظل تزايد النزعة الفردية في المجتمعات الحديثة. في هذا السياق، تسلط "بوابة أخبار اليوم" الضوء على مفهوم النرجسية، وأصولها، وأسبابها، وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية، مع محاولة تقديم رؤية متوازنة بين الثقة بالنفس والتقدير المبالغ فيه للذات. اقرا أيضأ| كيفية معرفة الشخصية النرجسية؟ أصل النرجسية يعود مصطلح "النرجسية" إلى الأسطورة اليونانية التي تحكي قصة "نرجس"، الشاب الوسيم الذي وقع في حب انعكاس صورته على سطح الماء حتى فقد حياته، هذه القصة كانت مدخلًا لدراسة الشخصية النرجسية في علم النفس، حيث بدأ علماء النفس في القرن العشرين في تصنيف هذا النمط ضمن اضطرابات الشخصية، مؤكدين أنه ليس مجرد حب للذات، بل حالة معقدة من الإعجاب المفرط بالنفس وعدم التعاطف مع الآخرين. النرجسية بين الوراثة والاكتساب تختلف الآراء حول ما إذا كانت النرجسية سلوكًا مكتسبًا أم صفة موروثة، بعض الدراسات تشير إلى أن العوامل الوراثية تلعب دورًا في تكوين هذه الشخصية، حيث يكون لبعض الأشخاص ميل فطري نحو حب الذات، بينما يرى آخرون أن البيئة المحيطة، والتربية، وظروف التنشئة الاجتماعية هي العوامل الأساسية في بناء الشخصية النرجسية، خاصة إذا نشأ الفرد في بيئة تدعمه بإفراط أو تحطّ من قيمته. المدح المبالغ فيه كعامل مؤثر يعد المدح الزائد عن الحد أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تنمية الشخصية النرجسية، عندما يتلقى الطفل إشادة مستمرة ومفرطة دون مبرر، ينمو لديه اعتقاد بأنه مميز وفريد عن الآخرين، مما قد يؤدي إلى تطوير نظرة متعالية تجاه المجتمع،على العكس، فإن الإهمال أو القسوة في المعاملة قد يدفع الشخص إلى البحث عن تقدير الآخرين بشكل مبالغ فيه لتعويض النقص العاطفي. في لقاء خاص" بوابة أخبار اليوم" مع الدكتور محمود محمد علام، الكاتب واستشاري الإرشاد النفسي والأسري، أكد أن النرجسية ليست مجرد اضطراب نفسي، بل هي طيف يمتد من الثقة الإيجابية بالنفس إلى الغرور المرضي، وأوضح قائلاً: "ليس كل من يمتلك قدرًا عاليًا من الثقة بالنفس يمكن اعتباره نرجسيًا، بل تكمن المشكلة عندما تتحول هذه الثقة إلى شعور بالاستعلاء وإنكار حقوق الآخرين"، وأضاف أن النرجسي يعاني من صراعات داخلية، حيث يسعى دائمًا للحصول على القبول والتقدير، لكنه في الوقت نفسه يخشى الفشل والانتقاد، كما أكد أن التربية تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الشخصية النرجسية، مشيرًا إلى أن الأطفال الذين يتم مدحهم بإفراط أو يتعرضون للإهمال العاطفي قد يكونون أكثر عرضة لتطوير هذه السلوكيات. وحول تأثير النرجسية على العلاقات الاجتماعية، قال د. محمود علام:"العلاقات مع الشخص النرجسي غالبًا ما تكون مرهقة، لأنه يضع احتياجاته فوق احتياجات الآخرين، ويبحث عن الإعجاب الدائم دون تقديم مقابل عاطفي حقيقي. لذلك، نجد أن الكثير من العلاقات العاطفية والمهنية تنهار بسبب هذه الشخصية". كما أكد أن النرجسية ليست دائمًا سلبية، موضحًا أن هناك نوعًا صحيًا من النرجسية يتمثل في تقدير الذات دون التقليل من قيمة الآخرين. الشخصية النرجسية أولًا: اضطراب الشخصية النرجسية يُعرف اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) بأنه حالة نفسية تجعل الشخص يشعر بأهمية مفرطة لذاته، ويحتاج إلى إعجاب مستمر، لكنه في الوقت نفسه يفتقر إلى التعاطف مع الآخرين، هذا الاضطراب يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الحياة الشخصية والمهنية، حيث يجد النرجسي صعوبة في التعامل مع النقد أو الفشل. ثانيًا: صفات الشخصية النرجسية تشمل الصفات الشائعة للنرجسي: 1.الشعور بالعظمة والتفوق. 2.الحاجة الدائمة للثناء والإعجاب. 3.استغلال الآخرين لتحقيق أهدافه. 4.عدم القدرة على التعاطف مع مشاعر الآخرين. 5.الحساسية الشديدة تجاه النقد، مع ردود فعل عدوانية أحيانًا. ثالثًا: أنواع الشخصيات النرجسية هناك عدة أنواع للنرجسية، أبرزها: النرجسي العلني: شخص واثق بنفسه، يسعى لجذب الانتباه بشكل مباشر. النرجسي الخفي: يبدو متواضعًا، لكنه يمتلك إحساسًا داخليًا بالتفوق. النرجسي السام: يستخدم التلاعب العاطفي لإيذاء الآخرين. النرجسي الاجتماعي: يبحث عن الشهرة والتقدير من الجمهور. ثامنًا: تأثير الشخصية النرجسية على العلاقات النرجسي يجد صعوبة في الحفاظ على علاقات طويلة الأمد بسبب ميله للاستغلال وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين، مما يؤدي إلى مشكلات زوجية وعائلية واجتماعية. الشخصية النرجسية والحب تمهيد على الرغم من أن النرجسي قد يبدو عاشقًا ومهتمًا في بداية العلاقة، إلا أنه يواجه صعوبة في تقديم الحب الحقيقي بسبب طبيعته الأنانية. صفات النرجسي في الحب يركز على نفسه أكثر من شريكه. يستخدم الحب كوسيلة للتحكم. يفتقر إلى التعاطف الحقيقي مع الشريك. كما أم النرجسية ليست صفة إيجابية أو سلبية بحد ذاتها، بل تعتمد على مستوى توازنها في الشخصية، فبينما يُعد تقدير الذات أمرًا ضروريًا لتحقيق النجاح، فإن الغرور المفرط والتعالي يمكن أن يؤديا إلى العزلة والصراعات الاجتماعية، لذا، فإن تحقيق توازن صحي بين حب الذات والاهتمام بالآخرين هو المفتاح لبناء شخصية قوية دون الوقوع في فخ النرجسية المفرطة.