في الثالث من شهر فبراير المُقبل، سيمر نصف قرن عر رحيل «كوكب الشرق» أم كلثوم، التي غابت عن عالمنا بجسدها، ولكن أغانيها ومواقفها الوطنية، لا تزال راسخة في عقول وأذهان الملايين في مصر والعالم العربي. وتشارك «الأخبار» فى الثالث من فبراير القادم الملايين من عشاق سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى مصر والوطن العربى فى إحياء ذكرى مرور نصف قرن على غيابها بالجسد، لكنها ما زالت تتربع على عرش الغناء دون منافس، وما زالت تسكن القلوب بصوتها الأسطورى الفريد الذى لم يتكرر، وأغانيها الخالدة التى جعلت رجل الشارع يردد خلفها أصعب القصائد التى كانت تنتقيها وهى على ثقة بأن صوتها سيصل بكلماتها إلى العامة والبسطاء الذين أحبوها وأحبتهم. والمثير بعد نصف قرن من رحيلها أن كافة محركات البحث على شبكة الإنترنت تثبت أن ملايين الشباب من الذين لم يعيشوا عصرها هم الذين يبحثون عن أغانيها، وصنعوا عشرات المئات من الصفحات الإليكترونية التى تحمل اسمها، وتحتفظ بصورها وأغانيها ولقطات أرشيفية من الصحف والمجلات التى كتبت عنها، والكتب والمسلسلات والمسرحيات التى تناولت سيرة حياتها، مما يؤكد أن الفن الصادق يبقى ويعيش، وأم كلثوم عاشت وعاش على صوتها أجيال، وستعيش فى التاريخ خارج دائرة النسيان. ◄ شخصية أم كلثوم الإنسانة هناك جانب مهم جداً فى شخصية أم كلثوم الإنسانة التى كانت محاطة بتقدير الملوك والأمراء والساسة والرؤساء وعباقرة عصرها من كبار المفكرين والكتاب والشعراء والموسيقيين، وهو الجانب الساخر وروح الفكاهة التى كانت تتمتع بها وتنافس فيها كل الظرفاء الذين عاصرتهم وعاصروها، وقد استخلصت العديد من المواقف التى نُشرت فى الكتب والصحف والمجلات القديمة .. وكانت بطلتها خفيفة الظل السيدة أم كلثوم التى لم تكن تترك شاردة أو واردة دون تعليق ساخر ولاذع يكشف عما كانت تتمتع به من ثقافة وحضور، وإليكم بعض مما نشر عن أم كلثوم الساخرة : دُعيت أم كلثوم على الغداء من إحدى العائلات الثرية لكنها اشترطت أن يأتيها طعامها المسلوق من منزلها لأنها كانت تتبع رجيماً قاسياً، فقال لها مضيفها عندما حضر طعامها فى عمود من الألمونيوم «هو ده العمود اللى كله أكل مسلوق ؟»، فقالت: «أيوه يا سيدى هو ده العمود الفقرى بعيد عنك»! . ◄ نعم يا ست لاحظت فى إحدى حفلاتها رجلاً برم شاربه وكان دائم التهريج فى اللزمات الموسيقية بصورة سخيفة فأشارت للفرقة بالتوقف ونادت عليه فقال فى بلاهة «نعم يا ست»، فقالت له : «على فكرة أنا ملاحظة أن شنبك متربى أكثر منك»!. دُعيت لإحياء حفل بمفوضية إحدى الدول الخليجية بالقاهرة، فوقع نظرها على رجل قصير يتدلى من ملابسه الخليجية سيف طويل، فهمست فى أذن أحمد رامى «الراجل ده ذنبه إيه عشان يعلقوه فى السيف ده كده ؟»!. اقرأ أيضا| في ذكرى رحيل «أم كلثوم».. سر مفاجئ وراء النظارة السوداء والمنديل سافرت لإحياء حفل زفاف أحد أبناء أسرة الشريعى بمدينة سمالوط بصعيد مصر، وكانت الحرب العالمية الثانية فى مدينة ستلنجراد الروسية على أشدها، وقف الخفراء يطلقون الرصاص فى الهواء تحية للضيوف فلما سمعت أم كلثوم الطلقات النارية قالت لأصحاب الفرح: «إحنا فى سمالوط ولا فى ستلنجراد ؟»!. ◄ الست ورامي ارتبطت أم كلثوم بصداقة قوية مع الفنان سليمان بك نجيب رئيس دار الأوبرا الملكية، قابلته فى استديو مصر فأخذت تسأله عن الحال، فقال لها: «والله يا ثومة أنا قرفان اليومين دول بعد الدكاترة ما قالوا إن عندى تصلب فى الشرايين»، فبادرته قائلة «شرايين إيه يا سليمان بك .. أنت عندك تصلب فى الرأى !»، وكان معروف عنه العناد وعدم التراجع فى أى قرار!. من المعروف أن شاعرها المفضل أحمد رامى كان يتمتع مثلها بخفة الظل، ويروى أنه كان يُستقبل بحفاوة شديدة فى كل مكان يتواجد به فقالت له أم كلثوم: «أنا مش عارفة الناس بتحبك على إيه ؟»، فرد عليها: «بيحبونى على حسك يا ست»!، وروى رامى أن أم كلثوم اتصلت به لتزوره فى دار الكتب القديمة بباب الخلق ذات السلالم الرخامية العالية، وقف على السلم ينتظر حضورها، وأخذ ينزل الدرج عندما رآها لكنه توقف عندما رآها تصعد السلم وعندما وصلت إليه سألته: «ما نزلتش ليه تستقبلنى ؟»، فقال: «أنزل إزاى وأنا روحى طالعة لحد عندى؟»، وكان رامى يدلل ابنه «توحيد» بلقب «توحة» وعندما رأته أم كلثوم لأول مرة قدمه إليه باسم الدلع، فقالت: «على كده يبقى اسمه توحرامى»!. ولم يكن أحمد رامى ينسى المقلب الذى شربه من أم كلثوم عندما طلبت منه أن تشاهد فيلماً جديداً بسينما «رويال» بشارع الجمهورية فى حفل السادسة والنصف مساء فتوجه رامى إلى السينما قبل الموعد بنصف الساعة وحجز تذكرتين، وظل يقطع الوقت فى مشاهدة واجهات المحلات بالشارع ولم تحضر أم كلثوم فى موعد الحفلة وظل ينتظر حضورها، بدأ يشعر بالقلق عليها لأنها لم تخلف له موعداً، توجه لمنزلها للإطمئنان عليها وإذ بها تلقاه ضاحكة وهى تقول : «كل سنة وأنت طيب يا رامى.. انهاردة أول أبريل !!». رحم الله سيدة الغناء العربى، خفيفة الروح والظل، واسعة الثقافة التى كانت تتمتع بحضور طاغٍ تكشف عنه نوادرها ومواقفها مع ظرفاء وعباقرة عصرها الثرى فى كل شيء.