في تطور يعكس عمق الأزمة التي تواجه صناعة الطيران العالمية، كشفت صحيفة التليجراف البريطانية عن تسجيل شركة بوينج، عملاق صناعة الطائرات الأمريكي، لثاني أكبر خسارة في تاريخها الممتد لأكثر من قرن، في الوقت الذي تأتي فيه هذه الخسائر الفادحة، تأتي في ظل سلسلة من الأزمات المتلاحقة، تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الشركة وقدرتها على استعادة ثقة عملائها وموقعها الريادي في سوق صناعة الطائرات العالمية. خسائر غير مسبوقة تهز أركان الشركة العريقة كشفت صحيفة التليجراف، عن تسجيل بوينج خسائر صافية بلغت 11.8 مليار دولار خلال العام المنصرم، في رقم لم يسبق تجاوزه إلا خلال فترة جائحة كورونا التي شهدت شللاً شبه تام لحركة الطيران العالمية، وبإضافة هذه الخسائر إلى سجل الشركة المالي، يصل إجمالي خسائرها منذ عام 2019 إلى ما يتجاوز 35 مليار دولار، مما يشكل ضربة قاسية لواحدة من أعرق شركات صناعة الطائرات في العالم. وتأتي هذه النتائج المالية المخيبة للآمال في أعقاب عام عاصف شهد سلسلة من الأحداث المؤسفة، بدءاً من حادث انفصال باب طوارئ أثناء رحلة جوية، مروراً بإضرابات عمالية واسعة النطاق شلت خطوط الإنتاج، وصولاً إلى مشاكل تقنية خطيرة في مركبة فضائية صنعتها الشركة لصالح وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). حادث انفصال باب طوارئ أزمة السلامة المتفاقمة وتداعياتها الخطيرة وفقاً لما أوردته التليجراف، تعود جذور الأزمة الحالية إلى سلسلة من المشكلات المتعلقة بالسلامة، بدأت مع الحادثتين المأساويتين لطائرتين من طراز 737-ماكس في إندونيسيا وإثيوبيا خلال عامي 2018 و2019، واللتين أسفرتا عن مقتل 346 شخصاً. هذه الحوادث المأساوية قادت إلى تعليق مؤقت لتحليق هذا الطراز من الطائرات وأثارت مخاوف واسعة النطاق حول احتمالية تضليل الشركة للجهات التنظيمية خلال عملية اعتماد الطائرة. وفي تطور جديد يزيد من تعقيد المشهد، عادت المخاوف لتطفو على السطح مجدداً في يناير 2024 مع حادث خطير تمثل في انفصال باب طوارئ في طائرة تابعة لشركة ألاسكا إيرلاينز على ارتفاع 16 ألف قدم. هذا الحادث أدى إلى تدخل إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، التي فرضت قيوداً على معدلات إنتاج طائرات 737-ماكس، ووضعت مراقبين في خطوط الإنتاج، وأمرت بمراجعة شاملة لعمليات التصنيع. التداعيات الاقتصادية والتنافسية أشارت التليجراف إلى أن التراجع الحاد في أداء بوينج انعكس بشكل مباشر على قدرتها الإنتاجية والتنافسية، حيث لم تتمكن الشركة من تسليم سوى 348 طائرة في 2024، مقارنة ب528 طائرة في العام السابق، في حين أن هذا التراجع الكبير وضع الشركة في موقف متأخر للغاية خلف منافستها الأوروبية إيرباص، التي نجحت في تسليم 765 طائرة خلال نفس الفترة، مما يعمق الفجوة التنافسية بين الشركتين. وفي محاولة لمواجهة هذه التحديات المتعددة، يقود الرئيس التنفيذي الجديد للشركة، كيلي أورتبرج، الذي تولى منصبه في أغسطس الماضي، جهوداً حثيثة لإعادة الشركة إلى مسارها الصحيح. وقد صرح أورتبرج، بحسب التليجراف، بأن عملية التعافي ستكون "رحلة متعددة السنوات"، مؤكداً أن الشركة تتخذ خطوات جادة لمعالجة المشكلات الهيكلية وإعادة بناء ثقة العملاء والمستثمرين. وفي سياق متصل، تواجه بوينج تحدياً إضافياً يتمثل في تأخر تسليم طائرتين من طراز بوينج 747 مخصصتين للرئاسة الأمريكية، المعروفة باسم "إير فورس ون". وقد تجاوزت تكاليف هذا المشروع الميزانية المحددة بأكثر من ملياري دولار، مما دفع الشركة للتعاون مع إيلون ماسك، المستشار الحالي للرئيس ترامب، في محاولة لتسريع عملية التسليم وتجنب المزيد من التأخير في هذا المشروع الاستراتيجي.