على كومة من التراب، وجد كثيرٌ من الفلسطينيين في قطاع غزة منازلهم، التي عادوا إليها أخيرًا بعد أن ولّت الحرب الوحشية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي في أرضهم وأتت بدمارها على ديارهم، بعد أن حصدت أرواح الآلاف من أبنائهم. وتركت الحرب جرحًا غائرًا في نفوس الغزيين لم ينضب ولن تداويه الأيام، وجاء عدوان الاحتلال على منازلَ ومدنٍ بأكملها فجعلها حصيدًا كأن لم تكن شيئًا بالأمس، وترك من ورائه أمة بأكملها تبيت ليلها في العراء وتُقلّب كفيها على ما آلت إليها بيوتها ومساكنها. دفع قطاع غزة أثمانًا باهظًا لتلك الحرب، فبخلاف أكثر من 47 ألف شهيدٍ على الأقل سقطوا بدم بادر من قاتليهم، بلغت نسبة الدمار في القطاع نحو 85% من المنشآت العامة والسكنية، وبلغ حجم الخسائر الأولية نحو 52 مليار دولار، وفق ما قاله رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. عاد غالبية أبناء غزة إلى منازلهم بعد توقف الحرب، وقلّ من وجدها على حالتها الأولى قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومنهم من عاد إلى موقع منزله فلم يجده شيئًا.. لقد دمرّ جيش الاحتلال بيته، وصار أثرًا بعد عين. اقرأ أيضًا: تقرير خاص| رغم توقف الحرب.. محور نتساريم يؤجل عودة نازحين إلى منازلهم شمال غزة أضرار ب52 مليار دولار وفي غضون ذلك يقول سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي لحكومة غزة، "مبدئيًا الحصر الأولي يعطينا أن حجم الأضرار في قطاع غزة يفوق ال52 مليار دولار". ويضيف معروف ل"بوابة أخبار اليوم"، "وفيما يخص الوحدات السكنية فأكثر من 85% من الوحدات قد أصابها الضرر، إما الضرر بليغ أو بشكل كامل، حيث تضررت 80 ألف وحدة سكنية بشكل بليغ بينما تضررت 200 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي، وهذه الإحصائية في جانب واحد وهو جانب الوحدات السكنية وبيوت المواطنين". ويتابع قائلًا: "نتيجة القصف والدمار الذي خلفه جيش الاحتلال هناك 55 مليون طن من الركام في محافظاتغزة". ومع عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى منازلهم كانت الصدمة لكثيرٍ منهم للحالة التي وجدوا بها منازلهم التي تصدعت وتهدمت بفعل القصف الإسرائيلي، الذي تواصل في غزة ل470 يومًا هي مدة الحرب على القطاع. «أعيش على ركام المنزل» وفي خان يونس، جنوب قطاع غزة، يقول إبراهيم مطر، وهو يعمل مدير مشروع لدى الحاضنة الفلسطينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، "الحمد لله عدت لأعيش على ركام المنزل". وأمدّ إبراهيم مطر "بوابة أخبار اليوم" بصورة لمنزله بعد أن عاد إليه، أظهرت أن الدمار جاء على جزءٍ كبيرٍ للغاية من المنزل. وحول كيفية الحياة الآن في ظل منزله المتهالك نتيجة الحرب، يقول مطر: " عايش جواه.. مقفله (البيت) بصفيح". ويشير إبراهيم مطر إلى أن الحياة الآن صعبة في ظل "أزيز" طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المتواجدة بشكل مكثف، قائلًا: "طائرة الاستطلاع فوقنا.. صدعتنا". وفي مخيم البريج، الواقع وسط القطاع على مقربة من وادي غزة، أطلع فوزي عوض، منسق اللجنة الشعبية للاجئين بمخيم البريج، "بوابة أخبار اليوم" على صور من الدمار الذي لحق بمنزله نتيجة الحرب. ويشير فوزي عوض إلى أن عاد إلى منزله بالفعل بعد توقف الحرب ليشاهد حجم الدمار في منزله، معلقًا باستنكار: "هكذا صار بيتنا". «منزلي تم حرقه» وفي مخيم البريج أيضًا، يستعرض رامي عزارة، مسؤول إعلامي لدى مفوضية الشهداء والأسرى والجرحى بحركة "فتح"، الحالة التي آلت إليها منزله بعد أن عاد إليه. ويقول عزارة ل"بوابة أخبار اليوم"، " للأسف منزلي تم حرقه.. حرقٌ من الأسفل وقصفٌ من الأعلى". ويستطرد رامي عزارة قائلًا: "ولكن الحمد لله أن وقف نزبف الدم.. ويا رب تكون هذه الحرب آخر الحروب.. وآخر نزيف للدم". وعلى الجانب الآخر، يقف عددٌ كبيرٌ من سكان غزة عند محور نتساريم ينتظرون العبور من جنوب القطاع إلى شماله بعد أن حنث جيش الاحتلال بأحد بنود اتفاق وقف إطلاق النار، والذي نصّ على إنه سيُسمح للنازحين داخليًا بالعودة إلى منازلهم شمالًا في قطاع غزة، دون حملهم السلاح، بدءًا من اليوم السادس لتنفيذ الاتفاق (أمس السبت)، كما سيتم السماح للمركبات بالعودة شمال محور نتساريم بعد فحصها من قبل شركة خاصة تم تحديدها من قبل الوسطاء بالاتفاق مع الجانب الإسرائيلي. تعطيل عودة النازحين إلى الشمال ومع ذلك، لم يسمح جيش الاحتلال حتى الآن بعبور النازحين من جنوبغزة إلى شمالها عبر محور نتساريم متذرعًا في مسألة الإفراج عن الأسيرة أربيل يهود، المحتجزة لدى المقاومة الفلسطينية، في وقتٍ تقول المقاومة إن هذه الأسير تُعامل معاملة المجندات العسكريات وليس شخصية مدنية، لذا يجب أن تكون الإفراج عنها في المراحل المقبلة من الاتفاق. وفي هذا الصدد، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الاحتلال الإسرائيلي يُمعن في التَّهرُّب من استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار ويصرّ على المماطلة والتشويش وعرقلة تنفيذ الالتزامات. وقال المكتب الإعلامي، في بيانٍ صادرٍ عنه، اليوم الأحد، حصلت "بوابة أخبار اليوم" على نسخة منه، "يواصل الاحتلال الإسرائيلي التَّنصُّل من اتفاق وقف إطلاق النار ويستمر في المماطلة والعرقلة في تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالقرار الذي وقع عليه مع المقاومة الفلسطينية، والذي نصَّ على انسحاب قوات الاحتلال من محور "نتساريم" بعد تسليم المقاومة أربع مجندات إسرائيليات". وأضاف المكتب الإعلامي قائلًا: "وعلى الرَّغم من تنفيذ المقاومة لجزء الاتفاق وتسليم المجندات، إلا أن الاحتلال، كعادته، واصل سياسة المماطلة والتلكؤ ورفض الالتزام بتعهداته". وأشار المكتب الإعلامبي الحكومي إلى أن عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني ينتظرون بفارغ الصبر فتح الممر الإنساني في محور "نتساريم"، معتبرًا أن استمرار إغلاقه يفاقم من الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن، جميعهم يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، مشددًا على أن "هذا السلوك الاحتلالي لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة إنسانية متعمدة تهدف إلى زيادة معاناة شعبنا امتدادًا لحرب الإبادة الجماعية التي نسعى لأن تتوقف منذ أن بدأت". انتظار عند محور «نتساريم» وإلى شمال غزة ينتظر أكرم جودة، منسق مبادرة "كوشان بلدي" في غزة، المرور عبر حاجز نتساريم من أجل الوصل إلى بيته في مخيم جباليا، حيث يقول: أنتظر الوصول إلى شمال غزة ومعسكر جباليا.. هناك كما فهمت.. حطام مسكن مهشم". ويضيف جودة ل"بوابة أخبار اليوم"، "أخي وابنه وابن أخي الثاني شهداء.. أنا ذاهب لدفنهم في مقبرة المعسكر التي جرفها الاحتلال.. علمت من شهود عيان أن آخر ما تبقى بالمخيم أنه مدينة أشباح مدمرة". ويمضي قائلًا: "مسكني الذي يقع في مخيم جباليا أصبح شبه مسكن الآن". ومن جانبه، يترقب الصحفي الفلسطيني أنس ريحان الوصول إلى بيته في مخيم جباليا، حيث يقول ل"بوابة أخبار اليوم"، "لم أعد إلى المنزل حتى الآن". ويتابع ريحان قائلًا: "جيش الاحتلال دمر المنزل". «الركام سيد الموقف» وبدوره، يؤكد الصحفي الفلسطيني منذر الشرافي أنه حتى الآن لم يستطع الوصول إلى بيته الواقع شمال غزة بسبب حاجز نتساريم. ويقول الشرافي ل"بوابة أخبار اليوم"، "أنا ما زلت ممنوع من الرجوع إلى الشمال". ويوضح الشرافي أن أهله المتواجدين بالفعل شمال غزة عادوا إلى المنزل، "ولكن الركام والدمار كان سيد الموقف"، حسب قوله. هكذا آلت الأوضاع في قطاع غزة المكلوم، الذي عانى ويلات الحرب الإسرائيلية الشرسة، التي دارت رحاها لأكثر من 15 شهرًا، لتبدأ معاناة أخرى مع إعمار ما خلفه الحرب من دمار، وهو الأمر الذي يحتاج لسنوات عدة لإصلاح ما أفسده جيش الاحتلال وآلته العسكرية الوحشية.