استطاعت وزارة الداخلية، خلال العام المنقضي 2024، أن تؤكد حقيقة واحدة لا خلاف فيها، وهي أن لكل جريمة حل، وأنه ليس هناك جريمة لا حل لها، وهي بهذا قد رسخت استراتيجية واضحة، قبل أن تصل إلى المواطن عُممت على جميع أفرادها من الضباط والجنود، وعليه، لو استندنا على الشق الجنائي كمثال، فإن الجريمة الجنائية قد تم مواجهتها بأكثر من أسلوب، كالتتبع والرصد والتحري وصدق المعلومة وإدخال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي والمداهمة وعنصر المفاجأة وأخيرًا الضبط، ولم يقتصر الدور فقط على ما بعد الجريمة، فقد أصبحت من أولويات وزارة الداخلية فك شفرة الجرم قبل ارتكابه، لمنعه والتصدي له، في السطور التالية نناقش جهود وزارة الداخلية في مكافحة الجريمة الجنائية، وإلى التفاصيل. الجريمة الجنائية ليست فقط معنية بجريمة القتل، بل أضف إليها السرقات بمختلف أشكالها والنصب والاحتيال والإتجار في المخدرات واستعراض القوة والبلطجة والإتجار في السلاح، وغيرها الكثير من الجرائم التي تنطوي تحت عباءة الجرائم الجنائية. المخدرات في مجال مكافحة المخدرات، مثلا، كانت أكثر الوقائع التي أحدثت صدى واسعًا واقعة السجاد، التي حدثت في محافظة بورسعيد، في سبتمبر 2024، عندما حاول بعض المهربين إدخال سجاد مستورد إلى مصر، معبأ بداخله كميات ضخمة من المخدرات، تقدر قيمتها المالية بما يتجاوز المليار ونصف المليار جنيه. بدأت الواقعة، عندما وردت معلومات للإدارة العامة لمكافحة المخدرات بقطاع مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر غير المرخصة، وأكدتها التحريات، باعتزام تشكيل عصابي جلب كمية كبيرة من المواد المخدرة عن طريق إخفائها داخل حاوية على سفينة قادمة من ميناء إحدى الدول إلى ميناء غرب بورسعيد البحري. الحاوية مسجلة بها شحنة من السجاد وفرش السجاد ومرسلة لصالح إحدى شركات الاستيراد والتصدير بمحافظة الدقهلية، المملوكة لأحد عناصر التشكيل العصابي، وذلك تمهيدًا لتهريبها عقب ذلك لإحدى الدول. وعقب تقنين الإجراءات وتنسيقًا مع أجهزة الوزارة المعنية أمكن ضبط 9 من عناصر التشكيل العصابي، وضبطت الحاوية وعثر بداخلها على 200 كيلوجرام لعقار الكبتاجون المخدر، و40 كيلوجرامًا لمخدر الهيدرو، بالإضافة إلى 6 كيلوجرامات لمخدر البودرة، المعروف بالحشيش الاصطناعي. هذه الواقعة قد تشبه الكثير من وقائع ضبط تجار المخدرات، لكنها تختلف من حيث الكمية التي عثر عليها، لأنها كانت ضخمة إلى حد كبير جدا، السجاد كان محكمًا في غلقه، والتشكيل العصابي أخذ كل احتياطاته، وأدخلوا شحنة مخدرات ضخمة وكبيرة، تقدر بقيمة إجمالية حوالي 1.5 مليار جنيه مصري. وقبل بورسعيد، وأيضا في محافظات القناة، حدثت في الإسماعيلية واقعة أخرى قام بها شابان، في أواخر يناير من العام المنقضي، تعود بدايتها عندما أكدت المعلومات والتحريات، قيام اثنين من العناصر الإجرامية شديدي الخطورة، تصنيع وترويج المواد المخدرة على عملائهما، مُتخذين من دائرة قسم شرطة ثان الإسماعيلية مسرحًا لمزاولة نشاطهما الإجرامى، وعقب تقنين الإجراءات، وتتبعهما ورصد تحركاتهما، ضبطا حال تواجدهما بمسكنهما بدائرة قسم شرطة ثان الإسماعيلية. وقد عُثر بحوزتهما على 60 كيلو جراما لمخدر الآيس "الشابو"، بالإضافة إلى150 طربة لمخدر الحشيش، وزنت 15 كيلو جراما، إلى جانب 5 كيلو جرامات لمخدر البودر، المعروف بالحشيش الاصطناعى، و"25 كيلو جراما و120 لترًا من بعض المواد والخامات التي تُستخدم فى التصنيع، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأدوات والمعدات المستخدمة فى التصنيع. وقدرت القيمة المالية للمواد المخدرة المضبوطة ب 150 مليون جنيه تقريبا. تخيل الرقم، 150 مليون جنيه حجم التجارة في المخدرات في واقعة واحدة، في محافظة واحدة، ما كان ليتم رصدها واقتياد المتهمين إلى السجن لولا يقظة رجال الأمن وحرصهم على مواجهة كافة سبل الخروج عن القانون. مراهنات كثيرا ما حذرت وزارة الداخلية من تطبيقات المراهنات، ونوهت على خطورتها وقدرة القائمين عليها في النصب على المواطنين وسرقة أموالهم، وهذه التحذيرات لم تكن مجرد بيانات دون وقائع مثبتة تدعم حجة التحذير، بل دللت على تحذيراتها المتكررة بوقائع كثيرة رصدت خلال العام المنقضي، لعل أهمها لحظة القبض على 25 شخصا كونوا فيما بينهم تشكيلا عصابيا تخصص في الاستيلاء على أموال المواطنين عبر تطبيقات المراهنات الإلكترونية. أصبح واضحًا الآن، بعد انتشار تطبيقات المراهنات الإلكترونية، استخدام بعض الخارجين عن القانون أساليب احتيالية للنصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم، من خلال هذه التطبيقات، فقد نجحت وزارة الداخلية في ضبط أكبر تشكيل عصابى تخصص فى الاستيلاء على أموال المواطنين تحت مظلة إدارة وترويج المراهنات الإلكترونية، حيث أكدت معلومات وتحريات قطاع الأمن العام قيام عدد من الأشخاص بنطاق محافظتى الوادى الجديد وأسيوط، بتجميع عدد من خطوط الهاتف المحمول المفعل عليها محافظ مالية، وشرائها من المواطنين مقابل مبالغ مالية، واستخدام تلك المحافظ الإلكترونية فى تداول الأموال على مواقع المراهنات بالمخالفة للقانون. وأسفرت التحريات أن هؤلاء الأشخاص يعملون وكلاء معتمدين لدى تلك المواقع، مستخدمين المحافظ المالية الخاصة بهم فى عمليات سحب وإيداع أموال المراهنين، وقيامهم بتحويل تلك المبالغ إلى عملات رقمية مشفرة لصالح المواقع نظير حصولهم على نسبة مالية جراء ذلك. عقب تقنين الإجراءات، بالتنسيق بين قطاع نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومديريتى أمن الوادى الجديد وأسيوط، تم استهدافهم، وأمكن ضبط عدد 25 متهمًا، جميعهم لديهم معلومات جنائية، وبحوزتهم 441 شريحة هاتف محمول، و100 هاتف محمول، بالإضافة إلى مبلغ مالي قُدر ب 825 ألف جنيه نقدًا، إلى جانب محافظ مالية إلكترونية بها ما يعادل مليون جنيه وكمية من المشغولات الذهبية و3 بطاقات بنكية، بالإضافة إلى 7 سيارات، وعدد 6 أجهزة حاسب آلى، بقيمة مالية للمضبوطات تقدر ب20 مليون جنيه. هذه الواقعة لم تكن الأضخم من حيث كونها أكبر عملية نصب بسبب المال، لكنها كانت الأهم لأنها فتحت الباب لكشف حجم التعامل المالي بين القائمين على تطبيقات المراهنات وبين وكلائهم، وكيف أن الهدف هو النصب على المواطنين تحت زعم الثراء السريع استنادًا على الحظ. دارك ويب على الرغم من أن جرائم سفاح التجمع شغلت الرأي العام المصري خلال العام الماضي، وكانت واحدة من الوقائع التي تناولها الإعلام بشكل كبيرة، هي وجريمة شبرا الخيمة، إلا أنه يعود السبب إلى العامل المشترك في الواقعتين وهو الدارك ويب، لكن هذه القضايا لم ينته العام إلا بإسدال الستار عنها عندما تم الحكم بإعدام المتهمين. لكن أكثر الوقائع غموضًا وريبة، كانت جريمة مقتل الطالب إيهاب "أشرف عبدالعزيز"، صاحب ال16 ربيعا من عمره، والتي لا تقل في بشاعتها عن جرائم سفاح التجمع، والتي شهدت أحداثها قرية ثابت التابعة لمركز الستاموني بمحافظة الدقهلية. بدأت الواقعة عندما خرج الطالب لحضور درس، فغدر به مدرس الفيزياء، وقطع جثته بعد قتله ل3 قطع، ووزع أشلاءه في أماكن متفرقة، بدأت الواقعة بتحرير محضر اختفاء للطالب، ومن ثم بدأت الأجهزة الأمنية في التحري والبحث لكشف ملابسات الواقعة، وبعدها عثر على قطعة من الجزء السفلي، للمجني عليه، داخل شيكارة، وبعد فحصها والتأكد أنها لجثمانه، دفن في جنازة مهيبة، وحتى هذه اللحظة ما زال القاتل غير معلوم، بعدها أيضا ومن خلاف تكثيف البحث والتحري، نجحت الأجهزة الأمنية في العثور على باقي أشلاء الجثة، وشيع في جنازة أخرى. السؤال هنا، من القاتل؟ فالجريمة التي شغلت الرأي العام خلال العام الماضي كانت غامضة، كل ما كان يعرف وقتها أن الطالب إيهاب خرج من منزله متوجها إلى درس الفيزياء، والذي يتلقاه عند المدرس محمد، الشخص ذائع السيط بأنه الأفضل بين أقرانه في تدريس مادة الفيزياء. الجريمة تمت، والطالب اختفى، والعائلة وأهالي القرية يواصلون البحث عن إيهاب، وبعد التيقن من موته، يواصلون البحث عن أشلاء جثمانه التي تفرقت إلى ثلاثة، ومن بين الذين يبحثون عن إيهاب، هو قاتله. 9 أيام كاملة قضاها رجال المباحث عندما استطاعوا حل اللغز، وتيقنوا من أن القاتل، هو مدرس الفيزياء، والذي أعد العدة، وترصد بالمجني عليه فور دخوله إلى منزله، وبالتحديد داخل حجرة مخصصة لإعطاء الدروس، وقيده وتعدى عليه بالضرب، والاتصال بوالده من رقم هاتف غير معلوم لدى الجميع، وطلب فدية مالية، 100 ألف جنيه، ووافق والد الطالب، ولكن الخوف والهلع الذي شعر به المدرس جعله يقدم على قتل المجني عليه، ويمثل بجثته، ويشطرها ل3 أجزاء، نصف سفلي، جزع، ورأس، ووضع أحشاء ضحيته في كيس بلاستيك، وتخلص من الجزء السفلي بعد لفه بقطعة خيش، ووضعه داخل شيكارة بمنطقة بحر التبين، والجزء العلوي بمجرى مائي بمنطقة الأمل بحفير شهاب، وعلى بعد خطوات من الجزء العلوي ألقى الرأس داخل كيس بلاستيك أسود، وذهب يبحث عن طالبه رفقة أسرته، لإعادته إلى منزله مرة أخرى. رحلة طويلة كانت تخوضها أسرة المجني عليه، حيث لم ينقطع يقينهم بعودة ابنهم، حتى عثر أحد الأشخاص على الجزء السفلي لجثة المجني عليه، وأبلغ الأجهزة الأمنية، والتي استدعت أسرة المجني عليه وتم التعرف على ملابسه ليتحول الأمل في عودة ابنهم إلى جحيم يجتاح الصبر، وينتظرون فقط العثور على باقي أشلائه، بعدما صرحت النيابة بدفن الجزء المعثور عليه وتسليمه لذويه لاستكمال إجراءات الدفن، ووسط جنازة مهيبة كفنته ودفنه أهالي القرية وسط صراخ وعويل لم تشهده القرية من قبل، ومن بين الذي يبكون، هو القاتل بعينه. وعلى قدم وساق، عمل رجال قطاع الأمن العام وإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الدقهلية لسرعة كشف تفاصيل الواقعة، وبتتبع خط سير المجني عليه تبين أن آخر مكان تواجد به هو منزل مدرس الفيزياء، لتتوجه أصابع الاتهام نحوه، ويصدر إذن من النيابة العامة لتفتيش منزله، وبالفعل قد كان وخلال عمليات التفتيش عثر على قطعة من الخيش المدممة، وهي نفس الخيش الذي عثر بداخله على الجزء السفلي للمجني عليه. وبتضييق الخناق على مدرس الفيزياء القاتل، ومضاهاة الدماء بقطعة الخيش ودماء المجني عليه تبين تطابقهما، ليخر ويعترف بجريمته النكراء وقيامه بقتل طالبه، الذي عرف فيما بعد إعلاميًا ب"طالب الدقهلية المشطور". اقرأ أيضا: الداخلية: ضبط مختل عقليا بتهمة قتل أحد المواطنين في الأقصر