لقد اتسم الاحتلال الإسرائيلي المستمر لغزة بدورات من العنف وهدن مؤقتة ومناورات سياسية، ويثير الإعلان الأخير عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، تساؤلات حاسمة حول طبيعة هذه الهدنة وتداعياتها على الملف الفلسطيني، لا سيما في ضوء التوسع العسكرى الإسرائيلي في الضفة الغربية. ◄ مخاوف من تلاعب تل أبيب بالوضع لصالحها كما حدث في لبنان وسوريا ◄ توسيع أهداف الحرب لتشمل الضفة.. استراتيجية إسرائيلية يُنظر إلى اتفاق الهدنة الأخير، الذي يتضمن تبادل المحتجزين والإفراج المرحلى عن المعتقلين، من قبل البعض على أنه مجرد وقفة تكتيكية وليس خطوة حقيقية نحو السلام، خاصة مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» بأنه يرى أن وقف إطلاق النار الجديد مؤقت وتعهد بالعودة إلى الحرب إذا لزم الأمر، وفقًا لموقع «دوتشيه فيليه» الألمانية. تمت الموافقة على اتفاق الهدنة من قبل حكومة نتنياهو بعد مشاورات مكثفة، وبموجب المرحلة الأولى من الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 33 محتجزين فى غزة على مدى الأسابيع الستة المقبلة، مقابل ما يقرب من 2000 فلسطينى لدى الكيان الصهيونى. ومع ذلك، أكدت حماس أنها لن تفرج عن المحتجزين الباقين ما لم يتم تطبيق وقف إطلاق نار دائم وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة. ◄ استدامة الهدنة هذا يثير القلق بشأن إمكانية استدامة الهدنة، خاصة بالنظر إلى تاريخ إسرائيل فى تصعيد العمليات العسكرية قبل مثل هذه الاتفاقات. ومن خلال ما نشره على حسابه الشخصى X، يرى الكاتب الأمريكى والضابط السابق فى وكالة الاستخبارات المركزية «فيليب جيرالدى» المعروف بآرائه حول السياسة الخارجية الأمريكية والاستخبارات والأمن القومى، أنه فى ضوء تاريخ مقترحات السلام المختلفة فى الشرق الأوسط من نوع أو آخر، والتى رفعت رؤوسها لفترة وجيزة فقط لتموت بشكل غير مجيد، ربما يكون من الحكمة أن نعتبر وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وغزة، بمثابة عمل قيد التنفيذ بسبب الالتزامات المحتملة لإسرائيل من قبل الولاياتالمتحدة والتى ستمنح نتنياهو خيارات تمكنه من استئناف الأعمال العدائية من خلال الاستشهاد بانتهاكات حماس للتفاصيل فى شروط وقف إطلاق النار، سواء حدثت بالفعل أم لا. ◄ لبنان وسوريا هكذا كانت اللعبة التى تم لعبها مؤخرًا فيما يتعلق بلبنان وسوريا حيث تلاعب الكيان الصهيونى بالوضع لصالحه، فيما يلاحظ الصحفى الأمريكى «كريس هيدجز» أن إسرائيل لم تنفذ أبدًا أى اتفاق تم التوصل إليه مع الفلسطينيين بشكل كامل. ومع ذلك، ومهما كانت النتيجة النهائية، فمن الواضح أن الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، الذى تعاون بالفعل مع الإسرائيليين ومكنهم من ذبح ما يصل إلى 80 ألف فلسطينى، لم يكن له أى علاقة بالتحرك الناجح نحو اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يمتلك حتى الشجاعة لمواجهة الإسرائيليين لإجبارهم على تعديل سلوكهم. كان الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» هو الذى أرسل بوضوح كبير مفاوضيه فى الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»، فى مهمة لإجراء محادثة مباشرة مع نتنياهو حول خياراته مع الإدارة الجديدة القادمة. ◄ دوافع سياسية ويجادل النقاد بأن الهدنة مدفوعة بدوافع سياسية، تهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية مع تقديم وهم بالسلام. كان دعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل محورياً؛ فقد تتيح الالتزامات التى قطعتها الولاياتالمتحدة لنتنياهو استئناف الأعمال العدائية بحجة انتهاك حماس شروط الهدنة، بغض النظر عما إذا كانت تلك الانتهاكات قد تحدث فعلاً. هذا النمط يعكس صراعات سابقة فى لبنان وسوريا، حيث تم اتهام إسرائيل بالتلاعب بالأوضاع لصالحها. تُشير التقارير، إلى أنه فى الوقت الذى كانت فيه مفاوضات الهدنة جارية فى غزة، قرر الكابينت الإسرائيلى توسيع أهداف الحرب لتشمل الضفة الغربية، ويسلط هذا النهج المزدوج الضوء على استراتيجية أوسع تهدف إلى الحفاظ على الاحتلال وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية. ومع تطور وقف إطلاق النار، والسماح بالإفراج التدريجى عن المعتقلين والسجناء، يتحول تركيز مجلس الوزراء الإسرائيلى إلى الضفة الغربية، ويشير قرار تعزيز العمليات الأمنية هناك إلى نية تشديد قبضة إسرائيل على المنطقة، التى شهدت زيادة فى العنف وتوسع المستوطنات، ويثير الشكوك حول التزام إسرائيل بحل دائم. وردًا على المقاومة الفلسطينية المتزايدة، أعادت إسرائيل استخدام الغارات الجوية والاغتيالات بطائرات بدون طيار والعمليات العسكرية، وهى الإجراءات التى تضاءلت سابقًا بعد الانتفاضة الثانية. ورغم الدعوات إلى نشر معدات عسكرية أثقل، بما فى ذلك الدبابات، لم يتقدم الجيش الإسرائيلى بهذه الخطة بالكامل، مستشهدًا بالأولويات اللوجستية فى غزة والجبهة الشمالية. وبالتوازى مع ذلك، لا تزال ميليشيات المستوطنين المسلحة تشكل تهديدًا كبيرًا، حيث قد تشن حملات عنيفة لتطهير القرى الفلسطينية عرقيًا، ومع تقدم إسرائيل فى أجندتها الخاصة بالضم وتوسيع المستوطنات فى الضفة الغربية، سمح عجز السلطة الفلسطينية عن المقاومة للمستوطنات غير القانونية بالنمو دون رادع. وإذا صمد وقف إطلاق النار في غزة، فمن المرجح أن يتحول التركيز في أجندة إسرائيل الإقليمية إلى الضفة الغربية، مما قد يؤدى إلى تسريع جهود الضم والتطهير العرقي. مع تنفيذ الهدنة، يبقى العديد من المراقبين متفائلين بحذر ولكنهم يشككون فى إمكانات تأثيرها على المدى الطويل، وقد توفر الهدنة وقفة مؤقتة للعنف؛ ومع ذلك، دون معالجة القضايا الأساسية مثل حقوق الأراضى، والسيادة، والوصول الإنسانى، فإنها قد تكون مجرد فصل آخر فى تاريخ طويل من الوعود المنكسرة والتلاعب السياسي الإسرائيلي.