كلما بحث العلماء فى كوكب الأرض كلما اكتشفوا روعة هذا الكوكب الاستثنائى النادر! يفيض تاريخ البشر الحديث بقصص عن الفضائيين من أشهرها رائعة هربرت جورج ويلز « حرب العوالم» والتى قدمتها السينما بجانب عدد لا حصر له من الأفلام التى تتحدث عن سكان الفضاء، ولا تمر فترة إلا وتتداول القنوات الفضائية والمواقع أخبارا عن الفضائيين وظهور مركبات فضائية سقطت على الأرض. الأمر أشبه بسحر المجهول وما ينطوى عليه من غموض فهناك شيء مثير ومحير فعلا فى الموضوع. فهل يُعقل أنه فى كل هذا الكون المترامى الأطراف بمجراته ونجومه وكواكبه ليس هناك أحد سوانا؟ دارت هذه الأسئلة فى ذهني: هل هناك مخلوقات أخرى غيرنا فى هذا الكون؟ وإذا كانت الإجابة بلا، لماذا الحياة على الأرض وحدها؟ ولماذا لا توجد حياة مثلنا على الكواكب المشابهة مثل المريخ مثلا، وهو فى نفس المجموعة الشمسية وقريب من الأرض؟ لماذا لا نرى على الكوكب الأحمر أشجارا، ومحيطات، وأنهارا، وغابات، وطيورا؟ هل هذا فقط بسبب وجود الأُكسجين على الأرض؟ وهكذا، بحثا عن إجابات لهذه الأسئلة بدأت دورة دراسية عن الكون المحاضر فيها هو البروفيسور مايكل وايسيشن أستاذ علوم الأرض والكواكب فى جامعة واشنطن، والحقيقة أنها محاضرات من تلك النوعية التى تجعلك ترى كل شيء فى الكون بشكل مختلف، حتى الطريقة التى تنظر بها لنفسك فى المرآة، لقد استغرقت الدراسة الحرة حوالى عامين وتطرقت لكل شيء بدءا من الانفجار الكونى العظيم - تحديدا أجزاء ضئيلة من الثانية بعده - أى منذ ما يقرب من 13.7 مليار سنة وحتى الوقت الحاضر. وللحق إن كان البحث فى الأحداث التاريخية التى وقعت منذ ألف سنة أمرا صعبا على المحققين التاريخيين فإن فهم ما مر به كوننا حتى هذه اللحظة هو أمر شديد الصعوبة على العلماء فى مجالات الكون لأن عمر كوننا هذا مليارات السنوات تحديدا 13.7 مليار سنة، ولكن ما ساعد على تسهيل مهمة العلماء هو أن هناك أربع قوى أساسية ثابتة تحكم هذا الكون وهى القوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى وقوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية وهذه القوى شديدة النظام وفهمها يمكننا من فهم الكون. وقد كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى أن أعرف أن هذا الكون الذى نعيش فيه والذى بالمناسبة ينمو ويكبر باستمرار، هذا الكون الذى يمثل كوكب الأرض بالنسبة له هو نقطة فى بحر وموجود داخل كون أكبر، ولكن لن نستطيع أن نعرف ما هو خارج كوننا، فقط نستدل عليه بالحسابات، فعالمنا عالم ثلاثى الأبعاد موجود داخل كون رباعى الأبعاد! ومن أجل الإجابة عن السؤال حول وجود فضائيين فى الكواكب الأخرى من عدمه كان من الضرورى فهم كوكب الأرض أولا، والحقيقة أنه كلما بحث العلماء فى كوكب الأرض كلما اكتشفوا روعة هذا الكوكب الاستثنائى النادر! الأرض كائن حى! كانت حقيقة مدهشة بالنسبة لي، حينما قال الدكتور مايكل وايسيشن :» لا تندهشوا الأرض كائن حى وهى تتغير باستمرار لدرجة أنه لو كان باستطاعتنا أن نأتى بآلة لتسريع الزمن ووضعناها فى الفضاء لنراقب سطح الأرض فلن نتعرف على كوكبنا عبر الأزمان المختلفة لأنها تتغير باستمرار مثل الدوامة فى البحر فسطحها فى حالة من الحركة المستمرة، ونحن لا ندرك ذلك لأن التغيير يحدث وفقا لعمر الأرض، ونسميه الزمن العميق وتشبه أعمارنا نحن البشر بالنسبة له ومضة عين، فإن كان عمر الإنسان مثلا مئة عام فإن عمر الأرض أكثر من أربعة ونصف مليار سنة، ولهذا فنحن لا نعيش لنرى كيف تتغير الأرض لدرجة أن جبال الهيمالايا كانت فى أحد الأيام أعمق نقطة فى محيط»!! ليس هذا فحسب، بل إن الأرض مميزة للغاية لأن بداخلها حرارة تخرج لسطحها تساعد فى الحفاظ على وجود الحياة عليها، وهذه الحرارة ناتجة عن وجود ثلاثة عناصر هى البوتاسيوم واليورانيوم والثوريوم! والمذهل حقا أن العلماء اكتشفوا مؤخرا أن باطن الأرض عبارة عن مجموعة من الألواح أو الصفائح التى تسمى الصفائح التكتونية وهى تتحرك بشكل فى منتهى الدقة وحركتها تسبب التنوع الجغرافى من جبال، وغابات، وصحراوات، وغيرها! بل حتى الزلازل والبراكين هى نتيجة لحركة هذه الألواح حتى وجود النفط وأماكن المعادن كلها ليست عشوائية وإنما تخضع لقوانين صارمة، باختصار شديد الحياة موجودة على الأرض لأن الكوكب نفسه حي، ببساطة نحن أحياء يعيشون على سطح كوكب مفعم بالحياة! ولكى نضيف للحقائق المذهلة واحدة جديدة يكفى أن نعلم أن حجم الشمس نفسه له دور فى وجودنا على الأرض فلك أن تتخيل عزيزى القارئ أنه لو كانت الشمس أكبر ثلاث مرات من حجمها الحالى لعاشت 150 مليون سنة فقط وماتت منفجرة فى ظاهرة يطلق عليها» السوبرنوفا» ولكن وجود الشمس بهذا الحجم الصغير نسبيا ساعد على استمرار الحياة على كوكبنا لتكون بالشكل الذى هى عليه! وهكذا من يبحث فى الكون يرى إلى أى مدى الإنسان محظوظ بأن يكون سيد هذا الكوكب الاستثنائى المهيأ لحياته وبالرغم من ذلك يسعى الإنسان لاستعمار كواكب أخرى مثل المريخ علما بأن كوكب المريخ هو الأسوأ فى المجموعة الشمسية من حيث العواصف فمثلا تحدث فيه عواصف رملية تحتفظ بالحرارة داخلها لتجعلها ترتفع 30 درجة مئوية مرة واحدة، وتستمر هذه العواصف لأسابيع وتغطى كامل الكوكب. مستقبل رائع كلما استطعنا فهم القوانين الدقيقة المنظمة لكوكب الأرض كلما اقتربنا من إيجاد حلول لمشكلات كثيرة فمثلا بعد فهم العلماء للألواح التى تشكل باطن الأرض أصبح بالإمكان تحديد الأماكن المحتمل حدوث الزلازل فيها ويعكف العلماء على حقن أنواع من بكتيريا الصخور التى تحدث تغييرا فى طبقات الأرض بحيث تصبح الزلازل مستقبلا ضعيفة ولا تسبب دمارا كالذى نشهده فى الزلازل الكبيرة. أيضا وقوع ضحايا للبراكين سيكون من الماضى حيث سيتم بسهولة رصد المواد المنصهرة وهى فى طريقها لسطح الأرض مما يسهل عملية إخلاء الأماكن ليس هذا فحسب، بل إن هناك أربعة أنواع من النباتات قادرة تحديدا على العيش فى المناطق التى تعرضت للبراكين والحرائق لجعلها لا تختلف عن غيرها من الأماكن! فى السينما فقط وهكذا بعد العديد من المحاضرات والبحث أصبحت أعتقد أننا لن نقابل يوما ما الفضائيين فنحن لحسن الحظ آمنون لن يأتى أحد ليعذبنا ويقتلنا للاستيلاء على كوكبنا، فنحن محظوظون للغاية لننعم بهذا الكوكب! والآن، بعد كل هذه الروعة والتفرد والنعمة والجمال ماذا فعل البشر بنعمة وجودهم فى الأرض؟ إن ما فعله البشر شيء قاس، حروب وصراعات فى كل مكان بالإضافة للمواد الملوثة التى يصنعها البشر. فى الواقع، عمر البشر بالنسبة لعمر الأرض قصير جدا لدرجة أننا لو تخيلنا أن عمر الأرض على هيئة ذراع إنسان فعمر البشر مثل حجم بعض ذرات الرماد التى يمسحها الإصبع والمدهش أنه لم يخرب نوعا آخر فى الأرض مثلما فعل الإنسان! لا أعرف الحقيقة التفسير العلمى وراء بحثنا عن الآخر فى الكون ونحن الذين نعيش فى صراعات طوال الوقت لدرجة تشغلنا عن الاستمتاع بهذا الكوكب المذهل، نحن لا نلتفت للسحر والروعة التى تحاصرنا، فالجمال يفيض بوفرة فى كل زاوية. ولكن من الذى يقتطع وقتا مثلا ليجلس ويتأمل الغروب أو الشروق؟ إنها مشاهد فاتنة أشبه بقصائد مكتوبة بلغة الأرض أو بالأحرى لغة الكون اللغة الأم الأقدم من عمر البشر، وبينما تدور كل هذه الأفكار فى رأسى عما فعله الإنسان فى كوكب الأرض أتذكر أبياتا من قصيدة «لا غير أنت» للشاعر أحمد حسن عوض والتى يقول فيها: لا غير أنت هل كنت تعرف ما تريد؟ أم كنت تمعن فى الظنون؟ هل كنت تعرج للسماء؟ أم كنت تهبط للجنون؟ لا غير أنت؟ ومن تكون؟