مع تنصيبه بولاية ثانية وقع الرئيس الأمريكي ال 47 دونالد ترامب حزمة من الأوامر التنفيذية "العاصفة"، وصل عددها ما بين 38 إلي 100 أمر، تعزيزا لوضع بصمته علي الإدارة الجديدة واصفا تنصيبه بأن الولاياتالمتحدة عادت أمة عظيمة. تنوعت الأوامر بين إلغاء إجراءات لسلفه، والعفو عن مقتحمي الكونجرس لعام 2021، والتنوع، والطاقة، والمناخ، والهجرة، والتضخم، واستهداف الدولة العميقة، وغيرها من الإجراءات، ما يعد ببداية ترامبية قوية. هذا الزخم الذي صاحب تنصيب ترامب دفعنا لإزاحة الستار عما هي الأوامر التنفيذية ومتي يلجأ إليها الرئيس؟ الأمر التنفيذي وفق وسائل إعلام غربية هو توجيه رسمي يصدره رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، يستخدم بشكل خاص في أنظمة الحكم ذات السلطة التنفيذية القوية، مثل الولاياتالمتحدة، ويصدر عن الرئيس دون الحاجة إلي موافقة البرلمان أو الكونجرس، كما يتميز بأن له قوة القانون، وفي الحالة الأمريكية يمكن أن تكون خاضعة لمراجعة قضائية إذا تجاوزت صلاحيات الرئيس. التضمين بالدستور ليس مذكوراً بشكل صريح في الدستور الأمريكي، ولكنه يعتبر امتدادًا لسلطات الرئيس التنفيذية كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من الدستور، وتمنح هذه المادة للرئيس صلاحيات واسعة لتطبيق القوانين وإدارة الشؤون الحكومية. وشأنها شأن القوانين الاعتيادية، من الممكن أن تراجع المحاكم الأوامر التنفيذية، ومن الممكن إبطالها أو إلغاؤها بفعل تشريعات جديدة أو أوامر تنفيذية لاحقة. كما تنحصر فائدتها في اتخاذ إجراءات عاجلة، وتحديد كيفية تنفيذ القوانين وإدارة الأزمات والطوارئ، من أشهرها إعلان تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس إبراهام لينكولن في 1863. ترامب بالمقارنة مع أوباما وبايدن أصدر ترامب خلال ولايته الأولي 220 أمرًا، تنوعت بين الهجرة والأمن القومي جاء أبرزها، بناء جدار عازل مع المكسيك وحظر السفر إلي البلاد ذات الاغلبية المسلمة عرف ب "حظر المسلمين"، وفرض عقوبات ضد التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية. وفي ولايتي باراك أوباما تميزت أوامره ال 276، بتركيزه علي الحقوق والرعاية الصحية، أما الرئيس السابق بايدن فأصدر 107 أمرًا انحصرت في تغيير العديد من سياسات ترامب والتركيز على البيئة والعدالة الاجتماعية، وجاء رد ترامب عليه بعد تنصيبه بإلغاءها. حالات الإصدار مع تكرار حالات الإلغاء والاصدار للأوامر، يتيح النظام السياسي الأمريكي لكل رئيس توجيه السياسة العامة من خلال الأوامر التنفيذية، وفقًا لعدة أسباب تتمثل في: الوفاء بالوعود الانتخابية حيث غالباً ما يلغي الرؤساء أوامر تنفيذية لتحقيق الوعود التي قطعوها أثناء حملاتهم الانتخابية. مثلما حدث مع بايدن عندما ألغى حظر السفر على المسلمين الذي فرضه ترامب. من بين الأسباب أيضاً، الأيديولوجيا والسياسات الحزبية، إذ غالبا ما ينتمي الرؤساء إلى أحزاب سياسية ذات رؤى مختلفة، لذلك عندما يتغير الحزب الحاكم في انتقال السلطة من رئيس جمهوري إلى رئيس ديمقراطي، يكون من المتوقع أن يلغى الرئيس الجديد الأوامر التنفيذية التي لا تتماشى مع سياساته أو رؤيته. بجانب هذا وذاك هناك أيضا سبب ثالث يتمثل في إعادة توجيه الأولويات، حيث يأتي كل رئيس بجدول وأولويات مختلفة، قد تعكس أجندة وسياسات تبتعد عن الأهداف التي يسعى الرئيس الجديد لتحقيقها، كما تتيح سرعة إصدارها دون المرور بالكونجرس، إلي سهولة إلغاءها أو تعديلها، مثال على ذلك عندما أعاد جو بايدن الولاياتالمتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ بعد انسحاب دونالد ترامب. بالإضافة إلى ذلك هناك سبب أخر يتعلق بما يطلق عليه تحدي الإرث السياسي للرئيس السابق، في بعض الأحيان، يكون الإلغاء بدافع معارضة شخصية لسياسات الرئيس السابق بهدف ترك بصمة مميزة على السياسة العامة وإعادة تشكيل توجهات الحكومة. وفي المقابل، يؤدي تكرار الإلغاء إلي عدم الاستقرار في بعض المجالات مثل المناخ والهجرة ما يبرز أهمية توازن السلطات. الحالات التاريخية باعتباره أداة تستخدم لسرعة تنفيذ السياسات والقوانين تعددت الأوامر التنفيذية، بحسب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تقتضيها الحاجة، وتتمثل أبرز هذه المحطات التاريخية ما يلي: -إعلان التحرير عام 1863: أصدر الرئيس أبراهام لنكولن هذا الأمر التنفيذي لتحرير العبيد في الولايات الكونفدرالية أثناء الحرب الأهلية. -عام 1942:وقّعه الرئيس فرانكلين روزفلت، الأمر 9066، ما أدى إلى احتجاز الأمريكيين من أصل ياباني في معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية. -عام 1948: أصدر الرئيس هاري ترومان الأمر 9981، لإنهاء الفصل العنصري في الجيش الأمريكي. -عام 1957: أصدر داويت أيزنهاور أمرًا للحرس الوطني لتنفيذ قرار المحكمة العليا بإلغاء التمييز في المدارس العامة في أركنساس. -عام 1979: أمر جيمي كارتر، بتجميد الأصول الإيرانية في الولاياتالمتحدة بعد أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، والتي كانت جزءًا من السياسة الأمريكية تجاه إيران وما زالت تداعياته مستمرة. وفقا لما سبق، تُظهر أوامر ترامب التنفيذية الجديدة، خارطة لتوجهات إدارته نحو إعادة صياغة السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، مع التركيز على تعزيز الأمن القومي، تقليص التدخل الحكومي، والانسحاب من الالتزامات الدولية التي يعتبرها غير متوافقة مع المصالح الأمريكية. لذلك تعد فعالية الأوامر التنفيذية وقانونيتها مرتبطة بمدى احترامها للدستور والقوانين القائمة لأهميتها في تسيير شؤون الدولة ومعالجة القضايا الملحة.