برز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، كواحد من أهم الشخصيات التي تُوظف الاستخبارات لخدمة الدبلوماسية، خاصة خلال الأزمات الدولية، حيث إن دوره في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، يكشف كيف يمكن للتعاون بين الاستخبارات والدبلوماسية أن يعيد تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في مواجهة تحديات معقدة. لطالما آمن بيرنز، بأن الدمج بين الاستخبارات والدبلوماسية هو المفتاح لحل النزاعات الدولية المعقدة، ففي مقاله بمجلة «أتلانتك» الأمريكية، يشرح الكاتب شين هاريس كيف ساعد بيرنز في صياغة اتفاق غزة، بعد 15 شهرًا من المفاوضات الشاقة، مشيرًا إلى أن هذا النهج الجديد قد يُعيد تشكيل دور الولاياتالمتحدة في الساحة الدولية. اقرأ أيضًا| النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن ذاقت ويلات عدوان الاحتلال ◄مفاوضات غزة.. الأصعب في مسيرة بيرنز المهنية وصف بيرنز المفاوضات مع حماس بأنها "الأكثر صعوبة" في حياته المهنية، متجاوزة حتى المحادثات السرية للبرنامج النووي الإيراني التي أفضت إلى اتفاق 2015، حيث إنه تعقيد التواصل لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة قبل دخوله حيز التنفيذ أمس الأحد، بالإضافة إلى الجانب الأمني والسياسي، ركز بيرنز على البُعد الإنساني للأزمة في غزة، فمع استشهاد مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير المنازل، حرص بيرنز على ضمان أن هؤلاء الضحايا ليسوا مجرد "تفاصيل" في خطة سلام رسمية، مؤكدًا على أهمية وضع الحلول الإنسانية في صلب أي اتفاق مستقبلي. ◄تاريخ حافل قال البعض في واشنطن إن الدبلوماسيين الأمريكيين غالبًا ما يتمتعون بخلفية استخباراتية «ضرورية»، بمعزل عن انتماءاتهم السياسية والحزبية، ويُجبرهم موقعهم الدبلوماسي على التزام «الحيادية» في تمثيل دولتهم. وهو قول ينطبق علي ويليام بيرنز، الذي قضي نحو 4 عقود في الدبلوماسية الأمريكية، انتهت بتكليف الرئيس الأمريكي، جو بايدن الذي تربطه علاقة ممتدة به ترجع لجذورهم الكاثوليكية الأيرلندية في 11 يناير 2021، له كمديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية "CIA"، لتبدأ رحلته في إدارة أزمات وملفات وصفت بالأكثر خطورة في إدارة بايدن. وقال الكاتب، وفقًا لحسابات بيرنز الخاصة، فقد قام ب 84 رحلة إلى الخارج خلال أربع سنوات من عمله كمدير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، خص 19 رحلة منها للشرق الأوسط، للمشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة، حتى بالنسبة لدبلوماسي سابق متجول، فهذا جدول سفر مزدحم، بالنسبة لرئيس وكالة استخبارات. ◄رسائل حاسمة وباعتباره سفير سابق لروسيا والأردن وثاني دبلوماسي محترف يصبح نائبًا لوزير الخارجية، بالإضافة إلى إجادته للغة الروسية والعربية والفرنسية، استطاع أن يكسب ثقة بايدن، في إيصال رسائله إلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وليس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في نوفمبر 2021، بأنه على علم بإستعداده لخوض الحرب الروسية الأوكرانية، نظرًا لمعرفته لموسكو وزعيمها، لدرجة أن مازحه الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، بأنه يستطيع أن يحصل علي تذكرة مجانية للقطار الذي ينقل زعماء العالم من بولندا إلي كييف من كثرة جولاته. كما يُعد الشخصية الرئيسة في تعزيز دعم إدارة بايدن لأوكرانيا، بعدما جمعت وكالته المعلومات الاستخباراتية بشأن خطط روسيا بالحرب الروسية الأوكرانية. اقرأ أيضًا| بايدن أم ترامب| من كان له اليد العليا في وقف إطلاق النار في غزة؟ ◄العلاقات الإنسانية وتبادل الثقة قال بيرنز، "إن العمل الاستخباراتي والدبلوماسية، مبنيان علي العلاقات الإنسانية وبناء الثقة والحفاظ علي المصداقية، وفي كل السنوات التي قضيتها في الخارج، تعاملا الجناحين بشكل أوثق من أي جزأين آخرين من حكومة الولاياتالمتحدة". لذا فقد حرص من خلال وجوده علي رأس الوكالة، أن يبني علاقات جديدة وجيدة مع زعماء العالم، وبحسب العديد من مساعديه فإن" بيرنز يعرف الجميع". واستطاع بيرنز، أن يغير المفاهيم لطالما ارتبطت بالوكالة المركزية، مثل البيروقراطية الثقيلة التي كانت تنتج في بعض الأحيان تحليلات متصلبة تفتقر إلى العمق والتوقيت المناسب مع عدد من الاخفاقات، وهو ما عرضها لانتقادات عدة منها، عدم ثقة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال ولايته الأولي فيها وتهميشها، وصل الأمر أن قال علنا عنها إنه يميل إلى تصديق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين أكثر من تصديق الوكالة. ويتابع الكاتب، في وقت مبكر من ولايته، ورغم نيله الثناء لضمان حصول الضباط المصابين لما يسمى متلازمة هافانا على الرعاية الطبية الكافية، وهو ما لم يحصلوا عليه في عهد سلفه، شعر هؤلاء الضحايا بخيبة أمل عميقة لأن بيرنز، الذي اشتبه في البداية في أن روسيا هي المسؤولة عن المرض، انحاز في النهاية إلى المحللين الذين قالوا إنه لم يكن من عمل قوة أجنبية، وفقًا لقوله. ◄الولاياتالمتحدة بحاجة إلي سياسة خارجية جديدة بحسب الكاتب، لقد اعتاد بيرنز، على إجراء محادثات لا يستطيع السياسيون إجراؤها، لكنه كان مدركًا بصفته رئيسًا لوكالة استخبارات أمريكية، لم يكن هو من يصنع السياسة الخارجية، بقوله "وظيفتي هي دعم صناع السياسات، وليس أن أصبح واحدًا منهم"، لكنه أشار إلى أنه إذا طلب الرئيس رأيه، "فسأخبره"، على حد قوله. بقي بيرنز في مساره كمدير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية لبايدن، ومع تسليمه مهمة تلو الأخرى، دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عن متى يتم ترشيحه رسميا لحقيبة الخارجية، وسط توقعات بإمكانيته حال فوز بايدن أو هاريس بولاية ثانية. لكن بيرنز، سيضطر إلى الاكتفاء بالموقف الهجين الفريد الذي خلقه: أطلق عليه اسم الجاسوس الدبلوماسي. ومع توصل إسرائيل وحماس أخيرًا إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي ساعد فيه مع زملائه على حد تعبيره، ورغم طبيعة العمل الاستخباراتي الأمريكي ما يجعله سري للغاية يقول بيرنز "لا يتوقع الناس هنا الحصول على الثناء أو الاعتراف العلني"، ومع ذلك، فإن وقف إطلاق النار الذي ساعد في ابتكاره هو أهم عمل قد ينهي به حياته المهنية، على حد قوله.