كنت من المحظوظين برؤية اللحظات الأخيرة للكتاب، واستقبال القرَّاء له .. بعد طبعه بأيام قليلة نفدت خمس طبعات . عبر تاريخنا الطويل كانت قوة مصر فى تماسك شعبها، الذى كان يصطف خلف جيشه حال ظهور أى خطر يهدد كيان الدولة، مصر كانت دولة بمفهوم الدولة العصرية، كانت معروفة بحدود منذ قديم الزمن لم تتغيَّر حتى اليوم، المتوسط كان حافة النهاية لحدوها الشمالية، والصحراء الغربية تفصلنا عن ليبيا، والنيل يربطنا بالسودان، وعندما تختلف لون البشرة نعرف آخر حدونا، فى كل انتصارات الدولة المصرية عبر تاريخها الطويل كان الشعب خلف جيشه، وعندما وفد للشرق الأوسط ملوك أوروبا بقوة عسكرية لم تعرفها حروب المنطقة، خرج جيش مصر وخلفه الشعب وربحنا المعارك، رغم أن كل الإمكانات كانت فى صالح جيوش أوروبا، وحافظنا على مفاتيح بيت المقدس، وقال صلاح الدين كلمته لملوك أوروبا: نحن أهل سلام، لم يعد ملوك أوروبا بالهزيمة فقط، بل بعقيدة أن المقاتل المصرى روحه القتالية عالية هو أقوى من السلاح الذى يحارب به. وعندما هاجمت قوات التتار دول الشرق لم يُوقف زحفهم سوى المقاتل المصرى، عندما جاء وقت المعركة كانت معظم رسائل جواسيس التتار بأن الأوضاع فى مصر ليست بخير بعد وفاة آخر سلاطين بنى أيوب، ولكنهم لم يحسبوا انتفاضة شعب مصر الذى وقف وراء جيشه، وخلت البيوت من الشباب، خرجوا من أجل الدفاع عن وطنهم. هزيمة التتار من قِبل الجيش المصرى حافظت على حضارات دول كانت مهددة بالانقراض، أنهت أسطورة التتار بأنهم لا يعرفون الهزيمة، عادوا من حيث جاءوا مُكبلين بهزيمة أنهت على أحلامهم باعتلاء سدة الحكم فى العالم. فى حرب العزة والكرامة أكتوبر 1973، كان جنودنا أبطالًا فى أيام وليالى الحرب، وضرب الشعب المثل فى التماسك، لدرجة أن الأيام الأولى للحرب خلت أقسام الشرطة من أى بلاغات بكل أنواعها.. الشعب الذى يصدر منه السلوك الحضارى هو شعب واعٍ يُدرك قيمة وطنه ويقف خلفه لحظة الخطر. ياسر رزق .. الإنسان الأسبوع الأول من يناير 2022، كان الكاتب الصحفى الراحل ياسر رزق يحتفل بنجاح مؤلَّفه «سنوات الخماسين بين يناير الغضب ويونيو الخلاص»، الذى دوَّن فيه شهادته لما جرى فى الفترة ما قبل يناير 2011 وحتى يونيو 2014. كنت من المحظوظين برؤية اللحظات الأخيرة للكتاب، واستقبال القرَّاء له، بعد طبعه بأيام قليلة نفدت خمس طبعات، الفارق بين الطبعتين الأولى والثانية ساعات قليلة، رأيت رؤية العين المجهود الكبير الذى بذله الراحل لإنجاز كتابه، وشاهدت النقاشات الدقيقة مع زميلى أحمد المراغى، الذى كان غلاف الكتاب من تصميمه. فى مثل هذا الوقت كنت شاهد عيان على مكالماته فى الاتصال بمَن يُحب لإرسال مُؤلَّفه.. الإهداء كان وصفًا لعلاقته بالمُرسل إليه، كأنه يعرف أن أيامه اقتربت نهايتها، وقبيل رحيله عن عالمنا احتفل مع أحبائه فى دار الأوبرا بحفل توقيع لكتابه. لم تمر سوى عشرة أيام على حفل التوقيع، واستقيظ أحباؤه على الخبر، الذى أبكى قلوب الجميع. وعندما تكتب عن ياسر رزق يصعب أن تختزل حروفك على المهنية، التى كان يمتاز بها، فهو أفضل جيله وأكثرهم شهرةً، وقد نجح فى كل الأماكن التى عمل بها، صنع مجدًا لمجلة «الإذاعة والتليفزيون»، رفع توزيعها حتى صارت بلا مرتجع، أما عن «الأخبار» معشوقته، فإنه خلال الولاية الأولى، صنع نجومًا يصعب حصرهم، فى الولاية الثانية بعد عودته مجددًا فى يناير 2014 راهن على الشباب، الذين كانوا عند حُسن ظنه، وتألّقوا بصورة كبيرة. فى صالة تحرير «المصرى اليوم» يأتى اسمه بكل الخير، قضى معهم عامًا حققت فيه الجريدة قفزات كبيرة. فى شارع النجاح أجمع الكل على نبل ياسر رزق، هو كان إنسانًا بمعنى الكلمة، تدمع عيناه إذا سمع قصة مؤثِّرة تخص شخصًا يعرفه، كان شديد التأثَّر بمعاناة الآخرين. ياسر رزق رحل لمولاه ويعيش بيينا بسِيرته العطرة، التى تكون فى أحاديث مَنْ يعرفه، يُلازم ذكر اسمه الدعاء وطلب المغفرة من رب العباد، والدعاء بحِفظ ذريته، فى قاموس خدماته مرضى تم علاجهم على نفقته دون أن يعلموا، صحفيون موهوبون داخل المؤسسة وخارجها سعى لتعيينهم لإيمانه بموهبتهم. ياسر رزق رحل عن عالمنا فى 26 يناير 2022، ألف يوم وأكثر لا يزال اسمه يتردد بكثرة فى شارع الصحافة صدق مَن قال السيرة أطول من العمر. الخدمات الجماهيرية للداخلية بدايات عام 2015 كنت بصحبة زميلى محمد هاشم، مدير تحرير «أخبار الحوادث»، فى قطاع الأحوال المدنية، وبعد جولة سريعة بين مكاتب ضباطها اتجهنا لمكتب اللواء إيهاب عبدالرحمن، مساعد وزير الداخلية للقطاع، حوارنا معه استغرق ساعة من الزمن، يومها شرح لنا خطة وزارة الداخلية فى تطوير الخدمات الجماهيرية، التى من ضمنها خدمات الأحوال المدنية، ما كان يقول كنا نعتبره فى مصاف الأحلام، أشياء كثيرة تُوفّر الوقت والراحة للمواطن. رحل اللواء إيهاب عبدالرحمن عن منصبه بعد أن أدى المهمة بامتياز، ولكن خطط وزارة الداخلية كانت مستمرة فى تطوير القطاع، وخلال السنوات الخمس الأخيرة كانت التوسعات الكبرى فى إنشاء مقار ذكية لمستخرجات الأحوال المدنية، المقار لم تكن مقصورة على المدن، بل وصلت للقرى أيضًا. شعرت بالفرحة الكبيرة فى الصيف الماضى عندما رأيت أداء المقار فى قرى الأقصر التى تم افتتاحها خلال آخر عامين، العمل داخل المقار يتم بنظام البنوك الكبرى، لا وجود للطوابير، كل شىء إلكترونى، برقمك تتحرك لإنجاز المهمة. وخلال فترات التقديم للكليات العسكرية لجأ العديد من زملائى طالبى الدعم لاستخراج القيود العائلية، كانت نصيحتى لهم التوجّه باكرًا لمصلحة الأحوال المدينة، ما صدر من لسانى وجدوه بعدما شاهدوا تفانى العاملين فى القطاع ضباطًا وموظفين، الذين يعرفون أن رسالتهم التيسير على المواطن. ملف الخدمات الجماهيرية تفوقت فيه وزارة الداخلية بصورة كبيرة، وإذا كانت خدمات الأحوال المدنية تطورت لحد كبير، فبالقرب من مبناها يعزف لحن الإجادة فى مبنى مصلحة الجوازات، فالعمل داخله شىء يدعو للفخر، دقة فى النظام، كل شىء مُعد لاستقبال المواطنين، مصريين أو مقيمين، المعاملة تتم بشكل إنسانى، ساحات للاستراحة، مبنى ذكى متوافر فيه كل الخدمات وفروع البنوك، أكبر قيادة تتواجد من الصباح الباكر حتى بعد التاسعة مساءً، لا همَّ له سوى توفير سبل الراحة. أيام قليلة وتحل علينا ذكرى عيد الشرطة، ومعها نتذكر ملحمة الإسماعيلية، التى ضحّى فيها الأبطال بأرواحهم فى سبيل وطنهم. حظر النشر كشف زواج أم كلثوم روى الراحل مصطفى أمين الصديق المقرب من أم كلثوم قصة زواجها من د. حسن الحفناوى بأنها اتصلت عليه فى 20 يوليو عام 1954، وأخبرته بعقد قرانها والعريس هو د. حسن الحفناوى.. وهى لا تمانع أن تكون لها ضرة وافقت على بقاء زوجته الأولى. طلبت تأجيل نشر الخبر حتى شهر سبتمبر، ورد مصطفى أمين بأنه يستطيع عدم النشر فى «أخبار اليوم» أما بقية الصحف فهو لا يستطيع منع نشر خبر زواجها. ولم يكن أمام أم كلثوم سوى الرئيس جمال عبدالناصر، اتصلت عليه وأخبرته بالسبب أن خبر زواجها سيسرق الأضواء من احتفالات الجلاء، فكانت التعليمات لمدير الرقابة بعدم نشر أى أخبار أو تلمحيات عن زواج أم كلثوم، بوصول حظر النشر للصحف انتشر الخبر بين عمال المطابع، الذين أفشوا القصة لمَن يعرفون، فانتشر الخبر بسرعة الضوء، فى الموعد الذى حددته أم كلثوم خرجت الصحف الصباحية فى شهر سبتمبر بخبر الزواج فى صيغة أشبه بالخبر الرسمى .