اهتماما كبيرًا، توليه الدولة لدعم الأسر المنتجة كنواة للتنمية الاقتصادية. ليس فقط بهدف التصنيع المحلى وإنما للوصول إلى منتج مصرى بجودة عالية ينافس المنتجات الأخرى فى الأسواق العالمية لتحقيق عائد دولارى يعود بالنفع على الاقتصاد المصرى. ولعل التصريح الأخير للسيدة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى التى أكدت فيه أن الوزارة نجحت فى السنوات العشر الأخيرة فى تنظيم أكثر من 75 معرضًا للأسر المنتجة، وتخدم 750 ألف أسرة منتجة مسجلة بالوزارة، تضم أكثر من 3 ملايين مستفيد، ووفرت لهم تمويلًا يصل إلى 3 مليارات جنيه، خير دليل على الاهتمام الرسمى بالأسر المنتجة. كما كشفت عن النجاح الكبير لمنتجات هذه الأسر فى أن تصل بمنتجاتها للعرض فى المتحف المصرى الكبير وقريبا فى السوق الحرة بالمطارات المصرية. وهو ما دفعنا لإلقاء الضوء من خلال هذا التحقيق على قطاع الأسر المنتجة، سواء من ناحية تطوير التجربة فى مصر وماذا ينقصنا لتصبح تجربتنا مشابهة لتجربة الصين التى استطاعت استغلال عدد سكانها الكبير فى الوصول إلى مصنع فى كل بيت تقريبا. اقرأ أيضًا | وراء كل عمارة حكاية المبانى التراثية حواديت مصرية كانت الصين دولة تعانى اقتصاديًا حتى عام 1978، لم يكن الاستثمار الأجنبى يعرف لها طريقًا، علاوة على انتشار البطالة والفقر، لكن منذ ذلك الحين أعلنت الصين المضى نحو التنمية الاقتصادية الشاملة، والتى أتت بثمارها بداية من العام 1993، حيث قفز معدل النمو الاقتصادى بها إلى أعلى من المعدلات المتوقعة مسجلًا 13٪. وأصبحت الصين القوة الاقتصادية الأولى فى التصدير والثانية فى استيراد مشتقات الإنتاج، واستغلت الصين حجم سكانها الكبير البالغ 1٫5 مليار نسمة كميزة لخفض تكلفة منتجاتها من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة، ومنح تسهيلات للقروض طويلة الأجل حتى تحولت المنازل إلى ورش عمل صغيرة، حيث ساهمت هذه المشروعات الصغيرة فى توفير متطلبات الإنتاج للمصانع الكبيرة، علاوة على توفير احتياجات المواطنين، فى نطاق هذه المشروعات، لتسجل انخفاض نسبة السكان تحت خط الفقر عام 1990 إلى 16٪، لتواصل الانخفاض وتسجل 4٫2٪ خلال عام 2014، أى أن نسبة السكان المتخلصين من الفقر 70٪ من إجمالى عدد السكان، وتتعهد الحكومة الصينية بالوصول إلى معدلات فقر صفرية لفقراء الريف بحلول عام 2020. كما حفز انتشار المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الاستثمار الأجنبى إلى القدوم إلى بلادهم، لتصبح الصين ثانى أكبر مستقبل للاستثمارات فى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفى النهاية تشارك المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنسبة 66٪ من الإنتاج الصناعى للصين ويعمل فيها 75٪ من القوى العاملة. ورغم ما حققته التجربة الصينية من نجاح، فإن الظروف فى مصر أفضل من هذه التى انطلقت منها تجربة «بكين» حيث يبلغ عدد سكان مصر 107 ملايين نسمة، يصل عدد الشباب من بينهم إلى 60٪ من إجمالى السكان، وهو الأمر الذى اتخذته الصين قوة للانطلاق. منتجات مصرية وصلت للعالمية (الأخبار) التقت بعض الأسر الذين نجحوا فى الوصول للعالمية بداية من الصفر تقريبا. والبداية كانت مع ناهد أبوالمجد التى ابتكرت فكرة إنتاج وصناعة السجاد الجلد الذى لم يكن يتم تصنيعه فى مصر ويتم استيراده من الهند بأسعار مبالغ فيها. بدأت العمل من المنزل ثم بورشة صغيرة والآن تمتلك مصنعًا ويتم تصدير إنتاجها لأوروبا وإفريقيا والدول العربية.. تقول ناهد: أنا خريجة بكالوريوس تجارة وكنت بشتغل موظفة فى شركة خاصة ووقت الثورة فى 2011 تركت الوظيفة وبدأت أدور على حاجة خاصة أعملها بنفسى ولقيت عندى فكرة شوية عن الجلود لأن والدى الله يرحمه كان عنده مدبغة للجلود فقلت أكمل مسيرته وعشان كدا مصنعى باسمه. «المجد للسجاد الجلد الطبيعى» اخترت فكرة السجاد لسببين الأول أنه مش موجود فى مصر، وكان بيتم استيراده من الهند بأسعار عالية جدا، والسبب التانى إنى كنت بدور على حاجة جديدة غير الشنط والأحذية والأحزمة، اللى كل الناس بتعملها، وبالفعل بدأت أعمل عينات وأعرضها على الشركات اللى بتستورد من الهند، ولقيت أنهم مستغربين جدا لأن جودة المنتج كانت أفضل من المستورد، بعدها عملت مصنع صغير فى 6 أكتوبر، وبدأت ادرب ناس واشغل ناس معايا وبعد 6 سنين تقريبا بدأنا نصدر للدول العربية والإفريقية وكمان أوروبا. وتابعت ناهد: مبسوطة جدًا إن فكرة السجاد الجلد انتشرت فى مصر وكمان بقت موضة وفيه إقبال كبير عليها، مبسوطة كمان لأن مصر مشهورة بجودة الجلود فيها عن دول تانية كتير ممكن تكون بتصدر جلود بمبالغ كبيرة جدا وإن شاء الله نتوسع فى المصنع ونفتح فروع تانيه خلال الفترة اللى جاية). الخزف اليدوى أما محمد سعودى، مؤسس مشروع لإنتاج الخزف اليدوى بالتعاون مع والده، فقد تخرج فى كلية الفنون التطبيقية قسم الخزف فى عام 2003، بينما تخرج والده من نفس الكلية والقسم فى عام 1975. حصل على العديد من الجوائز فى فن الخزف، منها جائزة صالون الشباب فى عام 2013 وجائزة الدولة التشجيعية فى عام 2020 وحصل على زمالة الفنون من المجلس الوطنى لتعليم فنون السيراميك بالولاياتالمتحدةالأمريكية ونجح فى صناعة أدوات من الخزف وأدوات المائدة من الخزف ليكون لها طابع اللون الأزرق الفرعونى والموروث الثقافى المصرى للون الأزرق وعشق المصريين لهذا اللون وأسرارهم على اقتنائه داخل بيوتهم والحرص على وجود هذا اللون على المائدة. الثقة والدعم أكد د.رامى عباس مستشار وزيرة التضامن للمراسم والمعارض أن المنتج المصرى لا ينقصه سوى الثقة وبعض الدعم ليصل إلى العالمية، وأن الوزارة تقوم بالعديد من الخطوات من أجل دعم الأسر المنتجة سواء عن طريق المعارض التى يشاركون فيها إما مجانًا أو برسوم رمزية أو عن طريق توفير التدريب اللازم لبعض الأسر لتطوير إنتاجها أو عن طريق توفير القروض من خلال بنك ناصر الاجتماعى التابع للوزارة. وأوضح عباس أن الوزارة ساعدت بعض الأسر فى المشاركة فى معارض خارج مصر وأنهم فوجئوا بالإقبال الكبير على المنتجات المصرية خاصة فى الدول العربية خاصة المشغولات والملابس والمصنوعات الجلدية والخزف والإكسسوارات. براند مصرى أما ماجدة نور الدين مديرة إدارة المعارض بوزارة التضامن الاجتماعى فقالت إن إنتاج الأسر المنتجة فى مصر فى بعض المنتجات أصبح «براند « وأصبح مطلوبًا فى دول كثيرة خاصة الحرف اليدوية أو (الهاند ميد) وأن بعض الأسر بدأت مشروعها ب500 جنيه فقط والآن تمتلك مصنعًا أو ورشة بها العشرات من العاملين وتتخطى مبيعاتها فى المعرض الواحد مئات الآلاف. وأضافت: هناك بعض الأفكار الرائعة التى لا تحتاج إلى رأسمال وأحيانا تلقى استحسانا وإقبالا كبيرا جدًا.. وضربت مثالا بإحدى العارضات بمعرض تراثنا فى شرم الشيخ قائلة: (كان فيه إحدى العارضات اسمها مرح ودى بدأت من الصفر وهى بتعمل تصميمات ملابس من نوعيات قماش غريبة تقريبا كدا بتعمل من الفسيخ شربات، وبتدخل أنواع قماش مختلفة، وبالصدفة وإحنا فى شرم الشيخ كان فيه سائحة أجنبية عجبها جدًا الطقم اللى هى لابساه وصممت تشتريه وفضلت مستنياها لما راحت غيرت هدومها وجابت لها الطقم لأنه ماكنش موجود منه فى الحاجات اللى هى عارضاها). قرض مستورة وأوضحت مديرة المعارض أن الوزارة توسعت فى قرض مستورة من بنك ناصر الذى تستطيع أى أسرة الحصول عليه بفائدة مخفضة جدًا بمجرد تسجيلها ضمن الأسر المنتجة. وكشفت مديرة إدارة المعارض أن الوزارة تعى تمامًا أن التسويق لا يقل أهمية عن الإنتاج بالنسبة للأسرة المنتجة التى من الممكن أن تتوقف عن الإنتاج فى حالة فشلها فى التسويق لذا فإن الوزارة تولى اهتمامًا كبيرا بالمعارض، ومنها أولا معارض تقام سنوياً فى أوقات محددة من السنة مثل كايرو فيستيفال والأقصر والبحر الأحمر (الممشى السياحى بالغردقة) والجونة والمنيا والساحل الشمالى ويستفيد منه أكثر من ألف عارض وعارضة. كما توجد عدة معارض دائمة على مستوى الجمهورية فى 27 محافظة وعددها 38 معرض ديارنا دائمة بيضم أكثر من 2000 أسرة منتجة. وهناك أيضا بعض المعارض التى تقام فى النوادى مثل نادى الصيد والزمالك والجزيرة والزهور وعدد من المعارض التى تقام بالخارج بالبحرين وسلطنة عمان والإمارات والسعودية وجوبا والسودان. وأوضحت أنه يتم تحديث قاعدة البيانات الخاصة بالأسر المنتجة كل 3 شهور من خلال المديريات، كما يتم تسجيل الأسر المنتجة من خلال إدارة الأسر المنتجة بكل مديرية. أما بالنسبة لدور بنك ناصر فى تمويل العارضين ومساعدتهم فأوضحت أن تمويل مستورة للسيدات من سن 21 حتى 60 سنة قيمة التمويل تبدأ من 4000 إلى 50000 تمويل مشروعات متناهية الصغر بدون فائدة بقسط شهرى لمدة عامين ووصل عدد المستفدين لأكثر من 50 أسرة وتمويل مستورة يساعد المستفيدات فى الناحية التسويقية لمنتجاتهم عن طريق المشاركة فى المعارض المقامة من قبل وزارة التضامن بصورة مجانية، حيث إن البنك يتحمل تكلفة مشاركة المستفيدات من التمويل وبالنسبة لتدريب العارضين فأكدت مدير إدارة المعارض أنه يوجد عدد من مراكز تدريب مسندة لجمعيات الأسر المنتجة تشرف عليها الوزارة، التدريب من خلال الجمعيات وبعد فترة التدريب بيتم توجيههم للتسجيل كأسر منتجة لاشتراكهم بالمعارض لتسويق منتجاتهم على أن تكون المنتجات مناسبة وتتوافر فيها الطابع المصرى والتراثى. يقول د.عبدالرحمن طه الخبير الاقتصادى إن التجربة الصينية أبرز مثال على نجاح الأسر المنتجة، خاصة أن رسالة الدكتوراة التى حصل عليها تتعلق بالاقتصاد والبورصة الصينية والفرق بيننا وبين الصين. وقال إننا نتوقف عند مرحلة عمل معرض للمنتجات، أما الصين فقد اتخذت التجربة عندهم مسارًا مختلفًا تضمن بلورة الفكرة لكى تكون أساسا للتصنيع والتنمية وأوضح أن نجاح التجربة مرهون ب4 خطوات أساسية لا غنى عن أى منها إذا تم تطبيقها بشكل سليم فى خلال 3 سنوات ستكون هناك نتائج مبهرة. أولها: ربط هذه المنتجات وهذه الأسر بالخطة الاقتصادية بالدولة وبالتالى نقلل الاستيراد. ثانيها: استدامة الأسر المنتجة وهى الحفاظ على استدامة الإنتاج. وثالثًا التدريب بشكل مستمر على أحدث الوسائل التكنولوجية. أما الخطوة الرابعة وهى دخول هذه الأسر إلى البورصة المصرية عن طريق دمج بعض الصناعات المتشابهة منها فى شركات وبالتالى أدربهم واعلمهم إزاى يكون لهم قوائم مالية وأبدأ أحسب الخسائر والأرباح. وتابع قائلا: (لو قدرت أعمل اللى فات دا انا كدا ضمنت إن ال750 ألف دول اصبحوا 3 مليون وبالتالى الإنتاج عندى هيزيد وهتقل نسب البطالة لأنى وظفت ناس تانية فى هذه الصناعات، كمان عندى انخفاض فى نسب التضخم لأنى هصدر وهرفع العائد من الدولار نتيجة التصدير ودخلى أنا كدولة ارتفع من حصيلة الضرائب وقضيت على الاقتصاد الموازى. وأوضح طه أنه من المميزات التى لابد من استغلالها فكرة عدم اكتمال سلاسل إمداد الإنتاج فى أى دولة من الدول الصناعية وبالتالى إذا تم استغلال التخصص فى بعض مكونات الإنتاج البسيطة وتصنيعها محليًا لا سيما أن تكلفة العمالة عندنا منخفضة فذلك سوف يضمن إنتاجها بأسعار تنافسية تستطيع الدولة تصديرها للخارج. مساندة حكومية أما د.مصطفى بدرة أستاذ التمويل والاستثمار والخبير الاقتصادى فقال إن الأسر المنتجة هى أحد اعمدة الاقتصاد، ولا بد وأن تلقى مساندة حكومية أكبر وكذلك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى ورغم أنها تتشابك مع المشروعات متناهية الصغر فإنها تعتبر النواة للصناعة. فالإنتاج البسيط فى القرى كان أهم مقومات الاقتصاد فى فترة من الفترات إلا أنها تعانى من بعض الصعوبات أهمها التمويل والتسويق والتدريب. وقدم بدرة اقتراحًا بدعم المشروعات متناهية الصغر سواء فى الأسر المنتجة أو غيرها مثل الإعفاء من الضرائب أو منحة لا ترد أو معارض مجانية أو توفير بعض مدخلات الصناعة بشكل مجانى وبالتالى هذه الأمور سوف تشجع الناس على التصنيع وكل ذلك سوف يصب فى مصلحة الاقتصاد.