ليس تحيزًا لكونى أحدهم، ولكنى أحب سُمر البشرة، وجوههم تمغنط القلب بقبولٍ لحظي، ولا أشعر بأنى أتسلق أسوارًا من الكلفة مع أسمر أبدا، وأكون فى ارتياحية من النادر أن أشعر بها مع غيرهم، وما أقصده لحظة القبول الأولي، ومن الوارد أن يتكشف ما بعدها. كنا شلة «صعايدة» لا نفترق بمدرجات الجامعة أوالسكن، كان بيننا زميل أبيض، يرى نفسه قمرًا وسط عتمة سمرتنا، ودائما يلقى النكات علينا، بينما نشعر بكل الفخر أننا كذلك. وضمن شلتنا زميل صعيدي، كان حين يطلب خدمة من شئون الطلبة يوجهه الإداريون لشباك المبعوثين الأفارقة! وفى كل مرة يؤكد أنه مصري، فيعتذر الموظفُ بابتسامةٍ يقابلها صديقى بضحكة، ثم يهمس فى أذني: لا مفر من حصولى على جنسية بلد إفريقي. هو نفس الصديق الذى وقعت فى غرامه بنت بيضاء من القاهرة، تعرفت عليه صدفة بموقف شهامة فى زحمة الباص، وقالت له - بعد تطور العلاقة بينهما - إنها تسمع اللهجة الصعيدية منه كأنها موسيقى فى الآذان! أحبت فيه بساطته، وعفويته، وغيرته، وعشق هو كل شيء فيها، وأذاب رحلة عشقه الطويلة فى قصصٍ قصيرةٍ، وألَّف فيها شعرًا كنا نصفق له. وبسبب ضيق حاله؛ لم يستطع الارتباط بها، وفرَّقت بينهما الظروف، وانضما لآلاف القصص المتشابهة فى بدء العشق واللوعة والألم. وأضاف لأرشيف القصص «الكلاسيكية» حكاية جديدة بطلها رجل أسمر وامرأة بيضاء.