قبل أيام مرت الذكرى الثانية لانطلاق فعاليات المؤتمر الأول للتحالف الوطنى للعمل الأهلى، وذلك بالتزامن مع إعلان الهدنة فى غزة، والمقاربة بين الحدثين لها وجاهتها، حيث كان التحالف -الذى يمثل أكبر شراكة بين الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدنى- هو أكبر مؤسسة قدمت دعما لأشقائنا فى قطاع غزة، وما زالت ذكرى دخول شاحنات التحالف عبر معبر رفح من الذكريات المشحونة بالعواطف المتدفقة لشباب مصرى ظل مرابطاً أمام المعبر لأيام، متحملا فى سبيل ذلك الظروف الجوية والإنسانية القاسية، حتى تمكنت الدبلوماسية المصرية من وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات المصرية الأكبر للقطاع المنكوب. ومع نجاح الجهود المصرية بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين -بداية من يوم غد- تلتفت عيون العالم إلى التحالف الوطنى للعمل الأهلى من أجل تجهيز المساعدات مرة أخرى للأشقاء المحاصرين فى قطاع غزة، وبالفعل بدأ التحالف فى الاستعداد بالتزامن مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى استعداد مصر لاستضافة مؤتمر دولى لإعادة إعمار القطاع والبدء فى مشروعات التعافى المبكر. ولا أبالغ إذا قلت إن التحالف -الذى يضم الاتحاد العام للجمعيات وكافة الاتحادات الإقليمية والنوعية ومؤسسات وجمعيات المجتمع الأهلى الرائدة- تمكن من سد ثغرات كبيرة فى العمل الأهلى المصرى خلال العامين الماضيين يمكن إجمالها فى النقاط التالية: سد ثغرة غياب الدولة عن العمل الأهلى، وأغلق المجال أمام مؤسسات وجمعيات تابعة للكيان الإخوانى الإرهابى، كانت تقدم المساعدات بيد، وتعبث باليد الأخرى فى الوعى الجمعى للناس، وربما يتذكر الجميع شراء الكيان الإرهابى لأصوات مؤيديه بالسكر والزيت والخدمات التى تقدمها جمعياته، والتى انتشرت كالسرطان فى قرى ونجوع مصر، وكانت تتلقى تمويلات مشبوهة من كل حدب وصوب، ومثلت ستارا يخفى عمل الكيان السرى الإرهابى، وظلت لسنوات مجالا لإنشاء دولته الموازية، حتى سقط القناع مع إسقاط المصريين لحكمه فى ثورة 30 يونيو. تمكن التحالف من ملء الفراغ وإعادة الاعتبار للعمل الأهلى التنموى، وانتشر فى مساحة كان الكيان يستخدمها سياسيا ويهدد بها الدولة المصرية، ومكَّن الجمعيات والمؤسسات من العمل فى كل ربوع مصر بشراكة كاملة مع مؤسسات الدولة، ليضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويغلق الباب أمام استغلالها سياسيا من جانب أى كيانٍ مُعادٍ. سد التحالف ثغرة التنافس بين مؤسسات المجتمع المدنى على مناطق بعينها، وجعل الشراكة أساسا للتعاون والتنسيق بينها، وجاءت نتائجها مميزة على مستوى كثافة وانتشار أماكن تقديم الخدمات، فضلا عن اكتساب الخبرات الجديدة نتيجة الاحتكاك المباشر بين المؤسسات، وهو ما جاء فى صالح متلقى الخدمات، حيث زادت رقعة المستفيدين، وتم تحديد الثغرات والأماكن الأكثر احتياجاً والتوجه لها. عزز التحالف مظلة الحماية الاجتماعية فى ظل الضغوط الاقتصادية والتحديات التى مرت بالاقتصاد المصرى وأثرت سلبا على المصريين، وانتهج التحالف استراتيجية دقيقة بعيدة عن العشوائية فى توزيع المنح والمواد الغذائية، تمثلت فى تنقيح بيانات المستفيدين من المبادرات، وهو ما ساهم فى توسيع قاعدة الاستفادة لدى الأسر الأكثر تضررًا من الوضع الاقتصادى الصعب، وكان ذلك إشارة أخرى على نجاح التعاون بين المجتمع المدنى والدولة، عبر وضع قاعدة بيانات موحدة حددت المواطنين الأكثر احتياجا بشكل دقيق، وحالت دون حصول الشخص الواحد على أكثر من خدمة. تعددت الخدمات التى يقدمها التحالف لاستيعاب الخبرات الموجودة فى الجمعيات الأهلية، وأعادت للعمل التطوعى رونقه عبر المبادرات والأنشطة التنموية غير التقليدية، مثل مبادرة قطار الخير التى قدمت مجموعة من الخدمات المتكاملة، منها إعادة تأهيل المنازل وتجهيز العرائس والقوافل الطبية وتوفير الدواء والمنح الدراسية لطلاب الجامعات التكنولوجية، وأيضا توزيع مراكب جديدة على الصيادين وتكريم القادرين باختلاف وذوى الهمم. استجاب التحالف لدعوة الرئيس السيسى بتحويل المساعدات من عينية إلى أنشطة تشغيلية، وذلك بدعم المشروعات الصغيرة وأصحاب الحرف اليدوية، من خلال فتح ورش عمل تضمن دخلًا يمكنهم من الإنفاق على أسرهم، وهو ما يساهم مع الدولة فى تقليل نسبة البطالة، وأيضا توطين المزيد من الحرف الصغيرة والمتوسطة، وضمان استدامة قدرة الأسر على مواجهة متطلبات الحياة. قدم التحالف إسهاما مهما فى تحقيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، حيث تركز منظومة العمل على دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحق فى الصحة، والحق فى التعليم، عبر تقديم خدمات محو الأمية والتعليم والمدارس الصغيرة، فضلًا على الحق فى المياه بتوصيل مواسير المياه إلى المنازل، والحق فى الضمان الاجتماعى عبر فكرة المساعدات التى يقوم بتقديمها للأكثر احتياجا. وأستطيع القول إن مصر استفادت لأول مرة من جهود 55 ألف جمعية مسجلة وفق أحكام القانون، وغالبيتها ذات نشاط خيرى، شاركت فى المبادرات الاجتماعية والتنموية، وذلك التحول جاء بعد استجابة الرئيس لتعديل قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة 2017، وصدور القانون 149 لسنة 2019 الذى فتح المجال بشكل أكبر لاستيعاب كل طاقات العمل الأهلى والرغبة فى العمل التطوعي، وأعطى المؤسسات الأهلية القدرة على المشاركة فى صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى، والتى تتمثل فى وضع الأجندة وتحديد الأولويات، مرورًا بالتخطيط ثم التنفيذ، وأخيرًا المتابعة والتقييم. كما يمكن اعتبار ذلك التطور فى العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى انعكاسًا لاستجابة مصر لمجمل التوصيات التى وافقت عليها خلال مناقشة ملفها أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وهو ما يعكس احترام الدولة لتعهداتها الدولية والآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان. ويعكس أيضا فلسفة جديدة لتعامل الدولة المصرية مع منظومة حقوق الإنسان، وتوافر الإرادة السياسية لتحسينها لصالح المواطن المصرى بالأساس، وهو ما يدحض كل محاولات التشويه المتعمد والمنهجي، الذى تنتهجه كثير من المنظمات المسيسة، من خلال نشر تقارير مغلوطة ومعلومات غير دقيقة، تحاول استخدام حقوق الإنسان كسلاح لتشويه الدولة المصرية، مستندة على ظواهر سابقة اختفت من الواقع المصرى الجديد. أرى فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى تجربة نجاح حقيقية، يمكن البناء عليها فى شراكات أكبر وأوسع، تسمح بسد أية ثغرات قد تنشأ وتظهر فى قادم الأيام.