ما الذى يمكن أن يتوقعه القارئ من رواية تحمل عنوان «مريم ونيرمين»؟ أول ما سيرد على ذهنه أنها تتمحور حول هاتين الشخصيتين، وأنهما إما صديقتان أو حبيبتان لرجل واحد، وبما أن الكاتب رجل فقد يُرجح الاحتمال الثانى على الأول، وبالبدء فى قراءة العمل نكتشف أن الاحتمال الثانى وإن كان صحيحًا إلى حدٍ كبير، فإنه لا يصلح كى تُحبَس فيه هذه الرواية، الصادرة عن دار الشروق، للكاتب عمرو العادلى، فهى رواية تتكون من طبقات عديدة وتجمع بتناغم موضوعاتٍ متنوعة وتوظف تقنيات شتى، بدرجة يمكن معها أن نقول إن العنوان أقرب إلى فخ أو لعبة فنية تُضاف إلى ألعابها العديدة. تنتمى «مريم ونيرمين» إلى ال «ميتا فيكشن» أو الرواية الواعية بكونها رواية، وفى هذا النوع يلغى الكاتب الحاجز بين الواقع والخيال، ولعل التحدى الأبرز الذى يواجهه كاتب ال «ميتا فيكشن» يتمثل فى قدرته على الموازنة بين قطبى معادلة «الحقيقي» والورقى بحيث لا يفقد اندماج القارئ فى عالم روايته. أى أن يعترف للقارئ بأنه أمام عالم ورقى ويذكره بهذه الورقية من وقت لآخر، وفى الوقت نفسه يجعله يندمج فيه كأنه عالم حقيقى بأماكن يمكنه رؤيتها وشم روائحها وسماع أصواتها، وشخصيات مقنعة تبدو كما لو أنها موجودة حوله، سوف يراها بمجرد إغلاق الرواية. يذكرنا هذا بجملة خورخى لويس بورخيس الشهيرة: «أكتب بجدية الطفل الذى لهو». فالأطفال يحبون اللهو واللعب وينغمسون فيه، لكنهم يتعاملون مع لهوهم كأنه الحياة نفسها ويعاملونه بأقصى درجات الجدية، وكاتب الميتا فيكشن عليه، من وجهة نظري، الموازنة بين ثنائية اللهو والجدية، وإلّا وقع فى فخ عدم الإقناع وبدت ألعابه الفنية للقارئ مجرد ألعاب سخيفة فى الفراغ، وفى «مريم ونيرمين» نجح عمرو العادلى بامتياز فى الموازنة بين اللهو والجدية، بين اللعب بتقنيات الرواية الواعية بكونها كذلك والاهتمام الصارم بعناصر الرواية من شخصيات وفضاءات مكانية ولغة. الشخصيات حيّة مرسومة بتأنٍ ومُعتنى بتفاصيلها الدقيقة، بعضها لا يُنسى مثل شخصية مريم خاصة فى النصف الثانى من الرواية وشخصية فرج. والفضاءات المكانية تتنوع بين القطار، الإسكندرية، الشقة المستأجرة هناك، القاهرة، فندق العرائس، شقة محيى الدين، العلمين، العراق، شقة 6 أكتوبر. ومن بين هذه الأماكن تحظى العلمين والعراق بالأهمية القصوى سواء من ناحية عدد الصفحات أو الاهتمام بوصف طبيعة المكان. فى حالة العلمين تحديدًا خطر لى خلال القراءة أن عمرو العادلى قد تمكنت منه شهوة الوصف، دون أن يعنى هذا أنه وصف فائض على الحاجة، بل من نوع الوصف الذى نصادفه عادة فى الروايات الكلاسيكية. يبدو مفهوم الارتحال مركزيًا فى «مريم ونيرمين». ثمة دومًا شخصية فى طريقها إلى مكان ما: محيى الدين فى بداية العمل فى رحلة قطار إلى الإسكندرية ومنها للقاهرة، ثم إلى العلمين ثم العراق. أروى إلى شقته فى 6 أكتوبر، ومريم وضحى إلى العلمين، فضل الله إلى مصر من العراق ويوسف النجار إلى الأسكندرية ثم الكويت. كأن الرحلة هى مركز الرواية ومنطلق الحكى فيها. من جهة أخرى وبوصفها رواية ميتا فيكشن، ثمة تفكر فى الكتابة على مدار العمل، بحيث تبدو الكتابة أحيانًا أسلوب حياة، وفى أحيان أخرى بديلًا عن العيش، أما القضايا الكبرى فجاء التطرق لها موسومًا بمكر يجعلها متسمة بخفوتٍ فنى ومنسجمة تمامًا مع نسيج العمل.