مع توقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، يطوي التاريخ صفحة هامة من مسارات الطاقة التي ربطت روسيا بالقارة الأوروبية منذ العهد السوفييتي. هذا المسار، الذي ظل صامدًا رغم استمرار الحرب الروسية الأوكرانية حتى اليوم، بات يترك الآن قارة بأكملها في مواجهة أزمة طاقة متزايدة، بينما تتسابق الحكومات الأوروبية لإيجاد حلول بديلة، يبقى السؤال، هل تمتلك القارة استراتيجيات عملية للتعامل مع هذا التحدي في خضم هذه الأزمة؟ اقرأ أيضًا| طبول الحرب تُقرع| هل يقود دعم أوكرانيا لمواجهة شاملة بين روسيا والناتو؟ في أول ساعات العام الجديد 2025، قطع فلاديمير زيلينسكي الاتفاق المبرم في 2019 بين أوكرانياوروسيا، ما أدى إلى قطع الغاز عن مئات الآلاف في منطقة انفصالية في مولدوفا، وتمثل هذه الخطوة، علامة فارقة في مسار أوروبا نحو استقلالها عن الغاز الروسي، لكنها جلبت معها اضطرابات فورية على الأرض في مناطق متفرقة، وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية. في بيان رسمي، أعلنت شركة جازبروم الروسية عن أنها أوقفت تدفق الغاز عبر أوكرانيا في الساعة 8 صباحًا بتوقيت موسكو، فيما وصف المسؤولون الأوكرانيون هذه الخطوة بالتاريخية، حيث اعتبرها الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي: "واحدة من أكبر هزائم موسكو" على صعيد الطاقة، بعدما تراجع تدفق الغاز من أكثر من 130 مليار متر مكعب سنويًا إلى صفر. وكان الغضب الأوروبي من هذه الخطوة واضحًا، خاصة من رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، الذي حذر من أن هذه الخطوة ستؤثر سلبًا على الاتحاد الأوروبي، في الوقت ذاته، كانت بعض الدول الأوروبية تحتفل بزيادة الابتعاد عن الاعتماد على الطاقة الروسية، حيث وصف وزير الخارجية البولندي هذا التحول "بالتقدم الكبير لأوروبا". اقرأ أيضًا| أمريكا تخنق بريطانيا اقتصاديًا.. ما مستقبل شركات المملكة المتحدة؟ ◄أزمة الطاقة في مولدوفا وتأثرت منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا بشكل مباشر بقطع الغاز، حيث فقدت التدفئة والمياه الساخنة، وحثت الشركات المحلية بالبلاد السكان على اتخاذ احتياطات طارئة، في حين أكدت أن الوضع قد يستمر لفترة غير محددة، ما يزيد معاناة السكان في ظل الظروف الحالية. وكان تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا جزءًا من شبكة أنابيب سوفيتية، ومرّ عبر مناطق سيطر عليها الطرفان المتنازعان، هذا المسار الذي بدأ في كورسك الروسية وانتهى في سلوفاكيا، كان نقطة محورية في الطاقة الأوروبية لعقود، وقد بات اليوم جزءًا من الماضي في ظل التوترات المستمرة بين الطرفين على صعيد استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ولطالما كان طريق الغاز الروسي إلى أوروبا محفوفًا بالمخاطر، حيث استُخدم كأداة للابتزاز السياسي في ظل تدهور العلاقات بين روسياوأوكرانيا، وقد اتُهمت موسكو مرارًا باستخدام إمدادات الغاز كوسيلة للضغط على كييف ودول الاتحاد الأوروبي لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما أثر على استقرار العلاقات في المنطقة لعقود. في تقرير أصدره مركز تحليل السياسات الأوروبية «سيبا» الشهر الماضي، أكد على أن روسيا استغلت اعتماد أوكرانيا وأوروبا على الغاز وعبوره عبر أراضي أوكرانيا، لتفرض التنازلات السياسية وتنشر الفساد، كما تم استخدام الغاز كأداة لفرض النفوذ الخبيث على دول الاتحاد الأوروبي التي تضررت من هذه السياسة. ◄مستقبل إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير/شباط 2022، شهدت أوروبا انخفاضًا حادًا في حصة الغاز الروسي من سوق الطاقة، إذ تراجعت من 35% إلى 8%، وهذا الانخفاض دفع الدول الأوروبية إلى البحث عن بدائل وتنوع مصادر الطاقة لتلبية احتياجاتها، ما انعكس في سياسات الطاقة الأوروبية الجديدة. وفي سبتمبر 2022، تعرض خط أنابيب نورد ستريم البحري للهجوم، ما أدى إلى تدميره بشكل كامل، وتشير التقارير إلى أن الهجوم كان بتخطيط أو تنفيذ فريق أوكراني، وهو ما زاد من تعقيد أزمة الغاز الروسي وفتح الباب أمام مزيد من التوترات في العلاقات الروسية الأوكرانية. اقرأ أيضًا| هل تتصاعد التوترات بين روسيا وحلف «الناتو» إلى حرب شاملة؟ رغم أن بعض الدول مثل سلوفاكيا والمجر لا تزال تعتمد على الغاز الروسي، إلا أن نقل الغاز استمر حتى مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وواصلت روسياوأوكرانيا تحقيق إيرادات من العبور، بما في ذلك رسوم عبور بقيمة مئات الملايين من اليوروهات سنويًا، وهذه الإيرادات كانت تمثل مصدرًا رئيسيًا للطرفين. في العام الماضي، رفضت أوكرانيا مقترحات لبيع الغاز إلى روسيا وأذربيجان باعتباره غازًا أذربيجانيًا عبر أراضيها، وكان الرئيس الأوكراني، زيلينسكي قد أكد أن أوكرانيا لن تسمح لروسيا بالحصول على مليارات إضافية من عائدات الغاز، وأشار إلى أن خيار تأجيل الدفع للمستهلكين لن يكون مقبولًا لدى جازبروم. وفي الوقت الراهن، يعتبر خط أنابيب «ترك ستريم» هو الوحيد الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود إلى المجر وصربيا، ووفقًا للمحللين، فإن الغاز الذي كان يعبر أوكرانيا يمثل نحو 5% فقط من احتياجات أوروبا، ما يعني أن الدول الأوروبية ستجد مصادر بديلة لتعويض النقص. في حين انتقد زعماء سلوفاكيا والمجر هذا القرار، معتبرين أن توقف إمدادات الغاز الروسي سيؤثر بشكل كبير على اقتصادهم، من جهته، هدد رئيس وزراء سلوفاكيا بتقليص إمدادات الكهرباء إلى أوكرانيا ردًا على قطع تدفق الغاز الروسي، ما يزيد التوترات في المنطقة. قد تكون مولدوفا واحدة من أكثر الدول تأثرًا بقطع الغاز عنها، حيث أعلنت حالة الطوارئ في ديسمبر/كانون الأول خوفًا من التأثيرات على محطات توليد الكهرباء، وفي الوقت الذي تواجه فيه مولدوفا أزمة في تأمين الطاقة، اتهمت الحكومة المولدوفية موسكو بممارسة الابتزاز السياسي عبر إمدادات الغاز. رغم ذلك، يسعى معظم سكان مولدوفا البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة إلى تعويض فقدان الغاز الروسي باستخدام الاحتياطيات المحلية واستيراد الغاز من رومانيا، ولكن المنطقة الانفصالية في ترانسنيستريا، التي يقطنها نحو 450 ألف شخص، لا تزال تواجه صعوبات أكبر في تلبية احتياجاتها من الطاقة.