قبل ثورة 30 يونيو بأيامٍ كانت التهديدات تنهال على المصريين بحرق الكنائس وهدمها وقتل المسيحيين فى الشوارع؛ وذلك انتقامًا لرفضهم حُكم الكيان الإخوانى الفاشى. انتهج الكيان سياسة التخويف للجميع، توعَّد القوات المسلحة بحربٍ طويلة مع الإرهاب، ومارس التخويف على عامة الشعب بالانتقام وتدمير موارد الدولة، عن طريق قتل السياحة والهجوم على السفن العابرة لقناة السويس. قرَّر الكيان هدم الدولة بتجويع المصريين وتهديد مقدراتها. تحرك الشعب بشجاعة وأسقط حُكم الإخوان، متوحدًا مع قواته المسلحة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتقدَّم الصفوف قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية، بكلمة عظيمة ستظل محفورةً فى أذهان أجيال وأجيال، قال البابا: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، وتحمَّل البابا مع الشعب المصرى بصبرٍ وإيمانٍ وشجاعةٍ هجمات الكيان الإرهابى على الكنائس والأديرة. وضع الرئيس السيسى تقليدًا رئاسيًا جديدًا بزيارته السنوية إلى الكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد، والتأكيد على النسيج الواحد، وترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية، والرد القاطع والحاسم على التنظيمات التكفيرية، التى حرَّمت على المسلمين تهنئة المسيحيين بأعيادهم، فأكَّد للعالم أن مصر وطن للجميع، بغض النظر عن الدين أو العِرق، وطالب الشعب المصرى كله بالوحدة والتماسك. فى رباطٍ إلى يوم القيامة.. كان ذلك وصف نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) لنسيج أهل مصر الواحد فى مواجهة الشدائد والمِحن، فهم أقوى جند وأشد المدافعين عن أرضهم، وربما إذا اقتربنا من مشهد الثأر، الذى أعقب حادث ذبح المسيحيين المصريين فى ليبيا على يد التنظيمات التكفيرية، وانطلاق المقاتلات المصرية تقصف وتُدمر كل مواقع القتلة سنجده تجسيدًا لما قاله النبى (صلى الله عليه وسلم) فى مشهدٍ يفخر به المصريون، ومن خلاله أكَّد الرئيس السيسى للعالم أن حياة المصريين مهما كان انتماؤهم الدينى خطٌ أحمر. اقرأ أيضًا| تقدير كبير للرئيس السيسى من ملوك ورؤساء الدنمارك والنرويج وأيرلندا تتخذ هجمات الإرهاب على مصر أشكالًا جديدة، وتستهدف قادة مشهد 30 يونيو العظيم، من خلال حروب تشويه شخصية تستهدف الاغتيال المعنوى بالأساس، وتقوم على الشائعات وترويج الأكاذيب، تتمثَّل ساحتها الرئيسية فى مواقع التواصل الاجتماعى، والهدف هو تمزيق ذلك الرباط القوى بين المصريين ودولتهم. لقد كان تماسك ووحدة المصريين هو طوق النجاة مما يعترى المنطقة من عواصف تقتلع دولًا وتُدمِّر مجتمعات، بينما تحتفظ مصر بثباتها واستقرارها وتأثيرها الإقليمى كقوة حِكمة وسلام فى محيطٍ مضطرب ومتلاطم. انحازت دولة 30 يونيو لمفهوم المواطنة، وأنهى صدور قانون بناء الكنائس عام 2016، ما عُرف بالخط الهمايونى الذى وضعه السلطان العثمانى، ليطوى معاناة المسيحيين مع بناء الكنائس، التى استمرت لسنوات طويلة، ثم كان تبرع الرئيس السيسى لبناء أول مسجد وأول كاتدرائية فى العاصمة الجديدة؛ تأكيدًا على مسار المواطنة، وتوحد الشعب المصرى، وتحديًا مباشرًا لأصحاب الحقيقة المُطلقة من الفاشيست المنتمين فكريًا للكيان الإخوانى. كتب البابا تواضروس اسمه بحروف من نور فى سجل تاريخ الوطنية، مستكملًا مسار آباء الإسكندرية الوطنيين، الذين دافعوا عن أرض مصر وتماسك شعبها على مر العصور، كما شهد عهده إنجازات عديدة أهمها ربط المسيحيين المصريين فى المهجر بكنيستهم الأم، وتدشين منتدى العودة للجذور، واستقبال مئات الشباب سنويًا قادمين من المهجر إلى مصر. اهتم البابا بكل أبنائه المسيحيين فى مصر، والمسلمين أيضًا، مُجسِّدًا المعنى العميق للشعار المصرى «الدين لله والوطن للجميع»، والمتابع -مثلى وكثيرون غيرى- لعِظته الأسبوعية كل يوم أربعاء يجد أن قداسته يخصصها للتربية وزرع ثمار الأخلاق، فى مجتمع تعصف به ما تحمله العولمة من أفكارٍ شاذة وغريبة على المجتمع المصرى. يقظة البابا تواضروس دفعته للتحذير المستمر من خطر التحديات، التى تواجه المجتمع وأجياله الجديدة، وأن قيم المجتمع المصرى وتماسكه التاريخى مُستهدفان، وأن المؤسسات الدينية مطالبة بالاهتمام بالتربية وتنمية الأخلاق والحفاظ على تماسك الأسرة وحمايتها من شرور مُستحدثات العصر، بدءًا من الشذوذ والإلحاد، وتمسَّك البابا بأن المواجهة تبدأ بإضاءة الطريق إلى الله بالمحبة لا بالتخويف والترهيب. لن تجد حديثًا للبابا تواضروس فى الداخل والخارج إلا وكان فيه رسالة محبة ووطنية، فدائمًا ما يُخاطب الشباب ويدعوهم إلى الإعراض عن الإعلام السام، الذى يُقدِّم صورة مشوّهة عن مصر، وتحدّث فى أول قداس بكنيسة القديسين مار مرقس والبابا كيرلس السادس (تحت التأسيس) بالمقر الإدارى والخدمى الجديد للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمنطقة «مثلث الأمل» بالقاهرة الجديدة، قائلًا: إن التاريخ سيُسجل للدولة المصرية فى زماننا الحالى أنها كانت ترعى المواطنين وتُعطيهم حقوقهم، وتسعى للمساواة، ولا شك أن هذا الوضع يُعطى صورة إيجابية لمصر أمام العالم، وأكد الدور التاريخى للكنيسة باعتبارها أحد أعمدة الوطن والمجتمع، وأنها عمود قوى ومخلص له تاريخ طويل من الوطنية. وكان قداسته واضحًا فى الإشارة إلى التحديات التى تواجه الوطن والكنيسة بقوله «عدو الخير دائمًا يحارب، ودائمًا يُعكر الجو، وقد يستخدم أناسًا، لذلك نقول (كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان ومؤامرات الناس الأشرار، قيام الأعداء الخفيين والظاهرين) - فمحاربات عدو الخير معروفة فى كل زمان، ولكن الله عندما أعطانا هذه المسئولية أعطانا إياها لكى نخدم، نخدم فقط، ولا نلتفت يمينًا ولا يسارًا، لكى نحقق قصده فينا، ونمجده. لذلك مهما حدث - كما يقول الكتاب «وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت 16: 18)- لن تقوى عليها أبواب الشر أو أبواق الشر، والله هو ضابط الكل، وهو الذى يُدبّر حياتنا ويُهيئ طريقنا من يوم إلى يوم ومن جيل إلى جيل، وسنظل نخدم رغم محاربات عدو الخير». المؤامرات تُواجه بالعمل، تلك هى خلاصة حِكمة وروشتة مواجهة، اتفق عليها الرئيس السيسى مع البابا تواضروس، المواجهة بالعمل الصادق المستمر والدؤوب لخدمة الوطن والشعب. فالمحافظة على الأوطان أصبحت مهمة ثقيلة فى ظل عالم يسعى لتحقيق مصالحه على حساب الآخرين، فلا يلتفت أحدٌ للضعفاء أو المُفرطين فى استقرارهم وأمنهم جريًا وراء شعارات كاذبة ومخادعة، وتكمن قوة الدول فى وحدة وتماسك شعبها، ويتم حل المشكلات بالحوار المستمر بين مكونات الوطن الواحد لا بالتدخلات الخارجية. الاحتفال بعيد الميلاد هو طقس مصرى، يُذكّر المصريين بوحدتهم، وأن المحافظة عليها واجب وطنى وتكليف دينى، وأن مواجهة الفتن -ما ظهر منها وما بطن- بالحِكمة والمحبة والعمل هو دستور عمل مصرى، اتفق عليه قادة عظام أصقلتهم الشدائد، والأمم تعرف رجالها بمواقفهم التاريخية فى اختبارات المِحن، وشعب مصر كان وسيظل فى رباطٍ إلى يوم القيامة.