في عالم الميثولوجيا المصرية القديمة، يبرز أوزوريس كأحد أعظم رموز الحياة والموت والبعث، الشخصية التي تجسد معنى التجدد والاستمرار. قصة أوزوريس ليست مجرد أسطورة، بل هي انعكاس لثقافة المصريين القدماء وفلسفتهم العميقة حول الحياة والكون. من بين أعظم ما خلد ذكراه، تمثال خشبي مذهل تم العثور عليه في أخميم بمحافظة سوهاج عام 1888م، وهو الآن معروض في المتحف البريطاني. يتميز هذا التمثال بتفاصيله المعقدة ورموزه العميقة، التي تكشف عن عبقرية الفن المصري القديم وعمقه الروحي. * أوزوريس: أسطورة تحكي الحياة والموت والبعث أوزوريس، ابن "جب" إله الأرض و"نوت" إلهة السماء، هو أحد أعمدة الميثولوجيا المصرية القديمة. عُرف بكونه إله الزراعة والخصوبة والحياة بعد الموت. كانت زوجته إيزيس، ربة السحر والأمومة، شريكته في الأسطورة التي أصبحت نموذجًا للأمل والإيمان بالتجدد. وفقًا للأسطورة، تعرض أوزوريس للخيانة من قبل أخيه ست، الذي قتله ومزق جسده. لكن إيزيس، بدافع من الحب والإصرار، جمعت أجزاء جسده وأعادته إلى الحياة باستخدام السحر. أصبح أوزوريس بعدها ملكًا على عالم الموتى، ورمزًا للبعث والأمل لكل المصريين القدماء. * تمثال أوزوريس: قطعة فنية تحمل رموزًا خالدة تم العثور على تمثال أوزوريس الخشبي الملون في أخميم عام 1888م، وهو ينتمي للأسرة الحادية والعشرين (1070-945 ق.م). يبلغ التمثال أبعادًا متواضعة (24.1 × 36.3 سم)، لكنه يحمل دلالات عظيمة. * وصف التمثال: الهيئة: يرتدي أوزوريس تاج "أتف" الشهير، مزينًا بريشتي النعام، ويحيط عنقه طوق زهري دقيق التصميم. الألوان: وجه التمثال مطلي باللون الأخضر، رمزًا لإعادة الولادة المستلهمة من دورة زهرة اللوتس التي تغمرها مياه النيل ليلاً وتعود للحياة كل صباح. أما اللون الأسود، الذي يزين أجزاء أخرى من التمثال، فيمثل التربة الغنية لنهر النيل، مصدر الحياة للمصريين القدماء. التفاصيل: يغطي الجزء العلوي من جسده بغطاء أحمر مزخرف، في حين أن الجزء السفلي يتزين بغطاء أبيض مزخرف. * البردية الجنائزية: رسالة من الماضي ما يجعل هذا التمثال فريدًا هو وجود بردية جنائزية محفوظة في قاعدته. تحتوي البردية على نصوص تُعبر عن معتقدات المصريين حول الموت والحياة الأخرى. يُعتقد أن هذه البرديات كانت تُستخدم كتعويذة لحماية المتوفى وضمان مروره الآمن إلى العالم الآخر. * أهمية اكتشاف التمثال اكتشاف التمثال في أخميم يُبرز أهمية هذه المدينة كمركز ديني وفني في مصر القديمة. كانت أخميم معروفة بعبادة أوزوريس وإيزيس، مما يجعل العثور على هذا التمثال هناك دليلًا على استمرار تأثير عبادة أوزوريس عبر القرون. * تمثال أوزوريس في المتحف البريطاني بعد اكتشافه، نُقل التمثال إلى المتحف البريطاني، حيث يُعرض كواحد من أبرز القطع التي تمثل الفن المصري القديم. يجذب التمثال آلاف الزوار الذين يأتون لاستكشاف جماله الفني وفهم رموزه العميقة. * رمزية أوزوريس: مزيج من الفن والفلسفة يمثل تمثال أوزوريس أكثر من مجرد عمل فني. إنه رمز للبعث والاستمرارية، يذكرنا بفلسفة المصريين القدماء التي تنظر إلى الموت كجزء من دورة أبدية، حيث يعقب الموت حياة جديدة. * الفن والتفاصيل الدقيقة عبقرية الفنان المصري القديم تتجلى في هذا التمثال. الاهتمام بالتفاصيل، من زخرفة التاج إلى رمزية الألوان، يعكس تقدير المصريين القدماء للفن كوسيلة للتعبير عن معتقداتهم الدينية والفلسفية. * أهمية اللون الأخضر والأسود في رمزية أوزوريس اختيار اللون الأخضر لوجه أوزوريس لم يكن عشوائيًا. يمثل الأخضر الحياة والنماء، وهو مرتبط بدورة اللوتس التي تعود للحياة كل صباح. أما الأسود، فهو يرمز إلى الغموض والتربة الخصبة، مما يعكس ارتباط أوزوريس بالحياة والموت. تمثال أوزوريس المكتشف في أخميم ليس مجرد قطعة أثرية، بل هو شاهد على عبقرية المصريين القدماء وتقديرهم للحياة والموت. من خلال هذا التمثال، نرى كيف امتزج الفن بالدين والفلسفة، ليُقدم لنا قصة أوزوريس كرمز خالد يعبر عن الأمل والاستمرارية.