فى روايته الفذة أولاد حارتنا كتب نجيب محفوظ جملة أودع فيها عصارة مشاهداته السياسية والاجتماعية -وهو الشاهد على أربعة عصور مصرية مختلفة- قال: «آفة حارتنا النسيان»، والمقصد أن الناس يمكن أن تنسى وتكرر أخطاءها وتستعيد ذاكرة كوارث صنعتها بيدها، تتصور أن الفعل الخاطئ عند استعادته يمكن أن ينتهى إلى نتيجة مختلفة، بينما تتكرر المأساة فى كل مرة. وفى كتابه المهم زيارة جديدة للتاريخ استشهد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بمقولة كارل ماركس: «التاريخ لا يعيد نفسه وإذا فعل فإنه فى المرة الأولى مأساة عظيمة وفى الثانية ملهاة مضحكة»، وعلق هيكل قائلا: «لكنه من الحق أيضا أن نفرق بين عودة الماضى وهى مستحيلة وبين سريان قوانين التاريخ وهى محققة». تذكرت المقولتين وأنا أتابع - مثل آلاف المصريين - فى مواقع التواصل الاجتماعى محاولات الكيان الإخوانى وأذرعه البائسة لفرض صورة للتظاهرات فى مصر، وهى محاولة كررها الكيان الإرهابي ملايين المرات لهدم الدولة المصرية وكسرها انتقاما من شعبها، الذى أسقط الجماعة ونزع قناع الربيع العربى، وكشف عن هدفه الحقيقى وهو تقسيم وإضعاف الدول العربية، وذلك بهدف واحد ووحيد، وهو التمهيد لظهور إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. سبق المصريون الجميع وانتفضوا مبكرا على حكم المرشد، بعدما اختبروا الكيان الإخوانى، وشاهدوا فشله فى قيادة مؤسسات الدولة وتوفير أبسط الخدمات، لم تفلح دعايته المكثفة ولا سيطرته على مواقع التواصل فى تقديم حلول حقيقية لمشكلات المصريين، بل إنهم تسببوا فى مضاعفة أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية، ولمواجهة فشله قرر مواجهة المصريين بسلاح الإرهاب وإشعال الفتن الطائفية، ولم يتورع عن ارتكاب جرائم التعذيب والقتل على أسوار قصر الاتحادية. اكتشف المصريون أن الكيان الإخوانى ما هو إلا «مقاول هدم»، مهمته الوحيدة إسقاط الدول وتدميرها من الداخل، كيان فيروسى لا يوجد فى قاموسه كلمات مثل: البناء والتنمية والعمران. 100 عام من القتل والتدمير ونشر لخطاب الكراهية والعنصرية، والآن التحام مع مخطط الصهاينة لبناء إسرائيل الكبرى على أنقاض الدول التى أنشأتها حركات التحرر ضد الاستعمار وضد الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، لم يتورع الكيان عن توزيع الاتهامات بالعمالة على كل الدول العربية، وهو نائم فى أحضان الصهاينة، يشاركهم حلم السيطرة على الشرق الأوسط ومحو أى أثر لأنظمة التحرر الوطنى وإعادة الاستعمار فى صورة جديدة، يتخفى خلف أقنعة حقوق الإنسان والديمقراطية، ويوظف أدوات الحرب السيبرانية المتطورة لسحق جيوشها الوطنية الحامية والمدافعة عن أراضيها وسيادتها. يتوهم الصهاينة والإخوان أن أحلامهم تقترب من التحقق، ولم يتبق أمامهما سوى عقبة واحدة هى الشعب المصرى، حامى الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية وفى قلبه قواته المسلحة، تقف مصر وحيدة، بعدما سقطت دول الطوق العربى فى فخ التنازع الداخلى والتقسيم الطائفى، انهارت هذه الدول من الداخل بعدما ضعفت مناعة الشعوب أمام المتحور الفيروسى الإخوانى ونسيان البعض لماضيه الدموى وعمالته التاريخية للاستعمار وأعوانه. قررت مصر المواجهة بالمحافظة على هويتها المتفردة وبداخلها ثوابت المصريين على مر العصور، فهم أهل البناء والعمران فى الأرض، بناة الأهرامات، أهل الزراعة والصناعة الدقيقة، صناع الفن والثقافة، منقوش على جدران المعابد بطولات شعبها فى كافة الميادين، فالمصرى هو مفتاح قوة بلده الحقيقية، ولذلك كانت حركة الدولة السريعة فى اتخاذ البنيان والعمران والتنمية أساسا للعلاقة بين الدولة والمواطن بكل أنحاء مصر. أن تتقدم مصر وتحافظ على أمنها واستقرارها وتماسك شعبها هو السبيل لمواجة هذا المخطط وأى مخطط آخر يستهدفها، ولذلك يتمسك الرئيس عبد الفتاح السيسى بالمكاشفة والمصارحة مع الناس، فجاء تحذيره خلال حواره مع الطلبة فى اختبارات القبول بأكاديمية الشرطة ليؤكد أن استهداف مصر لن ينتهى، وتلك حقيقة مؤكدة وثقتها كتب التاريخ، ثم كانت روشتة المواجهة الحاسمة بقوله: «إن أية أمة فى الدنيا درعها ناسها.. مش الجيش والشرطة بس.. الجيش والشرطة جزء من الشعب.. درع الدولة شعبها». وقبل يومين تابعت باهتمام حوار الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء مع عدد من رجال الأعمال والخبراء، وفيه اقتراحات مهمة قادمة من القطاع الخاص، كما أعلن خلاله رئيس الحكومة عدداً من الأنباء الهامة، وهى: موافقة مجلس الوزراء على التعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية لطرح المطارات المصرية للإدارة والتشغيل، وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص، وأيضا دراسة طرح البنية التحتية التى أنشأتها الحكومة -خاصة الطرق ومحطات المعالجة والتحلية- أمام القطاع الخاص للإدارة والتشغيل، وكان رئيس الوزراء صريحا فى الحديث عن 2024 بأنه كان عاما صعبا واستثنائيا بسبب الظروف المحيطة، وتوقعه لعام 2025 بأن الإنتاج سيعود فيه بالتدريج، وأن الحكومة تسعى خلاله للتوسع فى الصناعات التى تخلق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد. ولفت الدكتور مدبولى إلى أن سعر الغاز فى العالم كله مرتفع، وأن الغاز المحلى يتم بيعه بأقل من القيمة السوقية الحقيقية، وأشار إلى أن الدولة تفضل بيع الغاز محليا للصناعة المصرية -الداعمة للاقتصاد من خلال فرص العمل ومعدلات النمو الاقتصادي- حتى لو بسعر أقل من سعر التصدير الذى يعود على الدولة بعوائد أكبر، وأكد على التزام الدولة بسداد الديون، وأنها تسعى إلى التقليل منها، مشيرا إلى أن السنة «الثقيلة» فى معدلات سداد الدين مرت. وتوقفت أمام حديث رجل الأعمال الكبير هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب ل»مجموعة طلعت مصطفى القابضة»، الذى طرح حلولا واقعية لزيادة معدلات العوائد الدولارية، فاقترح الاستعانة بالنماذج الناجحة من القطاع الخاص فى المجالات المختلفة، وذلك لوضع خطط واضحة لزيادة هذه العوائد. وهو ما استجاب له الدكتور مدبولى على الفور، وقال إنه يتفق مع المقترح، ويمكن البدء بأهم قطاع حالياً وهو السياحة، نظراً لكونه القطاع الأسرع من حيث عائد العملة الصعبة فى وقت قصير جداً، وبالتالى يتم وضع اللمسات النهائية على مشروعين كبيرين فى قطاع السياحة، بهدف مضاعفة عدد الغرف السياحية فى كل من المنطقة المحيطة بهضبة الأهرام والمتحف المصرى الكبير ومنطقة وسط البلد القديمة، وفى هذا الصدد وجه رئيس الوزراء الدعوة لرجال الأعمال للحضور والاستماع إلى الآراء المتعمقة، حول كيفية تعظيم الاستفادة من هذه المناطق المتميزة. وأضاف رئيس الوزراء أنه سيتم التحرك بنفس الوتيرة أيضاً مع باقى القطاعات، من خلال مجموعات متخصصة للعمل فى هذا الشأن، وأشار إلى أن هناك مجموعة وزارية للتنمية الصناعية، يرأسها نائب رئيس الوزراء ويعمل على هذا الملف، وأكد أنه يتابع معه تفاصيله بصورة يومية، وبالتالى فكل الأفكار التى من شأنها تعظيم الاستفادة وحل المشكلات والتحديات فى ملف الصناعة سيتم التحرك فيها. استوقفنى أيضا حديث ميرنا عارف المدير العام لشركة مايكروسوفت مصر خلال اللقاء، وإشارتها إلى التطور الإيجابى فى هذا المجال باعتباره ركيزة مهمة للمستثمرين، وتأكيدها أن مصر تتمتع برأس مال بشرى على أعلى درجة من الكفاءة والتأهيل، يمكن الاعتماد عليه فى الاستثمارات المقبلة، وأن أهم ما يميز مصر هو تمتعها بحالة من الاستقرار العام فى ظل أوضاع جيوسياسية إقليمية غير مستقرة، وهو ما يؤكد ارتفاع معدل الأمان فى الدولة المصرية. ذلك الحديث الواضح والتكامل بين الحكومة والقطاع الخاص هو نتاج حوار مجتمعى حقيقى، يجرى على مدار أعوام دون شد وجذب، وفيه تفهم كبير سواء من جانب الحكومة أو القطاع الخاص، فالجميع يعلم أن استقرار مصر فوق أى اعتبار، وأن الأمان هو ما يجذب الاستثمارات، ويوفر فرص العمل، وأن مصر تملك تجربتها الخاصة والناجحة، والتى يمكن التعويل عليها فى محيط شديد الاضطراب.