أخيرًا، وبعد طول انتظار ولهفة، أعلنت إذاعتنا الراشدة البدء فى إذاعة المصحف المرتل برواية «ورش عن نافع المدني» بإذاعة القرآن الكريم منذ أول يناير، ليأخذ ذلك المصحف «المجمّد» بمكتبة الإذاعة منذ أربع سنوات مكانته المستحقة على الجدول اليومى للقرآن المرتل، من ناحية، وإلى قلوب المستمعين المنتظرين فى شوق، من ناحية أخرى. ومصحف «ورش» كان قد سجّله الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بالمملكة المغربية عام 86، وبطلب من الملك الحسن الثانى نفسه، الذى كان عاشقًا للقراء المصريين، خاصة الشيخ عبد الباسط؛ وبالفعل سجّله الشيخ فى وقتٍ قياسي، وهو صائم، رغم المدود الطويلة والإمالات فى هذه الرواية؛ ثم قامت بمراجعة هذه التلاوة لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وضمت فى عضويتها المشايخ: رزق خليل حبة، شيخ عموم المقارئ ونقيب القراء، والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف، والشيخ محمود أمين طنطاوي، والشيخ محمود برانق، ووقعوا بأسمائهم على نشر واعتماد هذه النسخة الكاملة الفريدة بصوت الشيخ عبد الباسط.. حتى أحضرت أسرة الشيخ عبد الباسط نسخة منها منذ أربع سنوات من الإذاعة المغربية وقدّمتها لإذاعتنا فظلت حبيسة الأدراج حتى أخرجها الرئيس عبد الفتاح السيسى بنفسه من غيابات الجبّ ومتاهات النسيان. كانت «يوميات الأخبار» التى كتبتها بعنوان (كنز الشيخ عبد الباسط بالإذاعة) فى 25 نوفمبر الماضى فاتحة خير؛ إذ علمتُ أن الرئيس السيسى قد وجّه بالبحث عن أسباب تأخير إذاعة هذا الكنز القرآنى الفريد، ليأخذ مكانته اللائقة فى جدول يوميات إذاعة القرآن الكريم.. وليست هذه هى المرة الأولى التى يوجه الرئيس فيها بالاهتمام بقوتنا الناعمة؛ فقد كنتُ شاهدًا ومُشاركًا فى العديد من المواقف التى قدم فيها الرئيس كل الدعم اللازم لقراء القرآن الكريم؛ وكنتُ قد أجريتُ عدة تحقيقات بالأخبار عن المشاكل التى تواجه نقابة القراء، وأجريت مقابلات مع الشيخ محمد محمود الطبلاوي، رحمه الله، نقيب القراء وقتها، وعدد من أعضاء مجلس النقابة: فرج الله الشاذلي، ومحمود الخشت، وياسر عبد الباسط عبد الصمد، وصديق محمود المنشاوي، وطه النعماني، وعشرات غيرهم، ونشرت كل مطالبهم؛ ثم كانت المفاجأة أن الرئيس السيسى قد قرأ التحقيق ووجّه فى اليوم نفسه وزير الأوقاف السابق د. محمد مختار جمعة، بالاستجابة الفورية لكل طلبات القراء؛ وهو ما يكشف أن الرئيس يملك أذنًا واعية و»سمّيع» بالفطرة، مثل كل المصريين الذين يستطيعون التمييز بين أصوات القراء والروايات التى يقرأون بها من مجرد الاستماع المباشر. والحقيقة أن وزير الأوقاف السابق د. محمد مختار جمعة، ونقيب القراء الحالى الشيخ محمد حشاد، قد بذلا جهدًا كبيرًا لمحاولة تعديل الأوضاع المادية المتدنية للقراء طوال السنوات السابقة؛ حتى تم إصلاح العديد من مشكلاتهم المزمنة وتضاعف المعاش المتدنى عدة مرات فى سنوات قليلة؛ ورغم أنه لا تزال هناك العديد من المشاكل التى تواجه النقابة المهنية العريقة للقراء، التى نشأت فى عهد الرئيس السادات، رحمه الله، وبرعاية شخصية منه؛ وبجهود الشيخين: محمود على البنا، وعبد الباسط عبد الصمد، فإن الأمل كبير فى العالم الجليل د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن يهب القراء من وقته ودعمه المادى والمعنوى ما هو جدير به، وبقوتنا الناعمة التى تُفتح لها قلوب المسلمين دون استئذان؛ وكذلك رعاية شباب القراء الذين يحصدون المراكز الأولى عالميًّا ويرفعون اسم مصر عاليًا بجهود فردية وإمكانيات قليلة ويُحافظون على ريادتنا الغالبة؛ رغم المحاولات المستمرة لسحب بساط ريادتنا القرآنية. لن ينسى المستمع المصرى العريق مبادرة الرئيس السيسى ودعمه الكبير لقراء القرآن الكريم، باعتبارهم قوة مصر الناعمة فى كل الأوقات. كما لا ننسى الإشادة بجهود إسماعيل دويدار رئيس شبكة القرآن الكريم لتوفير مساحة تليق بمصحف «ورش» للشيخ عبد الباسط؛ وكذلك لن ينسى القرار الأول لرئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلمانى بتجهيز مصحف «ورش» للشيخ عبد الباسط لإذاعته فى أول يناير؛ إضافة إلى قراره الثانى بمنع الدجالين والمشعوذين من قنواتنا ومنابرنا الإعلامية؛ فهى بداية تليق بتاريخه الإعلامى الكبير الذى نرجو أن يظل معه إعلامنا دائمًا فى «الطبعة الأولى».