عرف أدب الرسائل وتبادل المثقفون المراسلات البريدية، وصدرت الكثير من الكتب المعنية بهذا الفن على مدى تاريخ الأدب لكن عصر «التكنولوجيا» خلق نوعا جديدا من المراسلات العصرية لا تحتاج لساعى بريد، ولا تفصل بين أصحابها مسافة، أو زمن لنقل الرسائل، بل يمكن أن يرسل الأديب رسالته إلى مبدع آخر عبر بريده «الإلكترونى»، أو من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، وحتى فكرة الخصوصية، كسرها كثير من الأدباء قديما بإصدار الكتب، وكسرها أدباء عصرنا بنشر المراسلات على صفحاتهم الخاصة، ليطلع عليها الآخرون من مبدعين وقراء، وهذا ما تتحدث عنه اربع أديبات. من البريد إلى مواقع التواصل تتحدث الأديبة والأكاديمية مى التلمسانى عن تجربتها: أحب كتابة الرسائل للأصدقاء، الرسائل الخطية، المرسلة بالبريد العادي. لدى من المكاتبات المخطوطة عدد لا بأس به من رسائل متبادلة مع أصدقاء من الأدباء، ومع الأهل أيضا. كتبت معظمها زمن الدراسة خارج مصر، وفى رحلات كثيرة قادتنى بعيدا عن أسرتى الصغيرة للعمل، أو الكتابة، فى الآونة الأخيرة، تبادلت مع الأديبة الصديقة أسماء جمال عبد الناصر عددا من الرسائل الخطية، نشر جزء منها على منصات التواصل الاجتماعى، وعلى مواقع أدبية مثل موقع الكتابة. تضيع الرسائل البريدية أحيانا، بين كندا وكولومبيا، حيث تقيم «أسماء» حاليا. وتعود الكتب المحملة برسالة بعد أشهر من التوهان والحيرة، بين المطارات، والموانئ،. تعودت أن أحتفظ بصورة من رسالتى قبل إرسالها بالبريد، فضلا عن الحفاظ على الرسائل التى أتلقاها من الأصدقاء، أحافظ عليها كالغنيمة. وتدهشنى العودة إلى قراءتها بعد حين. كأنى لست كاتبتها،أجمل ما فى الرسائل حركتها الحرة بين الأزمنة ،والأماكن، والأفكار، والمشاعر، حركة تشبه السباحة، بلا أرض تستقر عليها القدمان. أما الشاعرة والمترجمة أسماء جمال عبد الناصر فتتحدث عن تجربتها قائلة: «بداية المراسلات «الإلكترونية» بالنسبة إلى كانت مع القاصة آية طنطاوى والشاعر مصعب السيد فى أيام «الكورونا»، والحظر ،والقلق الوجودي، ثم كانت رسائلها مع الروائية «مى التلمسانى» المقيمة فى كندا بعد مشاركتها فى ورشة معها فى مصر، وكانت بدايتها عبر البريد العادى من إسبانيا لكندا والعكس» وتضيف «أسماء» عن تجربتها مع مى «كانت استعادة لنمط أكثر كلاسيكية وحميمية من الرسائل «الإلكترونية»، تستطيعين الإمساك بالورق والاحتفاظ بالرسالة ماديا،وتحمل فكرة الانتظار والصبر، ولكن عيوبها ضياع بعض الرسائل، وهذا محبط وإن كان عزائى احتفاظنا بنسخ منها». رسائل إلكترونية لمبادرات ومدونات الأديبة والصحفية منصورة عز الدين جربت المراسلات مرتين، الأولى كانت مع الأديبة الألمانية «شارلوته فيدمان»، بمبادرة من موقع ألماني، وهى مراسلة استمرت لفترة وتركزت حول أوضاع النساء وسبل الارتقاء بها. والثانية كانت مؤخرًا مع الروائية السورية روزا ياسين حسن، وبدعوة منها، ونُشرت الرسائل الأربع المتبادلة فى صحيفة عربية، وتركزت حول جدوى الكتابة فى ظل الأوضاع الحالية فى فلسطين وكيف يمكن للكتاب تناول واقع عنيف. وتعلق قائلة: الأمر حدث فى المرتين بتنظيم جهة ما، وبغرض النشر فى الأساس، وأظن أن هذا هو الطبيعى حاليًا، فالزمن الحالى غيَّب المراسلات بشكلها القديم التقليدي، والرسائل الإلكترونية غالبًا ما تكون موجزة، وربما تبدأ فى التلاشى هى الأخرى فى ظل التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعى والرسائل الصوتية ومحادثات الفيديو وما إلى ذلك. قد يرى البعض أن التراسل المنسق مسبقًا يفتقد العفوية فى معظم الحالات، إذ يعى أطرافه بأن ما يخطونه سيُقرأ من جانب القراء، لكننى لا أتفق مع هذا الرأي، فكثير من كتب الرسائل الحديثة بين الأدباء كُتِب بمبادرة من دور نشر، أو صحف ،أو من الكتاب أنفسهم بغرض النشر. وإن كانت فى هذه الحالة تركز على قضايا بعينها سواء ثقافية أو عامة وليس على الشأن الشخصى للكتاب.. للشاعرة غادة خليفة تجربة مختلفة تتحدث عنها قائلة: عندما كنت طفلة كانت كل الأفلام تتحدث عن رسائل غرامية تتلقاها البطلة من البطل، فتصورت أن هذه هى طبيعة العالم لكن لما كبرت اكتشفت أننا فى عالمنا الحقيقى لا نستقبل الرسائل الورقية، فقررت أستخدم خيالى والكتابة، وكتبت لأصدقائى أننى أكتب رسائل وأتمنى تلقى رسائل منهم وأرد عليها وأنشر الرسالتين وكنت أنشرها على مدونتى وأحيانا الأصدقاء كانوا ينشرون رسائلهم على مدوناتهم ونشرت عددا قليلا على الفيس بوك، وناس كتير لعبوا معى هذه اللعبة».