كيف يستطيع باحث إنجاز 90 بحثا حتى الآن فى عام 2024 وحده؟.. توجهت بهذا السؤال إلى بعض الباحثين الذين أثق فى نزاهتهم العلمية، فأجمعوا على أن ذلك فوق قدرات أى بشر، بل إنهم زادوا على ذلك بقولهم، إن هذا الباحث من المؤكد أنه من المتعاملين مع مصانع إنتاج الأوراق البحثية، وهو مصطلح يشير إلى «شبكات غير شرعية» تنتج وتبيع أبحاثا أكاديمية مزورة بهدف الربح السريع. ورغم أن هذا السلوك مرفوض لأسباب أخلاقية ودينية وأكاديمية، إلا أنى حاولت أن أجد مبررا لهذا الباحث يدفعه للإقدام على هذا السلوك فلم أجد، فالباحث حصل على الأستاذية، ولا يحتاج لإنجاز كل هذا الكم من الأبحاث، بل إنه من المؤكد، لا يملك من الوقت ما يعينه على أن يباشر المهام التدريسية والبحثية، وكتابة هذا الكم من الأبحاث، إذن: ما الذى يدفعه لذلك؟ وبينما أفكر فى الإجابة، جمعنى لقاء عابر مع قريب لى يدرس ابنه فى إحدى الكليات العملية، فأخبرنى الرجل مفزوعا أن بعض الطلاب من أقران نجله، يتعاملون مع مكاتب التصوير على أبواب الجامعة، والتى تقوم بإعداد الأبحاث للطلاب بمقابل مادي. بالطبع هذه الخدمة غير البريئة ليست بالجديدة، ولكنى كنت أظنها مقصورة على نوعية معينة من الطلاب، ونوعية معينة من الكليات، لكن يبدو للأسف أنها أصبحت منتشرة بشكل كبير، وتتوغل فى السلوك الأكاديمي، حتى تكبر مع بعض الطلاب، وعندما يصبح أستاذا يتعامل مع مستويات أعلى من هذه المكاتب. وإذا كانت دور النشر بدأت تدعم آليات المراجعة لديها بأدوات الذكاء الاصطناعى التى يمكنها كشف إنتاج مصانع الأوراق البحثية، وقامت مؤخرا مجلة «تخزين الطاقة» التى تصدرها دار النشر «إلسفير»، وهى من مجلات الصف الأول، بسحب 48 بحثا بعد نشرها، فإنه يجب مواجهة تلك الظاهرة عبر مسارين، أولهما تشديد العقوبات على أى باحث يتم سحب بحثه، فكما يحصل الباحثون على ترقيات عند النشر البحثي، يجب فى المقابل أن يجدوا عقابا رادعا عند ثبوت ممارسة سلوك أكاديمى غير منضبط، أما المسار الثاني، فهو حماية الأجيال الجديدة من فيروس الاحتيال الأكاديمى عبر وأد حاضنته فى مهدها، وهى مكاتب التصوير على أبواب الجامعات، والتى تقتل المستقبل الأكاديمي، بدفع الطلاب للاستسهال منذ بداية عهدهم بالجامعة. فهل سنتحرك سريعا، أم سننتظر حتى يتوغل فيروس الاحتيال الأكاديمى فى مراكزنا ومؤسساتنا البحثية؟