اهتمام كبير حظيت به زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للعاصمة الأيرلندية دبلن، فهى الزيارة الأولى لرئيس مصرى منذ عام 2006، حيث التقى نظيره الأيرلندى مايكل هيجينز ورئيس الوزراء سيمون هاريس، ووقع فى سجل شرف زيارات الرئاسة ومجلس الوزراء، وشهدت المباحثات حديثًا مطولًا حول ما يشهده الشرق الأوسط من توترات، والدور المصرى المحورى فى تهدئة الأوضاع بالشرق الأوسط، فيما قدم الرئيس للقادة الأيرلنديين احترام وتقدير مصر لاعتراف أيرلندا الرسمى بدولة فلسطين ومعاملتها كدولة مستقلة ذات سيادة وفتحها لسفارة فى رام الله وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها وهو موقف بالغ القوة والتقدم من دولة أوروبية فى مواجهة محاولة تصفية القضية الفلسطينية. وأيرلندا دولة صاحبة تجربة اقتصادية ناجحة فى أوروبا، تحولت من دولة تعانى تحديات عديدة إلى واحدة من أسرع الاقتصاديات نموًا فى العالم حيث وفرت بيئة جاذبة للشركات متعددة الجنسيات خاصة فى قطاعات التكنولوجيا والبرمجيات والخدمات المالية، وصناعة الأدوية وكانت بنيتها التحتية من شبكة مواصلات واهتمام بالتكنولوجيا الرقمية الحصان الرابح فى اجتذاب شركات كبرى مثل جوجل وفيس بوك ومايكروسوفت، وهو ما جعلها مركزًا رئيسيًا لشركات التقنية، وهو ما أعطى لأيرلندا ثقلًا فى صناعة القرار الأوروبى ودورًا محوريًا فى بناء تحالفات الشمال الأوروبى ودول البلطيق. سعت جولة الرئيس الأوروبية لتوطيد العلاقات المصرية مع دول الشمال الأوروبى والتعرف على تجاربها الناجحة وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون على عدة أصعدة سياسية واقتصادية وثقافية وقد نجحت إلى حد بعيد فى تحقيقها حيث تمكنت من حشد تلك الدول ومن بينها أيرلندا لمنع تصفية القضية الفلسطينية، والالتزام بحل الدولتين باعتباره الحل الوحيد للتهدئة واستدامة أى عملية سلام فى المنطقة وهو ما قابله تقدير أيرلندى للجهد المصرى المبذول للمحافظة على الحق الفلسطينى، ولدورها الريادى فى إحلال السلام بالمنطقة. وكانت الأوضاع فى سوريا ضمن محاور الحوار بين الرئيس والقادة الأيرلنديين، وكان تأكيد الرئيس على انحياز مصر لإرادة الشعب السورى واضحًا وعبَّرَ عن أمل مصر فى انتقال سلس وسلمى لسوريا، وأن تنطلق عملية سياسية شاملة وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبما يضمن عدم إقصاء أحد وتعبيرها عن التنوع المجتمعى والدينى والطائفى والعرقى فى البلاد، وأن يكون جميع الأطراف ممثلين فى العملية الانتقالية باعتبارها ملكًا خالصًا للسوريين. وشدد الرئيس على موقف مصر الرافض لتدخل أى طرف خارجى لتحقيق مكاسب على حساب السيادة السورية ووحدة أراضيها وحرص مصر على التواصل مع الأشقاء فى سوريا وبذل كل الجهد لإنجاح العملية السياسية الشاملة بما يلبى طموح الشعب السورى الشقيق. تدرك مصر أهمية وجود رأى عام دولى مساند لقضايا الشرق الأوسط ولذلك كان من المهم السعى لإيجاد شريك مثل أيرلندا ليكون مساندًا للتحركات المصرية من أجل التهدئة، وهو أمر كان محل تقدير لدى القيادة الإيرلندية. تخطت مساحات الاتفاق المصرى الأيرلندى القضايا السياسية الساخنة إلى الاهتمام المشترك بالاستثمار فى الطاقة الخضراء وهو من الملفات التى تحظى باهتمام الرئيس السيسى باعتبارها طاقة المستقبل صديقة البيئة، ومصر تملك فرصًا واعدة فى ذلك المجال حيث تملك مقومات التحول لتكون مركزًا للطاقة الخضراء فى المنطقة خاصة مناطقها الساحلية الممتدة على البحرين الأبيض والأحمر. وتعتبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من المناطق الواعدة فى ذلك المجال ويمكن استخدامها كمواقع لإنشاء محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر وتتمتع بموقع فريد يمكنها من تصدير الطاقة الخضراء إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا. وتقدم مصر تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب والمحليين لتطوير مشروعات الطاقة الخضراء كما تملك استراتيجية للطاقة المستدامة 2035 وتهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة لتصل إلى حوالى % 42. وتهتم أيرلندا بملف الطاقة الخضراء حيث تشارك فى مشروعات عديدة للطاقة المتجددة وتم تصنيفها عام 2023 من الدول الرائدة فى ذلك القطاع حول العالم وقد عبرت أيرلندا عن اهتمامها بالتعاون مع مصر فى ذلك المجال. وعبرت مصر عن رغبتها فى زيادة التبادل التجارى بين البلدين وعملها على توطين الصناعة بما يوفر المزيد من فرص العمل فى أسواق العمل داخل مصر وهو جزء أصيل ومهم من برنامجها للإصلاح الاقتصادى وتعاونها مع الشركاء الأوروبيين. ووجه الرئيس السيسى الدعوة للقادة الأيرلنديين لحضور افتتاح المتحف المصرى الكبير باعتباره أهم حدث ثقافى عالمى، ومحطة مهمة لعلاقات ثقافية أوسع مع أيرلندا وباقى الشركاء الأوروبيين والبعد الثقافى مهم لتوطيد العلاقات وفتح الباب أمام الشعوب للتعرف على الثقافات الأخرى. ولا أبالغ فى القول إن هناك اهتمامًا أوروبيًا بالثقافة المصرية وخاصة ما يتعلق بالمتاحف والمزارات التاريخية، حيث الولع الدائم بالحضارة المصرية القديمة تتناقله الأجيال حول العالم، ومصر تسعى بجدية لتنمية ذلك بافتتاح المتاحف الجديدة والاهتمام بوضع مصر على الخريطة الثقافية العالمية جنبًا إلى جنب مع المقاصد السياحية المصرية المعروفة والمشهورة عالميًا. فتحت زيارة السيسى لأيرلندا أبوابًا عدة لتعزيز العلاقات بين البلدين تنطلق من اتفاق الرؤى فى ملفات عدة سياسية واقتصادية وثقافية وهو ما يمكن البناء عليه فى تطوير العلاقات بين البلدين وتعظيم المصالح المشتركة وتطويرها بشكل مستمر يعود بالنفع على الجانبين.