تبدأ الحكاية فى الغالب ب«جواب غرامى» يحاول فيه العاشق أن يصف جمال المحبوب، وتأثيره الفعّال فى «لخبطة» حياته، ورغبته فى أن يظل بالقرب منه.. ليس شرطًا أن يبعث به إلى الطرف الآخر، أو يحتفظ به، المهم أنه استطاع التعبير عن مشاعره، وتمكن من تفريغ حمولة الكتمان التى تجثم على قلبه. رسائل تحتوى على تركيبات بلاغية مستهلكة، ومصاغة بأسلوب ساذج وركيك، وممتلئة بأخطاء إملائية ونحوية، ومع ذلك تجلب لصاحبها الغرور، وتجعله يظن نفسه شاعرًا كبيرًا، فشر نزار قبانى، أو كاتبًا عظيمًا وهو يقول لنفسه «وهو نجيب محفوظ أحسن منى فى إيه؟!» يبدأ بعدها فى عرض ما يكتبه على أصدقائه، وهو يقرأ أمامهم نصوصه بحماس، وكأنه زعيم يخطب فى الجماهير العريضة، لينتزع منهم الثناء المطلوب، لكنه حين يتجرأ ويذهب ببضاعته إلى متخصص، يواجه عاصفة من الانتقادات، ويتسلم قائمة من النصائح، أهمها أنه لابد أن يقرأ. إذا لم يقبل النصيحة، ويلتهم الكتب، سوف يظل طيلة حياته «مبدع عيرة»، مجرد «مسدس صوت» لا يصيب من حوله إلا بالدوشة، وإذا اندفع فى طريق القراءة سوف يدرك أن الكتابة عمل شاق، يحتاج إلى جهد جبّار، وأن القصيدة ليست مجرد كلمات رخيصة ولكنها قطع مجوهرات نادرة، كما أن القصة ليست حكاية مسلّية، بل علم تحكمه قواعد وأصول. عندما أستقبل نصّا ضعيفا، أود لو أقابل صاحبه، لأقرص أذنه، وأنا أقول له: «اقرأ أولًا».