صمود وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية حتى يصل لهدنة دائمة، يحقق لإسرائيل مكاسب بالجملة، على رأسها تحييد صواريخ ومسيرات حزب الله التى كانت السلاح الأكثر تماساً، وإيلاماً للأمن الإسرائيلى طوال الحرب. كما انه يفصل لأول مرة منذ أكتوبر 2023، الجبهة اللبنانية عن الجبهة الفلسطينية ما يمنح إسرائيل فرصة ذهبية للانفراد بالأخيرة وتركيز جهودها وقدراتها على تحقيق أهدافها الخبيثة بابتلاع الضفة الغربية والسيطرة على قطاع غزة. كذلك يخفف اتفاق وقف النار الضغوط على تل أبيب من إدارة بايدن اللاهثة وراء أى انجاز يغسل عارها، دون ان تضطر إسرائيل لتقديم تنازلات حول خططها وأطماعها الداخلية فى الأراضى الفلسطينية. وبما أن الاتفاق فى مضمونه تنفيذ عملى لقرار مجلس الأمن 1701 المعطل، الذى صدر لإنهاء حرب 2006 بين الخصمين، لكن لم يتم الالتزام به، فإن سريانه، كما ينص، يضمن لإسرائيل اخيراً انسحاب مسلحى حزب الله إلى خلف نهر الليطانى، كما يضمن لقواتها انسحاب آمن ومشرف من الأراضى اللبنانية التى دخلتها، حيث ستتجنب الانزلاق لحرب استنزاف لو بقيت تحارب هناك، بل ويمكنها حتى ادعاء الخروج منتصرة بعد أن أبعدت حزب الله نحو 40 كم من حدودها، وقلصت قدراته العسكرية والقيادية، وضمنت عودة نحو 60 ألف إسرائيلى، نزحوا من الشمال، إلى ديارهم. وفوق ذلك يمنح الاتفاق إسرائيل ضمانات باستئناف عملياتها العسكرية فى أى وقت فى حال حدوث خرق للاتفاق، وينتهى بخروج بايدن من البيت الأبيض، ما يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة بعد دخول ترامب. الدولة اللبنانية ايضاً تستفيد حالياً من الاتفاق الذى يخرجها من دوامة الحرب ويمنحها السيادة على الجنوب الذى كان خاضعاً لحزب الله، كما يمنحها فسحة سياسية لانتخاب رئيس وإعادة ترتيب أوراقها الداخلية. حتى حزب الله، رغم خسائره، يمكنه الادعاء أنه نجح بمقاومته فى إجبار إسرائيل على الهدنة والخروج من لبنان. يبقى الخاسر الأكبر غزة التى فقدت جبهة إسناد كانت تخفف عنها الضغط وتمنحها الأمل فى صفقة سلام شاملة تضم الجبهتين.