هناك في المخيمات في شتى بقاع غزة، يعيش أناسٌ تحت الضباب وتحت المطر يعانقون أحلامهم الصامدة، التي يُحاول المحتل أن يُمزقها، مثلما بليت ومُزّقت خيمهم، التي يفترشون الأرض تحت أسقفها الوهنة. ومع حلول الشتاء الثاني لشعب بأكمله وهو يرزخ تحت نار الحرب الإسرائيلية، بات منهم من يلتحف السماء يواجه البرد القارص دون مأوى، ومن دون أن تكون هناك حلول على أرض الواقع أو مساعدات تمد لهم يد العون بخيام صالحة هم أمس الحاجة إليها بعد أن خرجوا من ديارهم قسرًا بحكم الحرب والعدوان. وفي 15 سبتمبر الماضي، دقت بوابة أخبار اليوم جرس الإنذار في تحقيقها حول الخيام المهترئة في مخيمات النازحين بقطاع غزة، وما تمثله من معضلة للنازحين قبل قدوم فصل الشتاء، مع ضرورة توفر 100 ألف خيمة تدخل ضمن المساعدات إلى غزة لسد حاجة النازحين، الذين لا يجدون مأوى لهم حتى ولو كانت خيمة تقيهم بعضًا من برد الشتاء القارص. اقرأ أيضًا: تحقيق | الخيام المهترئة.. أزمة إنسانية تعصف بالنازحين في غزة قبل قدوم الشتاء والآن وبعد مرور أكثر من شهرين على ذلك وبدء دخول فصل الشتاء، حيث عرف قطاع غزة منخفضًا جويًا أدى إلى سقوط أمطار جاءت على آلاف الخيام داخل مختلف المخيمات، باتت قضية الخيام المتهالكة واقعًا مأسويًا يعيشه النازحون في غزة مع دخول الشتاء الثاني لهم وهبوب الأجواء الباردة في الأثناء، وهم لا يزالون يرزخون تحت وطأة جيش الاحتلال وطائراته ودباباته وإجرامه الذي لم ينتهِ بعد. وفي الأيام القليلة الماضية، ومطلع هذا الأسبوع عرف قطاع غزة منخفضًا جويًا أدى إلى سقوط الأمطار على أنحاء عدة كانت وبالًا على عشرات الآلاف داخل المخيمات، بعد أن أُتلفت خيمهم وصاروا بلا مأوى لهم وسط حلول الشتاء وانخفاض درجات الحرارة. تلف 10 آلاف خيمة خلال يومين وفي غضون ذلك، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن قرابة 10 آلاف خيمة جرفتها مياه البحر وتعرضت للتلف خلال اليومين الماضيين بسبب دخول فصل الشتاء والمنخفض الجوي، مكررًا إطلاق نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ مئات آلاف النازحين في قطاع غزة قبل فوات الأوان. وقال المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان صدر عنه أمس الاثنين وصل ل"بوابة أخبار اليوم" نسخة منه، "على مدار اليومين الماضيين تلفت قرابة 10 آلاف خيمة حيث جرفتها مياه البحر بعد امتداد الأمواج بسبب دخول فصل الشتاء ودخول المنخفض الجوي"، مضيفًا أن أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يومًا بعد يوم في ظل فرض الاحتلال لجريمة التهجير القسري. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فقد بلغ عدد النازحين مليوني نازح في محافظات قطاع غزة، وهؤلاء نزحوا أكثر من 5 مرات متتالية، وما زالوا تحت قهر الظروف القاسية التي يفرضها الاحتلال. وتابع المكتب الإعلامي الحكومي: "لدينا في قطاع غزة 543 مركزًا للإيواء والنُّزوح نتيجة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير القسري، وهي جريمة ضد الإنسانية من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي". وأشار المكتب الإعلامي الحكومي إلى أنه وفقًا لفرق التقييم الميداني الحكومية فإن نسبة 81% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك بعد تلف واهتراء 110 آلاف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهتراء هذه الخيام تمامًا، ونتيجة دخول المنخفضات الجوية وفصل الشتاء وجرف أمواج البحر لآلاف الخيام. وأوضح أن هذه الخيام مصنوعة من القماش والنايلون، وهذه الخيام اهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل. وكما أشرنا في مقدمة هذا الموضوع، فإن المسؤولين الحكوميين في قطاع غزة طالبوا في شهر سبتمبر الماضي بضرورة إدخال 100 ألف خيمة على الأقل ضمن قوافل المساعدات إلى غزة، وذلك وسط حاجة ملحة لذلك قبل حلول فصل الشتاء. لا خيام جديدة منذ 200 يوم ويقول إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إنه "منذ 202 يوم لم يدخل إلى قطاع غزة أي خيام رغم المناشدات، وعلى مدار أكثر من ستة شهور". ويستطرد الثوابتة، ل"بوابة أخبار اليوم"، قائلًا: "حتى لو أدخلت بعض المؤسسات الدولية بعض الخيام، التي يُقدر عددها بالعشرات وليس أكثر، فإنها تدخلها لعملها هي وليس للنازحين والناس في غزة". ويختتم مدير المكتب الإعلامي في غزة تصريحه قائلًا: "نحن في كارثة". وبعد أن أغرقت الأمطار الغزيرة التي سقطت أول أمس الأحد خيام آلاف النازحين الفلسطينيين في مناطق عدة من أنحاء غزة، بات الواقع أليمًا في مختلف المخيمات، خاصة القريبة من البحر، والتي صارت عديمة الوجود. أوضاع كارثية وفي مدينة رفح الفلسطينية، حيث واحدة من أكبر مخيمات النزوح جنوب قطاع غزة، يؤكد أحمد الصوفي، رئيس بلدية رفح، أن أغلب الخيام في مناطق النازحين جنوب قطاع غزة قد غرفت أمس الأول بفعل المنخفض الجوي، الذي دخل أجواء قطاع غزة. وقال الصوفي ل"بوابة أخبار اليوم"، "الأوضاع كارثية حيث غرقت أغلب الخيام بسبب تهالكها واهترائها من حرارة الصيف". وأردف قائلًا: "لم تصل إلينا الخيام، حيث طالبنا بإدخال 100 ألف خيمة بشكل عاجل، ولكن لم تدخل هذه الخيام". وتابع قائلًا: "أول أمس غرقت الخيام وقضي الأطفال ليلتهم في البرد والخوف والجوع". وليس بعيدًا عن رفح، حيث خان يونس، الواقعة جنوب شرق قطاع غزة، والتي تضم عددًا كبيرًا من مخيمات النازحين في القطاع، حيث تعرضت الخيام للهلاك والتلف بفعل الأمطار الغزيرة التي سقطت. المياه تغمر الخيام وفي مخيم الصمود في مواصي خان يونس، يروي إبراهيم شاهين، وهو أسير محرر يقيم في هذا المخيم، تفاصيل الوضع هناك وآثار المنخفض الجوي على الخيام. ويقول شاهين، ل"بوابة أخبار اليوم"، بعض الخيام غرقت من المطر أو تطاير من الريح، وكل الناس أفراشهم ابتلت بالماء". ويضيف: "الناس تموت من المطر ومن القصف ومن المجاعة ومن البلطجية الذين يسرقون المساعدات". وأمد إبراهيم شاهين بوابة أخبار اليوم بصور من داخل المخيم وللخيام التي جاءت عليها الرياح والأمطار وجعلتها غير صالحة للاستخدام. «عايشين بالبركة بحماية الله» وفي مخيمات مواصي خان يونس أيضًا، يقول المصور الصحفي سامي شحادة، المتواجد هناك، "وضع النازحين صعب جدًا.. مياه البحر جرفت الخيام الموجودة على الشاطئ لعدم وجود أماكن أخرى لنصب النازحين خيامهم لتكدس أعداد النازحين بمواصي خان يونس". ويضيف شحادة، ل"بوابة أخبار اليوم"، "الكثير من الخيام غرفت من مياه المطر، والخيام أصبحت بالية بعد سنة وشهرين من الحرب، كثير من الناس أصبحوا بلا مأوى". وعلّق سامي شحادة على الوضع الراهن وحول طبيعة الحياة في المخيم للناس هناك قائلًا: "عايشين بالبركة بحماية الله فقط". ويردف قائلًا: "لا يوجد مساعدات.. المعابر مغلقة، وإن دخلت المساعدات فهي قليلة جدًا ويدخل فقط الطحين، ويتم سرقته من قطاع الطرق". ويتابع: "لا يوجد خيام أو نايلون لدى المؤسسات التي تقدم المساعدات بسبب الفترة الطويلة التي أُغلق معبر رفح فيها، وقطاع الطرق المتواجدون بالقرب من المعبر بحماية قوات الاحتلال يسرقون كل ما يدخل من المعبر". ويمضي قائلًا: "الآن بدأت المجاعة تتفاقم وتتزايد أكثر فأكثر.. لا يوجد طعام ولا مياه صالحة للشرب ولا ملابس ولا طحين ولا خيام"، مستدركًا: "وإن وُجدت فأسعارها مرتفعة جدًا ولا يستطيع المواطن شراءها". «النازحون في الشوارع» وفي مخيمات أصداء بخان يونس، يتحدث الصحفي الفلسطيني أنس ريحان عن واقع مأساوي هناك في المخيمات يعيشه الناس خلال اليومين الماضيين ضمن تبعات المنخفض الجوي وسقوط الأمطار التي جاست داخل المخيم وأتلفت عددًا كبيرًا من خيامه. ويقول أنس ريحان ل"بوابة أخبار اليوم"، "الوضع في المخيم، موت ما في حياة.. برد وجوع ومرض.. الآن النازحون في الشوارع". ويشير ريحان إلى أن عدد الخيام التي صارت بالية نتيجة سقوط الأمطار يفوق الألف خيمة في المخيم، منوهًا إلى أن ذلك يمثل نحو 70% من عدد الخيم الكلي في المخيم. ويؤكد أنس ريحان أن الخيم لم تعد متوفرة لديهم سوى في السوق السوداء، مضيفًا أن أقل خيمة يبلغ سعرها 500 دولار. وحصلت "بوابة أخبار اليوم" على صور داخل مخيمات أصداء تُظهر الأضرار التي لحقت بعددٍ من الخيم نتيجة سقوط الأمطار. «خيام كالثلاجات في الشتاء» وبعيدًا عن جنوبغزة وفي مخيم النصيرات وسط القطاع، لا يختلف الوضع كثيرًا بل يتطابق المشهد مع ما حدث في سائر المخيمات بالقطاع. ويقول الصحفي الفلسطيني منذر الشرافي، المتواجد في مخيم النصيرات، "مئات الخيم موجودة قريبة من شاطيء البحر، وقد غرقت جميعها بعد دخول المنخفض ومد أمواج البحر". ويضيف الشرافي ل"بوابة أخبار اليوم"، "مئات الخيم أيضًا موجودة بالأصل أو نُصبت في الشوارع، وللأسف لا بنية تحتية ولا صرف صحي ولا تصريف للأمطار". ويوضح الشرافي أن الذي يسكن على الشاطئ أو في الشارع تكيف بالشتاء على حضور العواصف والرياح، مضيفًا: "لكم أن تتخيلوا حجم المعاناة والقهر وسوء المعيشة". ويقول الشرافي أيضًا: "خيام النازحين بالأصل لا تنفع لا صيف ولا شتاء، فهي كالأفران في الصيف وكالثلاجات في الشتاء". ويتحدث منذر الشرافي عن أن الخيام صُنعت من الأقمشة والشرائط وهي ليست صالحة لأي وقت أو لأي زمان، متابعًا: "ومن كان من المحظوظين ولديه خيمة فهي قد اهترأت في الحرب، بعد أكثر من عام، ولو أنها من حديد لذابت خلال هذا الزمن".