الأربعاء الماضى استخدمت أمريكا «الفيتو» لعرقلة مشروع قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة وإطلاق سراح المحتجزين وتبادل الأسرى وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلى من القطاع. ورغم أن هذه المرة الرابعة التى يدحض فيها الفيتو الأمريكى إجماع أعضاء المجلس على إصدار قرار بوقف الحرب، إلاَ أن لهذا الفيتو بالذات طبيعة خاصة لأنه يأتى فى وقت تحرر فيه الرئيس الأمريكى جو بايدن وحزبه بالفعل من ضغوط الانتخابات بعد خسارتهم لمقعد الرئاسة وأغلبية الكونجرس، وهو ما يسمح له بتمرير هذا القرار التاريخى دون كلفة سياسية، كما فعل سلفه الديمقراطى باراك أوباما فى أواخر ولايته عام 2016 عندما امتنع عن التصويت ضد قرار لمجلس الأمن يدين المستوطنات الإسرائيلية لأول مرة فى التاريخ الأمريكى. ولكن بايدن، وبنفس النسق الذى انتهجه منذ بداية الحرب، أهدر ربما فرصته الأخيرة قبل مغادرة منصبه لاتخاذ قرار أخلاقى، يساعد ليس فقط فى وقف سفك دماء المزيد من الأبرياء، ولكن فى لملمة كرامة إداراته التى بعثرها ضعفه تحت أقدام نتنياهو واستعادة بعض هيبة المعايير والمصداقية الأمريكية التى دعستها إسرائيل. سلوك بايدن حقيقة يتسق مع كونه مجرم حرب وشريكًا أصيلًا فى الحرب مع إسرائيل، ليس فقط بالغطاء السياسى والدعم الاستخباراتى ولكن بالمدد اللوجيستى الذى بلغ أقصى مداه، حيث أنفقت إدارته ما لا يقل عن 22.7 مليار دولار من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين لدعم نتنياهو وإمداده بأسلحة ومساعدات عسكرية تُمكِّنه من إطالة الحرب وتوسيع نِطاقها. وبمنطق المجرم، قد يرى بايدن أن إبقاء الإشارة خضراء أمام نتنياهو للاستمرار فى القتل والتصعيد خلال الشهرين الباقيين له فى السلطة من شأنه أن يثقل الإرث الذى سيتركه لخلفه ترامب والذى سيجد نفسه فى مواجهة «ثور هائج» مقطوع الحبل ومنطقة اكثر اشتعالًا وأعقد تشابكًا، ولو صدق هذا الظن سيكون بايدن، وهو يوجه صفعته لترامب، يكرس تسطير اسمه فى مزبلة التاريخ الإنسانى بصفته الرئيس الذى تواطأ وشارك فى قتل وجرح أكثر من 170 ألف «بنى آدم» فى غزة ولبنان.