لا شك إن الدراما المصرية، هي بمثابة مرآة تعكس مشكلات المجتمع وخصائص الشعب العريق، وقد تربينا جميعا متابعين جيدين للدراما المصرية، تلك التي تُعد من أبرز ألوان الفنون التي تعكس تعقيدات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مصر. فلطالما كانت السينما والمسلسلات المصرية أداة قوية لنقل واقعية المجتمع المصري، مما يجعلها تتخطى دائرة الترفيه إلى كونها وسيلة لتناول القضايا الاجتماعية بشكل جاد وموضوعي. ومنذ بدايات القرن العشرين، ظهرت العديد من الأعمال الفنية التي تناولت قضايا المجتمع المصري. وقد لعبت الدراما دورًا رئيسًا في تسليط الضوء على مشكلات مثل الفقر، والفساد، والتمييز الاجتماعي. وقد كانت الأعمال الدرامية التاريخية أيضًا وسيلة لتجسيد تراث الشعب المصري وثقافته الغنية، مما ساهم في المحافظة على الهوية المصرية. ثم بدأت الدراما المصرية تأخذ منحىً يعكس التحولات الاجتماعية المعقدة التي شهدتها البلاد في السبعينات والثمانينات، من خلال شخصيات متعددة وتوجهات درامية مختلفة، فكانت شخصيات "جُمعه الشوال" و"أبو العلا البشري" و"رأفت الهجان" و"حسن أرابيسك" وغيرهم، حيث نجحت المسلسلات في تناول قضايا مثل حقوق المرأة، وتحديات الشباب، وتأثير السياسة على الحياة اليومية للمواطن المصري. وغيرها، فيما هو انعكاس لخصائص وأخلاقيات مجتمع عريق، قوي البنية. وقد امتازت الدراما المصرية بقدرتها على تجسيد العادات والتقاليد التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للشعب على مدى قرون. فمن خلال الأزياء، واللغة، والموسيقى، أمكن للمشاهدين التعرف على جوانب عديدة من الحياة المصرية، كما استطاعت أن تصور العلاقات الأسرية، والحياة الاجتماعية القويمة للمجتمع المصري، مما كان له أثره الكبير في فهم المشاهدين لسياقات الظواهر الاجتماعية. ويكم القول إن أهمية تلك الدراما المنضبطة، فق معايير رقابية صارمة، قد تجاوزت مجرد نقل الواقع؛ إلى كونها محفزًا للتغيير الاجتماعي. إذ تشجع الأعمال الدرامية المشاهدين على التفكير في قضايا مهمة، وتطرح تساؤلات حول الأعراف والتقاليد. ومن خلال تناول مشكلات مثل التنمر، والتمييز العنصري، والعنف الأسري، ربما تدعو الدراما المصرية إلى إعادة تسليط الضوء على بعض القضايا المهمة في الحياة الواقعية. وفي عصر التكنولوجيا الحديثة، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع تزايد استخدامها، ظهرت تحديات جديدة تتعلق بالمحتوى الذي يتم تداوله، وبشكل خاص صياغة الدراما. تلك الظاهرة التي تتسرب إلى حياتنا من خلال شاشات هواتفنا وأجهزة الكمبيوتر، وتحمل في طياتها العديد من المخاطر والآثار السلبية. وتتراوح أشكال الدراما التي تصاغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الشائعات والأخبار المزيفة، إلى مقاطع الفيديو التي تستهدف الحساسيات العاطفية والاجتماعية. ومع عدم وجود رقابة فعالة على هذه المنصات، يصبح من السهل على الأفراد نشر تلك الدراما دون اعتبار للحقائق أو العواقب. وكثيراً ما تكون الدوافع وراء هذه الصياغات هي الهوى الشخصي أو الرغبة في جذب الانتباه (الترند)، مما يؤدي إلى نشر الفوضى وتدمير العلاقات والعبث في المكون الثقافي وهوية الشباب المصري، بل إنها تعتبر صورة زائفة للمجتمع تتناقلها وسائل الإعلام المحمولة. ومما لاشك فيه إن هذا النوع من الدراما المصاغة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (بلا رقيب) كثيراً ما تؤدي إلى العديد من الآثار النفسية والجسدية السلبية على الأفراد. فالصراعات التي تنشأ نتيجة لتلك المحتويات الدرامية يمكن أن تؤدي إلى القلق والاكتئاب وفقدان الثقة في المحيطين بهم وانعدام الأمان الاجتماعي. بل إن محتوى الدراما عندما يتحول إلى سلاح يُزَيف الحقائق ويعبث في مقدرات الشعوب، فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الإنسانية. ويكون من الصعوبة التحقق من صحة ما يُذاع من المعلومات، وقد يجد الأصدقاء أو أفراد العائلة أنفسهم في مواقف تتطلب الدفاع عن أنفسهم ضد اتهامات مبنية على تلك الأكاذيب. وبالطبع فإن هذه الديناميكيات تقوض الروابط الاجتماعية وتعزز الانقسام في المجتمعات. كما إن انتشار المعلومات المغلوطة في هيئة محتوى درامي من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات أوسع على المجتمع. فقد تتسبب الفيديوهات الدرامية في زيادة التوترات الاجتماعية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وخلق السلوكيات السلبية، التي يمكن استخدامها كمادة للتلاعب السياسي أو للإضرار بالبناء القِيَمي للمجتمع. وبعدما أُثير من ضجة إعلامية بشأن أحد مقاطع الفيديو، الذي نشرته طبيبة أمراض نساء مصرية تعمل في أحد المستشفيات حول بعض العلاقات غير المشروعة، وتقصير الأسرة المصرية في واجبات تربية القاصرات، حيث أصبح محل جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وقوبل بحزمة من الانتقادات الحقوقية، خصوصاً بعد اعتبار إنها قد خاضت في سمعة الأسرة المصرية بدعوتها كل أب إلى إجراء تحليل "DNA" لأبنائه للتأكد من صحة نسبهم على حد قولها. ما استدعى تحقيقا جنائيا انتهى بقرار النيابة العامة بحبسها احتياطيا على ذمة اتهامات بتكدير السلم وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. فإن ذلك يدق ناقوس الخطر ويدعو للمراجعة الدقيقة بعين الناقد، الذي يحب هذا الوطن لبعض المسلسلات الدرامية المُذاعة على شاشات التلفاز أيضاً، باعتبارها تمثل عاكسًا للخصائص والقضايا الاجتماعية. ومن بين أبرز الأحداث الدرامية، التي تُذاع حديثاً هو مسلسل "وتر حساس" الذي يتمحور حول مشكلة الخيانة الزوجية وتأثيرها المُدمر على الحياة الأسرية، من خلال تجسيد حياة مجموعة من الشخصيات، لكل منها قصتها ومشكلاتها، حول ظاهرة الخيانة الزوجية، وهي ظاهرة مُستهجنة على المجتمع المصري. ومن خلال شخصيات هذا العمل الدرامي، يتم تناول العديد من المواقف المؤلمة نتيجة للخيانة، مثل اللحظات التي يشعر فيها الزوجان بالإحباط والافتقاد للحب والاحترام، هو ما يجعل المشاهد يتعرض لشئ من ازداوجية المشاعر عندما يكتشف أحدهم أن من يخونه هو صديقه المقرب، وهو من يشاركه فرحة الخداع. وعلى الرغم إن المسلسل يُبرز الخيانة بأنها ليست مجرد فعل مادي بل كأزمة أكبر تمس القيم الأخلاقية والإنسانية، إلا إن أثر تلك المشاهد نفسياً لا تقل بأي حال عن بعض محتويات شبكات التواصل الاجتماعي. وبينما نالت الأحداث الدرامية، التي صورتها طبيبة النساء محل الضجة الإعلامية الحالية زخماً كبيراً بسبب الحديث عن بعض العلاقات المُحرَمة، وكانت ردود الفعل حادة، إذ واجهت انتقادات كبيرة بسبب رأيها حول العلاقات خارج إطار الزواج. ومع جرأة مسلسل "وترحساس" في تناول موضوع الخيانة، إلا إنه لم يتعرض لنفس القدر من النقد، على الرغم من إن الجرأة في تناول المواضيع الاجتماعية قد تثير الكثير من الجدل، وهو مما يسلط الضوء على كيفية رؤية المجتمع لمثل هذه القضايا، في قالب مسلسل درامي أو محتوى عبر الانترنت. مع التأكيد على استهجان المصريون الطيبون في معظمهم لكل دراما تعكس صفات ليست بالأصيلة في المجتمع المصر، بل إن مصر منها براء. حفظ الله مصر كاتب المقال: أستاذ نظم المعلومات الجغرافية وخبير التنمية المستدامة باليونسكو