في قلب جنوب مصر، وتحديدًا على ضفاف نهر النيل في النوبة، كان معبد دندور يقف شاهدًا على عراقة الحضارة المصرية القديمة منذ حوالي عام 1870. ومع بداية مشروع بناء السد العالي في أسوان، واجهت آثار النوبة تهديدًا كبيرًا بالغرق تحت مياه بحيرة ناصر. انطلق نداء عالمي لإنقاذ هذه الكنوز التاريخية، وشاركت فيه العديد من الدول. تقديرًا للدعم الدولي، قدم الرئيس جمال عبد الناصر معبد دندور كهدية للولايات المتحدةالأمريكية عام 1965، تعبيرًا عن شكر مصر للدول التي ساهمت في حفظ تراثها. هذه الخطوة مثلت جزءًا من جهود مصر للحفاظ على تراثها وتكريم الدول الداعمة، وأصبحت قصة معبد دندور رمزًا للتراث المصري الذي يتخطى الحدود ويعبر الثقافات. * قصة معبد دندور بدأت قصة معبد دندور قبل آلاف السنين، حيث بُني في عهد الإمبراطور الروماني أغسطس في القرن الأول قبل الميلاد. وقد كُرس هذا المعبد لعبادة الآلهة إيزيس وأوزوريس، إلى جانب تكريم الأخوين بيدياس وباك، وهما من وجهاء النوبة في ذلك الزمان. شُيّد المعبد من الحجر الرملي، ويُعد نموذجًا معماريًا مصغرًا للمعابد المصرية، حيث يحتوي على مدخل رئيسي يؤدي إلى صرح صغير وقاعة ومحراب. * تهديد الغمر ونداء الإنقاذ مع بداية بناء السد العالي في أسوان في خمسينيات القرن العشرين، أصبحت آثار النوبة مهددة بالغرق بسبب ارتفاع منسوب المياه. أطلقت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) نداءً عالميًا لإنقاذ المعابد والآثار في النوبة، مستهدفة بذلك حماية الإرث الثقافي الفريد في المنطقة. استجابت عدة دول لهذا النداء، وقدمت الدعم المادي والتقني لإنقاذ المعابد، ومن بينها معبد دندور. وقد أبدت الولاياتالمتحدة اهتمامًا خاصًا بهذا المشروع، حيث قدمت دعمًا ماليًا وتقنيًا للحملة الدولية، وكان لهذا الدور أهمية كبيرة في إنجاح جهود الإنقاذ. وقد جاءت خطوة إهداء معبد دندور للولايات المتحدة كتكريم من الرئيس جمال عبد الناصر، تقديرًا لدورها في إنقاذ الآثار المصرية. * نقل وتركيب المعبد في نيويورك في عام 1965، بدأ العمل على تفكيك معبد دندور بعناية فائقة، حيث تم تقسيم المعبد إلى حوالي 8,000 قطعة من الحجر الرملي، بوزن إجمالي يقارب 1,000 طن. وقد تم تصوير وترقيم كل قطعة بعناية لضمان إمكانية إعادة تجميعه بدقة. شُحنت هذه الأحجار إلى الولاياتالمتحدة، حيث استقبلها متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، وبدأ العمل على إعادة تجميعها في بيئة مخصصة تحاكي الأجواء الأصلية للمعبد. استغرق تجميع المعبد في موقعه الجديد أكثر من عشر سنوات من العمل المتواصل، حيث واجه الفريق الفني تحديات عديدة لضمان استقرار الهيكل وعرضه بشكل ملائم. في عام 1979، تم افتتاح المعبد رسميًا في متحف المتروبوليتان، ليصبح جزءًا من تراث المتحف وأحد المعالم الثقافية البارزة التي تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم. أثر المعبد في المتحف وتعزيز التواصل الثقافي منذ افتتاحه في متحف المتروبوليتان، أصبح معبد دندور رمزًا للتواصل الثقافي بين مصر والولاياتالمتحدة، وعلامة على التعاون الدولي لحماية التراث الإنساني. يشكل المعبد جزءًا أساسيًا من قاعة دندور في المتحف، حيث يتم عرض المعبد بداخل غرفة زجاجية تسمح بدخول الضوء الطبيعي، مما يعزز من تجسيد الأجواء الأصلية لضفاف النيل التي كان يقع عليها. إلى جانب ذلك، يُعد معبد دندور مصدر إلهام للزوار للاطلاع على الحضارة المصرية القديمة وتاريخ النوبة. يستعرض المتحف المعبد في سياق فني وثقافي، ويعقد بانتظام فعاليات ثقافية ومحاضرات تعليمية حول تاريخ النوبة والحضارة المصرية القديمة، ما يسهم في رفع الوعي بأهمية هذا التراث العالمي. معابد أخرى قُدمت كهدية تقديرًا للدعم الدولي لم تقتصر الجهود المصرية لتكريم الدول المساهمة على معبد دندور فقط، بل امتدت لتشمل معابد أخرى أُهديت لدول مثل إسبانيا وإيطاليا وهولندا، وذلك ضمن برنامج التقدير للجهود المبذولة في حماية آثار النوبة. على سبيل المثال، تم تقديم معبد ديبود إلى إسبانيا، ومعبد طافا إلى هولندا، كجزء من حملة شكر وتقدير من الشعب المصري للدول الصديقة التي دعمت مصر في الحفاظ على تراثها. كما أن بعض القطع الأثرية المكتشفة خلال عمليات الإنقاذ تم إهداؤها إلى غانا، وذلك تعبيرًا عن العلاقة القوية التي جمعت بين الرئيس جمال عبد الناصر ونظيره الغاني كوامي نكروما، في إطار جهود تعزيز الروابط الثقافية بين مصر وأفريقيا. تحمل قصة معبد دندور الكثير من المعاني الإنسانية والثقافية، إذ تجسد روح التعاون الدولي للحفاظ على التراث الحضاري. لقد أصبح المعبد جسرًا ثقافيًا بين مصر والعالم، ويمثل شكرًا من مصر للدول التي ساهمت في الحفاظ على آثار النوبة. كما أن معبد دندور في نيويورك يعد شاهدًا على عراقة الحضارة المصرية، ودليلًا على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي المشترك بين الشعوب. من خلال عرض هذا المعبد في متحف المتروبوليتان، تظل مصر تنقل للعالم رسالة تحث على أهمية التراث الحضاري ككنز إنساني يستحق الحفاظ عليه للأجيال القادمة. إن نقل هذا المعبد وإنقاذه من الغمر هو دليل حي على التزام الإنسانية بحماية كنوز الماضي وتقديمها للزوار في كل مكان، ليبقى الإرث المصري الخالد حاضرًا في قلوب الناس وذاكرتهم. اقرأ أيضا | محافظ أسوان يوجه بدراسة مقترح تصميم وتنفيذ مجسم لمعبد دندور