أنا مرعوب من ارتفاع نسب العنوسة، هناك حالة عزوف عن الزواج بين الجنسين، ونسب متزايدة ممن يتزوجون وبالكاد يكملون العام الأول السفر كله فوائد، أبسطها أنه يتيح لك التعرف عن قرب على ثقافات جديدة، وسفرة واحدة إلى بلد ومعايشة أهله، تعادل قراءة عدة كتب عن هذا البلد، هناك بلاد طاردة من مطارها، وأخرى جاذبة، تقع فى هواها، وتتمنى أن تطول إقامتك فيها، وإذا غادرتها مكرهًا، تسعى للعودة إليها فى أقرب فرصة وترشح زيارتها لأصدقائك، ببساطة إذا وصلت أى بلد إلى هذه المرحلة نستطيع أن نقول عنها إنها جاذبة للسياحة، من هذه البلدان المملكة المغربية، التى تقع فى هواها بمجرد أن تطأ قدماك المطار ثم تبدأ فى التنقل بين مدنها. تلقيت دعوة كريمة من المثقف والمفكر الكبير محمد بن عيسى وزير الثقافة والخارجية السابق فى المملكة المغربية للحضور والمشاركة فى الندوة الخريفية لمنتدى أصيلة الثقافى الذى تعقد دورته ال45 هذا العام فى هذه المدينة الصغيرة الساحرة التى تطل على شاطئ الأطلنطى وعلى بعد أقل من 20 كيلومترًا من شاطئ البحر المتوسط، اكتسب المنتدى سمعة دولية وعربية راسخة، فلا يكاد يوجد مثقف أو مفكر عربى فى العقود الأربعة الأخيرة إلا وزار أصيلة وتحدث عبر منصة منتداها.. السر فى بن عيسى المعجون بالفكر والثقافة والسياسة، الذى آمن بأن وصول مدينته الصغيرة التى يمتهن أهلها البسطاء الصيد، إلى العالمية سوف يكون عبر البحث فى الجواهر المكنونة فى أرضها، وراح يغوص مثل صيادى اللؤلؤ بحثًا عن عناصر التميز، وبصبر وبدأب يحسد عليه راح يحقق حلمه يومًا بعد يوم، بالإقامة وسط أهل مدينته الصغيرة التى لم يجد أى غضاضة، وهو من هو، وزيرًا للخارجية، وللثقافة، أن يكون رئيسًا لبلديتها، حافظ على مبانيها التراثية وأدخل لها كل المرافق العصرية، ووسع حدودها ونطاقها لتتحول مما يشبه القرية التى تمتهن صيد السمك إلى مدينة عصرية تمتلك كل مقومات السياحة التى ترد لها من كل العالم، وفى الوقت نفسه حافظ على آثارها وتراثها الذى يمتد إلى عدة عقود. ندوة هذا العام كانت عن مستقبل التيارات الراديكالية الإسلامية التى تنتهج سياسة العنف، تناولت الندوة أسباب الظاهرة وتاريخها الاجتماعى والثقافى والسياسى، وكان من الطبيعى أن تطغى أحداث المنطقة التى بدأت من الحرب على غزة إلى يومنا هذا على أغلب المشاركات التى اتفقت على محورية القضية الفلسطينية. تركت أصيلة فى نفسى أثرًا طيبًا، عشقت سكونها وهدوءها الذى لا يقطعه سوى أصوات طيور النورس وهدير أمواج الأطلنطى، عشقت مبانيها وبيوتها الصغيرة التى تفتح على أزقة لا تزيد فى أوسع أجزائها عن المترين، ومع ذلك كانت نظيفة جميلة، مشرقة تتسع لكل الأحبة.. تمنيت العودة إليها مرات ومرات. المغرب بلد جميل أرى أنه يسير على الطريق الصحيح، استقرار سياسى، واقتصادى ينعكس فى إنتاج صناعى، يظهر جليًا فى وجود صناعة سيارات وطنية تصدر للعالم ولإفريقيا، ينتجون الآن من سياراتهم الوطنية سيارة كل ساعة، لن أقارنهم بنا فى مصر التى كانت أول دولة عربية تبدأ مشروع تجميع السيارات، وأقدم من كوريا ولكننا كالمعتاد نمارس رياضة الكلام والوعود من دون تطبيق أى شىء على الأرض، الشىء الثانى المبهر والذى يدعو للفخر هو أن المغرب الشقيق نجح فى أن يصل إلى مرحلة متقدمة فى تصنيع الطائرات المدنية، نعم الطائرات، ويفتخرون بأنه لا تكاد توجد طائرة مدنية تطير فى الجو من دون بصمة مغربية، والبصمة هنا هى الضفيرة الكهربائية للطائرة، حيث تخصصت عدة مصانع مغربية فى صناعتها بخبرات محلية وبمستوى عالمى أتاح للمغرب أن يكون له جزءًا من هذه التورتة المهمة .. مثل هذه الأمور انعكست فى عملة وطنية قوية تحتفظ بقيمتها أمام الدولار ثابتة لأكثر من عقدين. محبتى للمغرب وأهلها بدأت بمجرد دخولى مبنى سفارتها طلبًا للتأشيرة التى حصلت عليها فى نفس اليوم وأنا جالس فى ضيافة كريمة من دبلوماسييها الذين يعكسون بسلوكياتهم محبة شبوا وتربوا عليها لمصر وشعبها. من المغرب إلى المشرق من حسن الطالع أن المغرب الذى تركته بالأمس، والتقيت بأهم رموزه على هامش منتدى أصيلة الثقافى، ها أنا ألتقى ببعضهم مجددًا ولكن هذه المرة فى أقصى المشرق، على شاطئ الخليج العربى، على أرض إمارة الشارقة التى اختارت المملكة المغربية لتكون ضيف شرف الدورة ال43 من معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى يستضيف أكثر من 2520 ناشرا وعارضا من 112 دولة عربية وأجنبية، يحتفون بالتنوع الثقافى العالمى خلال الفترة من 6 وحتى 17 نوفمبر الجارى، وكالعادة يحرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على افتتاح المعرض، الذى يرفع هذا العام شعار «هكذا نبدأ»، والتجول بين أروقته وأجنحته باحثًا عن العناوين الجديدة فهو قبل أن يكون حاكمًا، فهو أيضًا الباحث المثقف الأستاذ الجامعى، محقق التراث.. المعرض يجمع بين أروقته 400 مؤلف يوقعون كتبهم الجديدة، كما يتم تنظيم 1.357 فعالية متنوعة، يشارك فيها أكثر من 250 ضيفًا من 63 دولة، وتستهدف جميع الأعمار من مختلف الاهتمامات. من الأشياء التى لا تخطئها عين لمتابع للشأن الثقافى فى المنطقة العربية، أن الشارقة أصبحت لها مكانتها فى دنيا الثقافة وتكاد تكون مركزًا لالتقاء الثقافات، وجسرًا يجمع بلدان العالم، ووجهة عالمية للمعرفة والإبداع. كل هذا يأتى انعكاسًا لفكرة ورؤية حاكمها الذى يؤمن إيمانًا غير محدود بأهمية الثقافة فى بناء الإنسان الذى هو بالتبعية يصنع المستقبل ويصبح مؤتمنًا عليه، وتسير ابنته الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، على خطاه ونهجه وأخذت على عاتقها مسئولية تطوير صناعة النشر محليًا وعالميًا، عبر هيئة الشارقة للكتاب التى تترأس مجلس إدارتها. عنوسة وطلاق بدون محاولة لانتقاء الكلمات، أو محاولة تذويقها، أنا مرعوب من ارتفاع نسب العنوسة، هناك حالة عزوف عن الزواج بين الجنسين، ونسب متزايدة ممن يتزوجون وبالكاد يكملون العام الأول ثم ينفصلون، مخلفين وراءهم كوارث مجتمعية، الأسباب كثيرة لا أريد أن أقصرها فى الصعوبات الاقتصادية شديدة القسوة، إذ من أين يمكن لشاب حديث التخرج أن يشترى شقة أو حتى يستطيع تحمل مصاريف إيجارها، فالتضخم التهم كل شيء، وبالكاد يمكن أن يغطى الشاب مصاريفه الشخصية فمن أين له بمصاريف زوجة وبيت وأطفال؟!!! وهناك أسباب تتعلق ب»الفشخرة» المجتمعية التى نتفرد بها، ولم تعد تفرق بين غنى أو فقير، وأصبحنا نرى ما كنا نعتبره من قبيل الخيال، حتى فى القرى التى كان سمتها البساطة فى كل شيء، أصبحت أكثر وحشية من المدينة فى تجهيز البنات.. والمحصلة لا تخرج عن النتائج التالية: عزوف عن الزواج، ازدياد فى الانفلات الأخلاقى ومحاولات مشبوهة لإسباغ الشرعية على الحرام، ارتفاع نسب الطلاق، وما يعقبها من انهيار للأسرة المصرية التى هى اللبنة الأولى فى هذا المجتمع.. ما قلته ليس جديدًا عليك، وأنا على يقين أن حولك فى نفس العمارة التى تسكنها أو فى نفس الشارع أو دواوين العلم حالات أكثر قسوة وبشاعة، أتمنى أن نتحرك لأنه إذا فسدت اللبنة الأولى فقل على الدنيا السلام.