تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها    التخطيط والتعاون الدولي واتحاد بنوك مصر يوقعان بروتوكول تعاون لتعظيم الاستفادة من منصة «حافز»    ترامب: انخراط واشنطن في النزاع بين إيران وإسرائيل وارد    ليبيا.. الدبيبة يعرض على وفد أممي رؤية حكومته لانتخابات شاملة    محمد صلاح يوجه رسالة للجماهير في عيد ميلاده ال33    رسميًا.. جاتوزو مدربًا جديدًا لمنتخب إيطاليا خلفًا لسباليتي    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد امتحانات التمريض في مدرسة التمريض ببنها    فيلم شرق 12 يبدأ عرضه في زاوية ويُتوّج مسيرته العالمية بمناقشة مع صنّاعه    تأجيل أولى جلسات محاكمة المتهم بالانضمام ل " جماعة طالبان " الإرهابية ل 7 سبتمبر    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    تأجيل نهائي كأس أمير الكويت لأجل غير مسمى بسبب أحداث المنطقة    رئيس الوزراء العراقي: العدوان الإسرائيلي على إيران يمثل تهديدا للمنطقة    السيسي يصدق على إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء الشهداء    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    ضبط 4 أطنان سلع مجهولة المصدر في حملة تموينية مكبرة بمركز ومدينة بسيون    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    نقابة المهن الموسيقية برئاسة مصطفى كامل تنعى نجل صلاح الشرنوبي    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    لطلبة الثانوية العامة.. تناول الأسماك على الغداء والبيض فى الفطار    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    ماشى بميزان فى سيارته.. محافظ الدقهلية يستوقف سيارة أنابيب للتأكد من الوزن    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط: استمرار حملات تطهير الترع لضمان وصول المياه إلى نهاياتها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    انقلاب ميكروباص يقل 14 من مراقبي الثانوية العامة وإصابة 7 بسوهاج    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد الثاني من بؤونة بكنيسة العذراء والشهيدة مارينا بالعلمين (صور)    دراسة: لقاح كوفيد يحمى من تلف الكلى الشديد    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طغاة وديمقراطيون .. 12 زعيما استثنائيا غيروا وجه التاريخ الأوروبى
الشخصية والقوة بناة ومدمرو أوروبا الحديثة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 07 - 11 - 2024

ما مدى تأثير الشخصية على سلطة الزعيم؟ وكيف يستطيع زعيم واحد أن يغير مجرى التاريخ؟
فرانكو عذب وزراءه بعدم السماح لهم بدخول الحمام فى الاجتماعات التى قد تستمر طوال اليوم والليل
لينين بدأ انتهازيًا لكن لا يمكن تصور الثورة الروسية بدونه
يتساءل مؤلف الكتاب سير إيان كيرشو؛ أحد أهم المؤرخين فى العصر الحالي: إلى أى مدى يستطيع زعيم واحد أن يغير مجرى التاريخ؟ ويشرح خلفية السؤال بأن العصر الحديث شهد ظهور أفراد كانوا يهيمنون على مجموعة مرعبة من أدوات السيطرة والإقناع والموت. وأعيد فيه تشكيل مجتمعات بأكملها واشتعلت حروب، فى كثير من الأحيان بازدراء لا يرحم لأبسط المعايير. وفى قمة هذه المجتمعات كان هناك زعماء منحتهم شخصياتهم بطريقة أو بأخرى القدرة على فعل ما يريدون. لقد رسم القادة الأقوياء والحكام الجامحون مصائر الجماهير وشكلوا وجه القرن العشرين. لقد غيروا، دون قصد، المجتمعات التى حكموها، وقادوا الجماهير إلى حروب القتل والدمار، وسعوا فى بعض الأحيان إلى إقامة عالم جديد على أسلاك شائكة من الدمار والموت. عززت الشخصية الفريدة والرغبات القوية والظروف التى تسنح لمرة واحدة مكانتهم على رأس الكيانات التى كانوا يسيطرون عليها.
يعد هذا الكتاب محاولة مفيدة لدراسة طبيعة ومسار القادة الذين أملوا مستقبل القرن العشرين، بما فى ذلك القادة الذين سعوا إلى إحداث تغييرات ثورية حتى خارج حدود بلدانهم (لينين وستالين وهتلر وموسوليني) وآخرين ذوى رؤية وطنية (تيتو، فرانكو). ويقدم عشرات الصور الواضحة للقادة نصفهم من المستبدين الطغاة، والآخرين من الديمقراطيين، بدرجات متفاوتة الذين شكلوا القرن العشرين فى أوروبا
ويتساءل كيرشو ما هى الخصائص المشتركة بين كل هؤلاء، وكيف مارسوا السلطة؟ هل كانت الظروف التى وصلوا فيها إلى السلطة أم شخصياتهم هى التى أعطتهم أبعادًا تاريخية؟
أنانية أخضعت الجميع
يزعم كيرشو أن معظمهم وصلوا إلى السلطة فى وقت الأزمة وكانوا قادرين على استخدام الاضطرابات لتحويل أجندتهم إلى أيديولوجية شرعية: "كان لدى كل منهم تصميم غير عادي، وقوة شخصية للتغلب على الصعوبات والنكسات، وإرادة لا هوادة فيها للنجاح، ومستوى من الأنانية التى تطلبت ولاءً شديدًا وأخضعت الجميع وكل شيء لتحقيق الأهداف المرجوة.
مع ذلك فحتى حينما كانوا يعتبرون أنفسهم شخصيات "مصيرية"؛ أظهر العديد منهم مهارة استثنائية فى العمل العملى للسياسة. لقد فهموا نقاط القوة والضعف لدى المؤيدين والمعارضين، وارتفعوا فوق السياسة اليومية من خلال الممارسة الدؤوبة. وهذا يوضح كيف كان على معظم القادة أن يعملوا فى ظل القيود المؤسسية باستثناء ستالين وهتلر فقط فكانا يتمتعان بالسيطرة المطلقة تقريباً، وحتى هؤلاء كان عليهم أن يشقوا طريقهم إلى الصعود بخطوات حذرة.
ولكن ما لم يذكره المؤلف هو إلى أى مدى تمكنت هذه الكتيبة من الزعماء "الأقوياء" (جميعهم من الذكور) من الاستيلاء على السلطة من خلال قوة الشخصية وحسب، أو إلى أى مدى هم انتهازيون يستغلون لحظة من الاضطراب السياسى والاقتصادي. وهل كانت هذه الشخصيات شامخة أم كانت الظروف مواتية؟ وهل يكتب التاريخ، سواء كان خيراً أو شراً، أفراداً مميزين؟ أم أن هؤلاء القادة يركبون موجة الظروف كمستفيدين من الانهيار الاجتماعى والاقتصادى ولحظات الخطر العظيم؟
اقرأ أيضًا| التشويش على الإبادة
من الممكن هنا استحضار الصدفة، أو ربما الحظ،. وكما يشير كيرشو فى هذا الكتاب " فإن الدور الذى لعبه فلاديمير إيليتش لينين فى ثورة 1917 كان ليكون مختلفاً تمام الاختلاف لو لم تضمن ألمانيا له ولنحو ثلاثين من رفاقه المنفيين المرور الآمن من سويسرا إلى بتروجراد.
على الرغم من التنوع المثير للدهشة للشخصيات التى اختارها كيرشو بدءاً من تشرشل وديجول، مروراً بأديناور وجورباتشوف، وانتهاءً بمارجريت تاتشر وهيلموت كول، فإن هناك سمة مشتركة بين كل الشخصيات التى استعرضها المؤلف وهى أنها شخصيات بغيضة تبدو غير محتملة على الإطلاق! وليسوا محبوبين ويفسر كيرشو هذه الظاهرة بأنها جزء من كون المرء شخصية سياسية بارزة.. بعضهم مثير للاشمئزاز بشكل واضح كأفراد... ولكن فى ظروف معينة، قد نجد السمات المثيرة للاشمئزاز جذابة للغاية. كان هؤلاء الأشخاص يرون أنفسهم غالبًا رجالًا مصيريين... كانوا يعتقدون أنهم سيغيرون تاريخ بلدانهم. كانوا جميعًا نرجسيين - كانوا لديهم شغف بالسلطة
تشرشل مثلًا كان شخصًا أنانيًا للغاية. وكذلك أيزنهاور. وشارل ديجول، الذى اعتبره المؤلف ديمقراطيًا، على الرغم من أنه كان زعيمًا يتمتع بأسلوب استبدادى للغاية. ويقول شيركو: " أعتقد أن الأنا هى سمة مشتركة بين جميع الساسة الذين أصفهم".
فى هذا الكتاب يتساءل كيرشو، ما هى ظروف حياتهم وأوقات عملهم، التى أعطت هؤلاء القادة القوة والفرصة لزرع الدمار والرعب على نطاق غير معروف؟ لماذا قام القادة الذين من المفترض أنهم غير موهوبين ولا يتمتعون بشخصية مشرقة وملفتة للنظر، بتغيير المجتمع الذى يقودونه دون قصد؟
تفاصيل الشخصيات
يملأ كيرشو ملفاته الشخصية المفعمة بالحيوية بتفاصيل كاشفة عن شخصيات الزعماء، وأسلوب عملهم، وعلاقاتهم بالهياكل الحاكمة التى تدعمهم .كان لينين، أول من تناولهم كيرشو، يظهر كرجل كانت قيادته للبلاشفة وهزيمته للثوريين الاجتماعيين والمنافسين له متجذرة بلا شك فى اليقين الذى لا يتزعزع والإرادة التى لا تنحني. وكانت النتيجة إيديولوجية شكلت الاتحاد السوفييتى وقسمت العالم لمدة سبعين عاماً. ومع ذلك، فقد بدأ لينين انتهازياً. وكما يقول كيرشو، فإن لينين "كان يحمل التيارات الثورية فى عصره". ولكن "الطريقة التى غيرت بها الثورة روسيا وأوروبا لا يمكن تصورها بدون قيادة لينين".
أما أدولف هتلر فيرمز أكثر من أى شخص آخر إلى رعب هذه الحقبة فى التاريخ الأوروبي. ويصف كيرشو، الخبير المخضرم فى شؤون هتلر وألمانيا النازية، الأمر باختصار: "لقد حددت الحرب العالمية الثانية والمحرقة القرن العشرين كما لم يحدده أى شيء آخر". كانت هذه مشاريع زعيم واحد قوى للغاية. ومن المستحيل أن نتخيل الفعل الشرير الذى لا يمكن حسابه المتمثل فى المحرقة خارج الرايخ الذى كان يحكمه هتلر.
لقد كان الحكم الاستبدادى الذى مارسه جوزيف ستالين فى الاتحاد السوفييتى غارقاً فى دماء الملايين من الأبرياء، ولكن هتلر، على حد تعبير كيرشو، "كان المحرك الرئيسى لأشد انهيار للحضارة شهده التاريخ الحديث". ولكن الأمر لم يقتصر على هتلر. ففى البداية كان هتلر المستفيد من انهيار جمهورية فايمار التى نشأت فى ألمانيا فى الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب. وفى وقت لاحق، رحب به الملايين من الألمان: "لقد استغرق الأمر جيلاً من الأحفاد لتسليط الضوء الساطع على مدى التواطؤ فى جرائم العصر النازي".
إن الطغاة يرسمون أنفسهم بألوان أساسية. فقد وضع هتلر وستالين وبينيتو موسولينى وفرانشيسكو فرانكو وغيرهم قواعدهم الخاصة. أما الزعماء الديمقراطيون البارزون فى أوروبا فى القرن العشرين ونستون تشرشل، وشارل ديجول، وفيما بعد كونراد أديناور، ومارجريت تاتشر (المرأة الوحيدة فى هذا المعرض) وهيلموت كول فقد عملوا فى إطار أنظمة سياسية تتطلب زعامة متجذرة فى الإقناع بقدر ما تتطلب قوة الشخصية.
. فقد "ازدهرت مارجريت تاتشر بفضل الحجج القاسية والمنازعات العدائية"، واعتمدت على "عاداتها فى العمل" و"قدرتها على الاستجواب الجنائي" كمحامية مدربة "لحمل قضيتها ضد زملائها فى مجلس الوزراء الذين كانوا أقل استعداداً أو أكثر خضوعاً فى شخصياتهم". وهو يرى أن السياسة فى بريطانيا، لا تزال متأثرة ب"ثورة تاتشر". وبمعظم المعايير، كانت رئيس الوزراء البريطانية زعيمة بارزة، وإن كانت مثيرة للانقسام. كما نجح فرانكو فى إضعاف مقاومة وزرائه من خلال عدم السماح لهم بالذهاب إلى الحمام فى الاجتماعات التى قد تستمر طوال النهار والليل. ويخبرنا كيرشو أن قدرته على التحكم فى المثانة كانت "غير عادية".
كما يسلط الضوء على الأخطاء التى ارتكبها القادة والتى أدت إلى سقوطهم، ويحلل إلى أى مدى يمكن تفسير هذه الأخطاء بشخصياتهم العنيدة، أو أيديولوجياتهم المتقلبة، أو الغطرسة التى تؤثر على العديد من القادة، وخاصة الدكتاتوريين، عندما يظلون فى السلطة لفترة طويلة. مثل هذه الأخطاء لا تظهر إلا بعد فوات الأوان. إن قرار بوتن بغزو أوكرانيا سوف يُسجَّل فى تاريخ روسيا باعتباره خطأً إذا انتهى بالهزيمة، لكن "النصر" سوف يمحو الأخطاء العسكرية والفظائع من الذاكرة الوطنية. إن القوة تقرر كل شيء
فى رأى كيرشو، فإن زعامة تشرشل أثناء لحظة الخطر الوجودى التى مرت بها بريطانيا تدعى أعظم قوة شخصية: "لم يتجلى دور الفرد فى التاريخ بشكل أكثر وضوحًا مما كان عليه فى الأحداث الحاسمة فى عام 1940. لولا وجوده لكان التاريخ قد سلك مسارًا مختلفًا". ويضيف المؤلف أن هذا المسار كان ليشهد بريطانيا وأوروبا لفترة طويلة تحت نير الرايخ. امتد دور ديجول إلى الحرب والسلام - حماية الأمة الفرنسية أثناء الاحتلال الألمانى ثم، فى الجمهورية الخامسة، إعادة بناء الإطار اللازم للاستقرار الديمقراطى فى مجتمع مشهور بالخلافات.
لعب هيلموت كول دوراً أساسياً فى توحيد ألمانيا وفيما أصبح لاحقاً الاتحاد الأوروبي. وقد وصل إلى السلطة بطريقة تقليدية للغاية... فخلال سنواته الأولى لم يكن مستشاراً متميزاً على وجه الخصوص. ولو تم استبداله فى عام 1988 قبل سقوط جدار برلين لما تذكره أحد. وهو مثال جيد للسياسيين الذين نشأوا فى ظل ظروف معينة.
ولكن فى رأيه، كان ميخائيل جورباتشوف، الزعيم الذى أشرف على نهاية الإمبراطورية السوفييتية، هو الشخصية الأكثر أهمية فى النصف الثانى من القرن العشرين.
لا شك أن زعامة جورباتشوف كانت تشكلها الظروف. وربما كان مؤلف البيان الشيوعى ليعترف بأن الاتحاد السوفييتى فى ثمانينيات القرن العشرين كان منهاراً إلى حد لا يمكن إصلاحه. ثم يتساءل: "ولكن من غير هذا الزعيم السوفييتى الأخير كان ليشرف على حل إرث لينين سلمياً، واستعادة الديمقراطية إلى شرق ووسط أوروبا، وإنهاء المواجهة الأكثر خطورة فى تاريخ العالم؟"
كاريزما الزعيم
لا يصدر كيرشو أحكامًا قيمية بين "البنائين" و"المدمرين" - بل القادة الذين نجحوا بشكل جيد، وحتى بشكل سيء للغاية، فى ثنى قوس التاريخ. نقطة انطلاقه هى مقولة كارل ماركس فى عام 1852: "إن الرجال يصنعون تاريخهم بأنفسهم، ولكن ليس كما يحلو لهم، ولا فى ظل الظروف التى يختارونها بأنفسهم، بل فى ظل الظروف التى يواجهونها مباشرة، والتى تُمنح لهم وتورثهم". كذلك يستقى كيرشو من نظرية ماكس فيبر فى القيادة "الكاريزمية": إن كاريزما الزعيم تنشأ من أتباعه من المؤمنين به، الذين يستثمرون مبادئهم فى "الشخص المختار"، أو تصنعها له حركته أو الدولة من خلال عبادة الشخصية.
وكان كيرشو رائداً فى هذا النهج. وقد أثبت ذلك فى أحد أعماله المبكرة، " أسطورة هتلر" (1987)، كيف استندت قوة هتلر إلى صورته الدعائية وإدراك الجمهور لها.
يؤكد كيرشو أن الأزمات هى التى تخلق الزعماء الاستثنائيين. وينطبق هذا على الطغاة الذين وصلوا إلى السلطة من خلال الثورة الاجتماعية (لينين)، أو انهيار السياسة البرلمانية (موسوليني)، أو الكساد الاقتصادى (هتلر)، وكذلك على الزعماء فى الديمقراطيات الذين جاءت عظمتهم كمنقذين لأمتهم فى زمن الحرب (تشرشل وديجول)، أو أولئك الذين قادوا بلادهم إلى الديمقراطية بعد دكتاتوريات مدمرة (أديناور، جورباتشوف).
استثناءات مبررة
يبرر المؤلف استبعاده لبعض الشخصيات التى استحقت إلقاء الضوء عليها فيقول: " لقد قصرت المناقشة على مجموعة مختارة من حالات الاختبار للزعماء السياسيين فى أوروبا، الذين كان نفوذهم معروفًا بأهمية حاسمة، والأهم من ذلك، أن نفوذهم تجاوز حدود بلادهم. ليس من الصعب إضافة المزيد من القادة إلى هذه القائمة. وبعد الكثير من التفكير، حذفت بعض الزعماء فيلى برانت وفرانسوا ميتران على سبيل المثال الذين كانت لديهم أسباب وجيهة لإدراجهم فى القائمة. وكان من الممكن أن يكونوا جزءاً من مجموعة من القادة السياسيين، معظمهم من الديمقراطيين الاشتراكيين أو الليبراليين بشكل أو آخر، الذين قدموا مساهمة مهمة، خاصة فى النصف الثانى من القرن العشرين، فى تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. .
ومع ذلك، فإن تركيزى على ظروف الأزمات، وعلى نوع القائد الذى تنتجه هذه الأزمات، والدور الذى يلعبه الفرد فى منعطفات حاسمة من التغيير التاريخي، يؤدى حتماً - وربما عن طريق الخطأ - إلى تحويل الأضواء بعيداً عن هذا النوع من القادة. ومع ذلك، لا توجد أسباب كثيرة لحذف القادة الذين أدرجتهم فى هذا الكتاب.
ويبدو أن أهميتها واضحة بذاتها. كذلك استبعد كيرشو شخصيات مؤثرة أخرى مثل جان مونيه وروبرت شومان، اللذين لم يكونا رئيسين للوزراء أو رؤساء دول، بل كانا مهندسى ما أطلق عليه فيما بعد «الاتحاد الأوروبي» - وهو بلا شك أحد أهم التطورات فى القرن العشرين.
لكنه كان مشروعا جماعيا فى المقام الأول وليس إنجازًا فرديًا.
يسهب كيرشو فى تبرير اختياراته فيقول: "كان من الممكن بالتأكيد توسيع اللوحة لتشمل زعماء غير أوروبيين أيضا - رؤساء الولايات المتحدة من وودرو ويلسون إلى بيل كلينتون، على سبيل المثال، فضلا عن شخصيات مثل ماو أو آية الله الخمينى - الذين شكلت أنشطتهم أهمية كبيرة. مساهمة، وإن كانت غير مباشرة، فى تشكيل صورة أوروبا فى القرن العشرين.
لقد سبب لى فرانكلين ديلانو روزفلت، الرجل الرائع والرئيس المهم بلا شك، تردداً أكبر من أى شيء آخر. إن الدور الذى لعبه روزفلت فى الحرب العالمية الثانية فى تاريخ أوروبا، وليس فقط أمريكا، لا يحتاج إلى تأكيد. ولكن إذا أضفت زعيماً واحداً غير أوروبي، فإن السؤال الواضح الذى سينشأ على الفور هو: لماذا نتوقف هنا؟ وكان ذلك يتطلب منى توسيع نطاق البحث ليشمل الساحات السياسية ودور الشخصيات الفردية فيها إلى ما هو أبعد من قارة أوروبا"
فى الوقت ذاته لا يهمل المؤلف سيرة زعماء القرن الحادى والعشرين فيعرج عليها بقوله: "إننا نعيش فى خضم اضطراب جيوسياسى عظيم. تشهد فيه نهاية الحرب الباردة مسيرة الديمقراطية الغربية السهلة مع صعود جيل من المستبدين والشعبويين. فقد كان فلاديمير بوتن وشى جين بينج يشكلان الطقس السياسي. وإلى جانبهما، كان الشعبويون من أمثال دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان وناريندرا مودى يتحدون الديمقراطية الليبرالية من الداخل.
إن التهديد الذى يشكله بوتن اليوم من خلال نزعته التعديلية المسلحة حقيقي. ولكن على مدى ما يقرب من أربعة عقود من الزمان عاش العالم على حافة الدمار النووى المتبادل المؤكد، فى حين كانت الديمقراطية تحارب الشمولية فى كل ركن من أركان العالم تقريبا. وكيرشاو محق: "فى حالته [جورباتشوف]، يمكننا أن نقول بشكل قاطع إن فردا واحدا غيّر التاريخ وإلى الأفضل".
المؤلف:
البروفيسور السير إيان كيرشو
من مواليد 29 أبريل 1943) هو مؤرخ بريطاني، اشتهر بالسير الذاتية التى كتبها عن أدولف هتلر.
ولد كيرشو فى أولدهام، إنجلترا. ركز تدريبه المبكر كمؤرخ على العصور الوسطى، عندما تحول إلى التاريخ الألمانى فى السبعينيات. عمل أستاذاً زائراً فى الأعوام 1983-1984 فى جامعة الرور فى بوخوم، وعمل فى الأعوام 1987-1989 أستاذاً للتاريخ الحديث فى جامعة نوتنجهام، ومنذ 1989 أستاذاً للتاريخ الحديث فى جامعة شيفيلد، حصل على وسام الفروسية فى عام 2002 من الملكة إليزابيث الثانية. اشتهر بكونه كاتب سيرة الزعيم النازى هتلر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.