span style="font-family:"Arial","sans-serif""جلست بجواري، ترتدي زيها المدرسي، تيشرت وردي وبنطلون كحلي، تضع علي ساقيها النحيفتين شنطة مدرسية غير محكمة القفل يطل منها عبوات حمراء وصفراء كرتونية تشبه تلك التي يوضع بها الأشعة والتحاليل الطبية، جسدها يعلن أنها في مراحل البلوغ الأولى، بملامح هادئة أو ربما هدوء المغلوب ، نصحتها بأن تضع الشنطة بجانبها، ولكنها زادت من تطويق الشنطة بزراعيها الدقيقتين، لا يحمل وجهها شقاوة الفتيات في ذلك السن. span style="font-family:"Arial","sans-serif""دلفنا سوياً إلي عربة المترو بقوة دفع الزحام، هرول ناحية الكرسي، سبقه شاب عشريني، نهره بعنف مبالغاً فيه، قائلاً أنا رجل عجوز، ألم تشاهد ساقي القصيرة، ثلاث عمليات بها، كانت تود أن تبتر رغماً عني، توسلتها ألا تفعل، كيف أسير بساق مبتورة. span style="font-family:"Arial","sans-serif""زعق فيه مرة آخري، تبسم الشاب وقام من جلسته المريحة، ربما كان يتمني أن يريح قدميه المتعبتين من جهد العمل، فعروق قدميه منتفخة ربما من مرض دوالي الساقين، ربما أيضاً يعمل في مكان ما واقفاً، قميصه به شعار دقيق، حاولت جاهداً أن أقرأ ما به، ولكن كيف لمن ضعف نظره أن يري بدون عدسة مكبرة، كانت معي في حقيبة يدي، أحرجت أن أخرجها . span style="font-family:"Arial","sans-serif""لم أستطع استعمال العدسة المكبرة بين زملائي في العمل إلا بعد عدة شهور بعدما تذمر بعض العملاء في مكتب البريد من كثرة الأخطاء كان لابد من استعمالها وليذهب الحرج للجحيم، قبل أن تذهب الوظيفة بالمعاش المبكر، أو أذهب إلي السجن، أصحاب المعاشات يغضبون حين يتركون بعض القروش المعدنية فما بالك إن حدث خطأ فادح لا قدر الله، نصحني زميل بعملية زرع عدسة في عيني اليمني قبل أن ينطفئ الضوء بها، ثم عاد وتمتم باهظة التكاليف، ربك كريم يا أستاذ "حفظي". span style="font-family:"Arial","sans-serif""وضع رجلاً متسخة علي رجل أشد وساخة حين أخرجها من حذاءه الممزق، هزها بعنف، أصابع قدمه تشرع في حركات لا إرادية ثم تتوقف فجأة، فعلها عدة مرات، يضغط علي أنفه العريض، يشد ذقنه الأبيض، يحاول جاهداً نتف شعره، تصرخ الشعرة في يده، يمضغ الهواء بفمه الضيق، يشد شعر رأسه المجعد والمتشابك، ربما لم يحلقه منذ سنوات ولم يغسله منذ فترة ليست بقليلة أيضاً. span style="font-family:"Arial","sans-serif""شد جاكته الأسود وقام مسرعاً، جلس بجواري، ضغط بجسده ناحيتي وفصل بيني وبين التلميذة ذوات العيون الواسعة، تحاشيت النظر إليه، تشاغلت بتليفوني عنه، نظر في شاشته، قال: ماذا تكتب؟ أسرعت بمسح رزاز فمه من علي يدي، ابتسمت ولم أرد، صرخ في وجهي، تكتب لذوات الأرداف والنهود الممتلئة، ثم انتابته ضحكات مجلجلة جذبت الجميع للنظر إليّ، عيونهم تسأل ماذا جري وما سبب الضحكات العالية تلك . span style="font-family:"Arial","sans-serif""سحبت تليفوني ووضعته في جيبي، أحسست بحرارة تسري في جسدي وغليان يعلو رأسي، كدت أنفجر فيه، قامت التلميذة والرجل العجوز متعجلين، ممسكة بيده قفزا خارجين من قطار المترو أثناء وقوفه في محطة العباسية.