فى عام 1956 رسمت رسمة من خيالى عن العدوان وتم تعليقها فى المدرسة، وذهبت بها إلى علي بك أمين فى أخبار اليوم، وطلب منى كتابة بعض الكلمات أسفلها، وفوجئت أنه أرسلها إلى مجلة آخر ساعة وتم نشرها بعد أيام فى باب يحمل عنوان «أنت ترسم ونحن ندفع»، وفوجئت بأنه أرسل شيكا باسمى على منزلى بمبلغ 5 جنيهات، وكنت فى قمة سعادتى وشعرت أنني نجم. كانت هذه كلمات من حوار أجريته مع الفنان والأستاذ الأكاديمى محمد حازم فتح الله عميد كلية الفنون الجميلة ونائب رئيس جامعة حلوان الأسبق، ورئيس لجنة الفنون والموسيقى بالمجلس الأعلى للجامعات السابق، وأحد علامات فن الجرافيك، والذى تمر ذكرى رحيله الثانية هذه الأيام حيث رحل فى 26 أكتوبر2022. اقرأ أيضًا | شباك التذاكر فقط غطَّى تكاليف مهرجان الموسيقى شارع محمد على ولد حازم فى 1 يناير عام 1944، ونشأ فى حى شبرا العريق، هذا الحى الذى يحمل الكثير من هويتنا المصرية.. وهذا ما شكل طفولته وأثقل موهبته من خلال ثقافته البصرية حيث اتجه مبكرًا للرسم، وكان متابعًا جيدًا للصحف والمجلات وخاصة مجلات الأطفال.. وتأثر خلال مشواره بالفنانين: الحسين فوزى، وعبد الله جوهر، وكمال أمين.. واستقى منهم كثيرًا من خبراته الأكاديمية والعلمية والفنية، وتعلم منهم أسرار الجماليات البصرية لمصر القديمة، وانعكس ذلك على مشروع تخرجه الذى كان فيه الأول على دفعته عام 1966.. حيث كان المشروع يتعلق بمصر الشعبية، وبالتحديد شارع الأفراح «شارع محمد على»، والذى كان أحد أسباب تعيينه معيدًا فى الكلية عام 1966، وحصل على الدكتوراه فى الجرافيك من مدينة أوربينو بإيطاليا عام 1980. وخلال مشواره الصحفى شارك حازم بالرسم والكتابة فى صحف ومجلات «أخبار اليوم، الأخبار، الجيل، آخر ساعة» وتم نشر رسومه بانتظام فى مجلات «روزاليوسف، صباح الخير، سمير، الهلال.. »، وحصل على جوائز عديدة أهمها جائزة الدولة التشجيعية فى الجرافيك 1986، ونوط الامتياز من الدرجة الأولى1991، ميدالية الجرافيك فى بينالى بورتا ريكاناتى بإيطاليا 1978. الصعود إلى القمر وعن سر الدور التاسع بأخبار اليوم يقول حازم: وأنا فى الصف الثالث الإعدادى قرأت «فكرة» التى يكتبها على أمين، وقد كتب فيها: «أن لكل واحد أمنية يأمل فى تحقيقها، فإذا كان لك أمنية أرسلها وسأساعدك فى تحقيقها، لكن لا تطلب الصعود إلى القمر، وإذا طلبت ذلك سأعطيك تصريحًا أما الرجوع فسيكون عليك!». وكتبت له: أمنيتى أن أقابلك أولًا، وأمنيتى الثانية أن أكون رسامًا وصحافيًا وأن أقابل رسامى أخبار اليوم العالميين «رخا وصاروخان وبيكار وكنعان»، ولن أطلب الصعود إلى القمر لكننى أطلب الصعود للدور التاسع بأخبار اليوم. وفوجئت بعد أسبوعين بفراش المدرسة يسلمنى خطابا، ولمحت شعار أخبار اليوم على الظرف، ففتحته لأجد خطابًا مكتوبًا على الآلة الكاتبة: الأستاذ- محمد حازم التلميذ بمدرسة أودة باشا الإعدادية، وصلنى خطابك ومستعد لمقابلتك الثلاثاء أو الجمعة الساعة 11 صباحًا، وموقع نهاية الخطاب «على أمين»، والحقيقة لم أصدق نفسى.. وبالفعل ذهبت وقضيت 45 دقيقة كاملة فى مكتب على أمين يتحدث معى ويشاهد أعمالى، وقال لى: اعتبر أخبار اليوم مدرستك وبيتك الثانى، وعندما ترسم أى رسمة عليك أن تحضرها إليَّ. خروج المتهمين من السجن رسم حازم لوحة مقاس 430x150سم بالألوان الزيتية على قماش عام 1999، بعنوان «خروج المتهمين من السجن»، وهى تجسيد لخروج الفلاحين المصريين المحتجزين بسجن المدينة فى شبين الكوم والمحكوم عليهم بالإعدام من قبل جيش الاحتلال ومن ثم نقلهم إلى مدينة دنشواى، وجسد حازم هذا المشهد متأثرًا بالحادثة الشهيرة التى وقعت 1906 بمحافظة المنوفية. رسم حازم مشهدًا مسرحيًا للواقعة، حيث اهتم بتجسيد الفلاحين لحظة الخروج من السجن، والموقع محاط بالأشجار والرقعة الزراعية، ويظهر على وجه الفلاحين الإجهاد والتعب دليلا على المعاناة والترقب، ويحيط بالمشهد عساكر الاحتلال أعلى خيولهم، فضلا عن اصطفاف مجموعة من الأهالى لرؤية ذويهم وزملائهم من المظلومين، ورغم اهتمامات فتح الله بأعمال الحفر والطبعة الفنية طوال مشواره، إلا أنه أظهر لنا موهبة خاصة فى فن الرسم بالألوان الزيتية، مستمدًا من مشروع تخرجه قدرته على توزيع مصادر الضوء والظل، وكذلك تجسيده للعديد من الشخوص فى تجانس رغم كثرتهم، مما يعكس خبراته المتتالية التى اكتسبها من خلال عمله بالصحافة.. رحم الله الأستاذ والقدوة حازم فتح الله.