تعد القاهرة القديمة بؤرة تجمع التاريخ والحضارة الإسلامية، حيث تمتد شوارعها وأزقتها لتروي قصص أجيال عاشت، عملت، وازدهرت بين جدرانها، من بين تلك الأزقة المفعمة بالتاريخ والمعاني، يبرز "زقاق المدق" و"حي النحاسين" كمعالم تراثية تجسد روح المدينة العريقة. يحمل كل شارع في طياته حكايات تنبعث من أصوات الأقدام المتوالية عبر السنين ورائحة الأعمال اليدوية التقليدية. a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4464985/1/%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B7%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7" title=" " شارع الصنادقية".. سوق الصناديق والعطور في القاهرة التاريخية | صور ""شارع الصنادقية".. سوق الصناديق والعطور في القاهرة التاريخية | صور في هذا التقرير، سنتناول تفاصيل تاريخية حول هذين المكانين وكيف استمرا في تشكيل ملامح القاهرة التراثية: * زقاق المدق: تاريخ، اسم، وأشهر سكانه 1- موقع الزقاق وأصل التسمية: يقع "زقاق المدق" في منطقة قريبة من شارع الصنادقية، وينسب اسمه إلى صوت "الدق" المتواصل، الذي كان يسمع في الزقاق نتيجة طحن حبوب العطارة يدوياً، في الماضي، لم تكن هناك آلات حديثة للطحن، ولذلك كانت حبوب العطارة تُدق باستخدام الأدوات التقليدية، كان هذا الدق يُسمع في كافة أرجاء الزقاق، مما أكسبه الاسم "المدق"، الذي يعكس طبيعة الأنشطة التي كانت تمارس فيه، كان الزقاق مركزاً رئيسياً لصناعة العطارة، حيث كانت الروائح الزكية تفوح منه لتصل إلى بر الشام ومناطق أخرى. 2- معالم بارزة في الزقاق: على مدخل الزقاق، كانت توجد لافتة قديمة مكتوبة بخط اليد تشير إلى اسمه، لكنها سُرقت في وقت لاحق، مما أثر في جزء من طابعه التراثي. يُعتبر "زقاق المدق" معلمًا ثقافيًا شهيرًا أيضاً بسبب ارتباطه برواية الأديب الكبير نجيب محفوظ، الذي سلط الضوء عليه في روايته الشهيرة "زقاق المدق"، هذه الرواية جسدت جوانب مختلفة من الحياة المصرية في ذلك الوقت، وأعيد تصويرها في فيلم سينمائي ناجح. 3- أشهر سكان وزوار الزقاق: على مر الزمن، عاش في زقاق المدق العديد من الشخصيات البارزة، ومن بين أشهر سكانه كان العطارون الذين اشتهروا بصناعتهم للعطور والبخور، وكان الزقاق مقصداً لزوار من مختلف الطبقات الاجتماعية الذين أتوا لشراء منتجات العطارة الفريدة. * حي النحاسين: مركز الصناعة اليدوية في قلب القاهرة 1- الموقع والتسمية: يقع حي النحاسين في منطقة الحسين، وهو من أشهر الأحياء الحرفية في القاهرة، يرجع سبب تسمية الحي إلى انتشار ورش تصنيع النحاس فيه منذ العصر الفاطمي، حيث كان الحرفيون يتخصصون في نقش وزخرفة النحاس لصناعة الأدوات المنزلية والتحف الفنية. 2- الحرف في حي النحاسين: كانت مهنة النحاسين إحدى أهم الصناعات التي ميزت الحي، حيث اشتهر الحرفيون بتصنيع الأواني النحاسية مثل قدور الفول، صواني الطعام، وأباريق المياه، بالإضافة إلى النجف والمستلزمات المستخدمة في المساجد والمقاهي، كانت هذه المنتجات النحاسية تُعتبر قطعاً فنية، وتجد طريقها إلى القصور ودور العبادة، مع مرور الوقت، وتغير الأحوال الاقتصادية، بدأ استخدام الألومنيوم بديلاً عن النحاس، مما أدى إلى تراجع هذه الصناعة اليدوية. 3- مهنة مبيض النحاس: كان مبيض النحاس يمثل جزءاً أساسياً من حي النحاسين، حيث كانت مهمته طلاء أواني النحاس بطبقة رقيقة من القصدير لحمايتها من التفاعل مع الهواء ومنع تكون الزرنيخ السام، هذه المهنة كانت تتطلب مهارات خاصة، وكان المبيض يستخدم قدميه في عملية الطلاء؛ لكن مع قلة الطلب على الأواني النحاسية، اختفت مهنة مبيض النحاس تدريجياً، ولكن لا يزال هناك شارع يحمل اسم "حارة المبيضة" تخليداً لهذه الحرفة القديمة. 4- التغييرات التي طرأت على حي النحاسين: بمرور الزمن، تم تغيير اسم "حي النحاسين" إلى "شارع أمير الجيوش" بناءً على تغييرات إدارية، لكن الشارع لا يزال يحتفظ بروحه الحرفية القديمة رغم التحولات التي مر بها. * الزقاق والشارع بين الماضي والحاضر تظل القاهرة القديمة، بأزقتها وحيها العريق، رمزاً للحضارة والتراث، حيث تنبعث منها رائحة الماضي وعبقه في كل زاوية، بين "زقاق المدق" و"حي النحاسين"، نجد أن لكل شارع حكاية وأسطورة خاصة به، تحمل ملامح العراقة والأصالة التي شكلت جزءاً من الهوية المصرية. ستظل هذه الأماكن جزءًا لا يتجزأ من تاريخ القاهرة وثقافتها، محطات زاخرة بالحياة والقصص التي تستحق أن تُروى للأجيال القادمة. * المصادر التي يعتمد عليها الزائرون لتاريخ الحرف والشوارع عند زيارة زقاق المدق أو حي النحاسين، يجد الزائرون أنفسهم في مواجهة التاريخ بشكل مباشر، من خلال معالم الزقاق الأثرية إلى الحرف اليدوية التي لم تندثر بالكامل، يمكن للزوار الاطلاع على بقايا الورش التقليدية في حي النحاسين، وزيارة مواقع التصوير التي استخدمت لتحويل رواية "زقاق المدق" إلى فيلم سينمائي، يمكن أيضاً استكشاف كتب التاريخ، مثل مؤلفات نجيب محفوظ، لفهم أعمق للحياة التي عاشها سكان هذه الأزقة. * توصيات لمحبي التراث: إذا كنت من محبي التراث، يُنصح بزيارة هذين المعلمين لاستكشاف التفاصيل الدقيقة التي تحكي قصة الحرف القديمة، يمكن للزائرين كذلك شراء التحف اليدوية أو العطور التي لا تزال تُصنع باستخدام الأساليب التقليدية، كذكريات فريدة من نوعها تعكس روح القاهرة القديمة. يبقى زقاق المدق وحي النحاسين شاهدين على عبقرية الحرفيين المصريين وتاريخهم الحافل بالإنجازات، وسيظل لكل زقاق في القاهرة قصة تستحق السرد والتوثيق. تاريخ الزقاق يقول محسن السويدي، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة: زقاق المدق مكان عريق ولذلك كتب عنه الكثير في الروايات وكان في الماضي إسطبلًا للخيول، ويصفه نجيب محفوظ بأنه تحفة من العهود الغابرة، وبالرغم من زوال الكثير من معالمه، إلا أنك تشعر عندما تدخله بشعور غريب، حيث يهجم عليك عبق الماضي وتشعر وكأن قرون الماضي تعانقك بترحاب شديد وبدفء أکبر وكأن السنين تخلت عن صلابتها واستبشرت بك ضيفًا عزيزًا عليها. فتوجد قهوة الحاج علي يوسف التي أخذ منها الزمان أکثر مما أضاف إليها، وقد استخرج صاحبها ترخيصًا بإقامتها عام 1901، وكانت أول قهوة في القاهرة حيث كانت ملتقى لأهل الزقاق وقد تبدل حالها الآن وقل مريدوها بعد أن هجر الأهالي الزقاق للإقامة في مناطق أخرى، ولم يبق به سوي ثلاثة بيوت فقط، فأصبحت القهوة تغلق أبوابها مبكرًا بعد أن كانت تسهر لساعات طويلة ليلًا وكان مريدوها يستمعون للروايات الشعبية، ثم أدخل المسؤولون عنها بعد ذلك الراديو ثم التليفزيون ومن بعده الفيديو، ويفكرون الآن في إدخال الدش حتى لا يتوقفوا ويستمرون في السير مع الزمان. ويضيف السويدي: بالطبع هناك اختلافات كثيرة بين واقعية زقاق المدق وما صوره محفوظ في روايته، ومثال ذلك ما جاء من بعض الأحداث في رواية نجيب محفوظ مثل صالون الحلاقة، فلم يكن هناك صالون بل حلاق يمر على الزبائن كل يوم. كما لم يكن لوكالة سليم علوان وجود، فالوكالات الكبرى كانت منتشرة في الصنادقية، ويوجد الآن داخل الزقاق نادي للفيديو ومصانع الملابس والجلود، وعندما تدخل الزقاق لا بد أن تصعد السلالم التي حلت محل الدحرورة، وبالزقاق توجد 3 بيوت مليئة بالسكان وهي ليست شققًا بالمعنى العصري، ولكنها غرف منفصلة مليئة بأحدث الأدوات الكهربائية، ولم يعد ينقصها سوى "الدش" لتكتمل الصورة العصرية. ويقول د. علاء الأسيوطي، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة: زقاق المدق الآن تغيرت معالمه وتغيرت صورته تمامًا، ولم تعد الصورة التي رسمها نجيب محفوظ لها وجود الآن؛ فقد هجر الأهالي معظم بيوتهم وتحولت المساكن إلى محال تجارية ومخازن لا تفتح إلا نادرًا وبيوتنا أصبحت مصدعة ومهددة بالانهيار علينا في أي وقت، ويضم الزقاق الآن مصنعًا حل محل المكوجي الذي رسم صورته نجيب محفوظ في روايته، ويعمل بهذا المصنع لفيف من الفتيات أکثر جرأة وحرية وقدرة على الاختلاط بالمجتمع ومواجهته بل وتحديه إذا لزم الأمر، فهن لم يعدن مثل حميدة التي ظهرت في رواية نجيب محفوظ وكأنها قادمة من عالم آخر عندما خرجت من الزقاق؛ فهن الآن يعرفن کل شيء ويتحدثن في کل شيء وكأنهن يقلن نحن ننتقم لك يا حميدة ومن ظلم الزمان لك. تغير الملامح ويضيف د. علاء: تغيرت ملامح كثيرة للزقاق وتحولت مبان كثيرة إلى مصانع ومحلات، ويقال إن تسميته جاءت من وجود الدقاقين الذين كانوا يقومون بطحن العطارة بالهون النحاس والحجارة، وسكان الزقاق الآن لا يعرفون سبب هذه التسمية الحقيقية، إلا أنه يعود إلى العصر المملوكي، لكنه أصبح الآن واحدًا من آثار القاهرة التي يجب الحفاظ على ملامحها الأساسية حتى تحتفظ بخصوصيتها وعبقها التاريخي مهما تبدل الزمان وتقدم، ولكن المشكلة أن المكان أصابه الهزال وبعض البيوت القديمة انهارت، بل تحولت تلك البيوت إلى مخازن للتجار. وأعتقد أننا في حاجة إلى القيام بحملة كبيرة للعناية بحي زقاق المدق والأحياء الأخرى، مثل: السكرية وخان الخليلي ومنطقة الأزهر والحسين؛ إذ يجب أن تقوم الدولة بتجديد تلك المباني أو ترميمها حتى تظل رمزًا للتاريخ القديم، وليس من المعقول أن تتحول البيوت إلى مخازن للتجار ويهجرها الأهالي ويشتري التجار تلك البيوت لتصبح مجرد مخازن فقط.