نقضي ساعات طويلة مع شبكة الإنترنت، نمسك بالهواتف المحمولة ونحملق فيها طويلًا وننفصل عن كل ما حولنا ويسرقنا الوقت، كيف لهذه التجربة أن تؤثر على عقولنا؟ طريقة تفكيرنا؟ علاقاتنا الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء والمعارف؟ كل هذه الأسئلة وأكثر يحاول كتاب (السطحيون: ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا)، للمؤلف الأمريكي نيكولاس كار، الإجابة عنها. صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب مؤخرا عن دار النشر السعودية، وبترجمة البحرينية وفاء محمد يوسف. وهو كتاب جدير بالقراءة لأنه يخبرنا عن تحولات تمر بنا وبأدمغتنا دون أن ندري، كما يعين الكتاب كل أب وأم لديهما أبناء على التحكم في استخدام الإنترنت حفاظًا على الصحة العقلية لأبنائهم. ◄ ظاهرة عامة المؤلف ينطلق في الكتاب من التجربة الذاتية، إذ يحكي تعرضه للتشتت وعدم القدرة على الاستمرار في قراءة الكتاب الواحد لفترة طويلة، وهو أمر يشاركه فيه العديد من أصدقائه ومعارفه، ما أكد له أن الأمر لا يخصه فقط ولا يعبر عن حالة مرضية تعنيه حصرًا، بل ظاهرة عامة، يرجع ذلك عبر أدلة موثقة وحجج منطقية وعلمية إلى الإنترنت الذي أفقدنا القدرة على التركيز وأصابنا بضعف الذاكرة وتشتت التفكير، أمام سيل من المعلومات التي أجبرت عقولنا على تغيير طريقة تفكيرها، عبر تلقي سيل هائل من البيانات التي تضرب القشرة المخية وتغيرها، يشبه المؤلف هذه الحالة بين من يغوص في أعماق البحر وبين من ينتقل بسرعة كبيرة على سطح البحر وهو يقود دراجة مائية. يقول مؤلف الكتاب: «خلال يوم واحد، يقضي غالبيتنا ممن يمتلكون اتصالاً بالشبكة ساعتين على الأقل- أو أكثر من ذلك بكثير في بعض الأحيان- على الإنترنت، وفي أثناء هذه المدة نميل إلى تكرار الأفعال نفسها أو المشابهة لها مرة بعد مرة، عادة بمعدل عالٍ من السرعة، وغالباً كاستجابة لإشارات ترسلها شاشة ما أو مكبر صوت ما. وتكون بعض هذه الأفعال حركية. فنضغط على المفاتيح في لوحة المفاتيح الخاصة بحاسوبنا الشخصي. ونسحب الفأرة، وننقر زرّيها الأيمن والأيسر، وندير عجلة التمرير المتصلة بها. ونمرر أناملنا على لوحة اللمس. ونستخدم إبهامينا للكتابة باستخدام لوحة المفاتيح الحقيقية أو الافتراضية على الأجهزة». ◄ إرسال إشارات يتابع: «بينما نقوم بهذه الأفعال، يرسل الإنترنت سيلاً ثابتاً من المعلومات إلى القشرة المخية البصرية، والجسدية الحسية، والسمعية الخاصة بنا. فهنالك الأحاسيس التي تأتي عبر أيادينا وأصابعنا بينما ننقر ونمرر ونطبع ونلمس. وهنالك الإشارات السمعية الكثيرة التي ترسلها آذاننا، مثل التنبيه الجرسي الذي يعلن وصول رسالة إلكترونية جديدة أو رسالة فورية، ونغمات الرنين العديدة التي تستخدمها هواتفنا المحمولة لتنبيهنا لمختلف الأحداث. وطبعاً، هنالك الإشارات البصرية التي لا تعد ولا تحصى، والتي تلتمع على شبكياتنا بينما نتنقل عبر العالم الإلكتروني: ليس فقط تشكيلة النصوص والصور المتغيرة إلى ما لا حد، بل أيضاً الروابط التشعبية المميزة بالخط تحتها أو لونها المغاير، ومؤشرات الفأرة ذات الأشكال المختلفة باختلاف وظائفها، وعناوين الرسائل الإلكترونية بالخط العريض، والأزرار الافتراضية التي تومض لننقر عليها، والأيقونات، وغيرها من عناصر الشاشة التي تتوسل لكي تُسحب أو توضع في مكان ما، والاستمارات التي تستلزم تعبئتها، والإعلانات ذات الظهور المفاجئ، والنوافذ التي ينبغي إما قراءتها أو تجاهلها. وتشرك الشبكة كافة حواسنا -باستثناء حاستي الشم والتذوق إلى الآن- وتقوم بذلك في آن واحد». ◄ الإنترنت والسطحيون يحذر كار من أن عالم الإنترنت أنتج ظاهرة السطحيين، عبر التشجيع على التفكير السطحي والوعي المعرفي الزائف، عبر تلقي كميات مهولة من المعلومات عبر جوجل وفيسبوك وتويتر والواتساب ويوتيوب وغيرها من محركات البحث والمواقع، الأمر الذي أصاب العقل البشري بالشلل، بعدما أصاب النشاط الدماغي بالكسل، فلم يعد يعمل بطريقة تحليلية بقدر ما أصبح جهاز تلقي لسيل المعلومات وإعادة بثها دون تمحيص ونقد بسبب العجز عن مواكبة الكم الهائل من المنشورات المندفعة كالسيل المنهمر بلا قدرة على الفرز والفحص، ليحاول المؤلف الإجابة عن سؤال مركزي في الكتاب حول فوائد الإنترنت التي لا شك فيها، ولكن هل أخذنا المساوئ في عين الاعتبار؟ هل أعطينا القدر الكافي من البحث والاهتمام بأخطار التشتت التي يحملها عالم الإنترنت للعقل البشري؟ وما هو القدر الذي غير فيه الإنترنت سلوك العقل البشري؟ وماذا عن تأثير ذلك في المستقبل البشري؟ ◄ جائزة بوليتزر ووصل كتاب (السطحيون) إلى القائمة النهائية لجائزة البوليتزر عام 2011، كما أثار منذ صدوره ضجة إعلامية كبيرة، ويقول الناشر في التعريف بالكتاب «تناول المخاطر المحدقة بالإنسان في ظل الإنترنت والمجتمعات الرقمية التي أبعدت العالم عن واقعه المادي الملموس وزجت به داخل عالم رقمي مسيج بالأوهام والأمراض والاستلاب الذي يتمظهر في استعمالاتنا اليومية لشبكة الإنترنت. كما يعاين التطور الكبير الذي شهده العالم بفضل الحوسبة وآثار ذلك على الصحة العقلية للإنسان.. يمثل هذا الكتاب نقطة تحول في مسارات البحث الأكاديمية التي تتناول المجتمع الرقمي بشكل عام وشبكة الإنترنت بشكل خاص».