الإيه آى (AI) يساعد فى الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة لكن له بصمة كربونية ومخاطر بيئية لذلك لابد من (AI الأخضر). أطلق الذكاء الاصطناعى آمالًا عريضة وطموحة بشأن إمكانية الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة والتنمية الخضراء، حيث يمكن أن يساعد فى الحد من آثار أزمة المناخ، من خلال تصميم الشبكات الذكية فى نقل المواد الغذائية والغاز والمنتجات البترولية، وتطوير البنية التحتية منخفضة الانبعاثات، واحتجاز ثانى أكسيد الكربون وتخزينه، ونمذجة تنبؤات تغير المناخ، واستخدام الذكاء الاصطناعى لغربلة كميات هائلة من البيانات، مثل صور الأقمار الاصطناعية وأنماط الطقس، لتحديد الاتجاهات والأنماط، ومن ثم تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لإدارة الموارد والحدّ من التأثير البيئى السلبى. من ناحية ثانية تستخدم شركات عديدة أدوات الذكاء الاصطناعى لتحديد واستعادة المواد القابلة للتدوير بالاعتماد على الروبوتات. لكن الذكاء الاصطناعى يعتبر فى حد ذاته مصدرًا كبيرًا لتدمير البيئة!! لأن له بصمة كربونية كبيرة بسبب الاستخدام المتزايد للطاقة، وخاصة فى عمليات التدريب والاستخدام. من هنا يطالب كثير من الباحثين بالحد من البصمة الكربونية لنماذج الذكاء الاصطناعى، وتوقعت دراسة شهيرة أنه بحلول عام 2027، يمكن أن تزيد تكاليف الطاقة للذكاء الاصطناعى إلى 85-134 تيراواط ساعة، أى ما يقرب من 0.5٪ من إجمالى استخدام الطاقة الحالى. وقد يستخدم تدريب نموذج واحد للتعلم العميق ما يصل إلى نفس البصمة الكربونية لانبعاثات عمر 5 سيارات. أكثر من ذلك قام باحثون فى جامعة ماساتشوستس عام 2019 بتحليل نماذج مختلفة لتدريب معالجة اللغة الطبيعية (NLP) المتاحة عبر الإنترنت، وقدر الباحثون أن البصمة الكربونية لتدريب نموذج لغوى كبير واحد تساوى حوالى 300 ألف كيلوجرام من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وهو يعادل حوالى 125 رحلة ذهابًا وإيابًا بين نيويورك وبكين!! ولك عزيزى القارئ أن تتصور كم الطاقة التى يمكن أن تستخدمها شركات التكنولوجيا الكبرى للذكاء الاصطناعى. ويمكن أن يساهم هذا فى انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحرارى العالمى إذا تم توليد الكهرباء من الوقود الأحفورى. كما تولد الأجهزة المستخدمة فى الذكاء الاصطناعى، مثل أجهزة الكمبيوتر والخوادم والهواتف الذكية نفايات إليكترونية كبيرة عندما تصل إلى نهاية عمرها الافتراضى، وغالبًا ما تحتوى هذه النفايات على مواد خطرة يمكن أن تلوث البيئة. من ناحية أخرى فإن استخدام الذكاء الاصطناعى لتخصيص التسويق قد يؤدى إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكى، ما يساهم فى استنزاف الموارد وتوليد النفايات. كذلك فإن استخدام الذكاء الاصطناعى لأتمتة الممارسات الزراعية، مثل استخدام المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، يمكن أن يكون لهذا تأثيرات سلبية على النظم البيئية والتنوع البيولوجى. لذلك شهد العام الماضى مطالبات عديدة لأصحاب شركات الذكاء الاصطناعى للاعتراف بدورهم فى أزمة المناخ، والإفصاح عن كميات الطاقة التى تستخدمها، كما نظم موظفو أمازون وجوجل ومايكروسوفت وفيسبوك وتويتر وغيرها، مسيرة تطالب الشركات بالإعلام عن وعد بخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2030، وعدم إبرام عقود مع شركات الوقود الأحفورى، والتوقف عن تمويل الحملات الانتخابية للسياسيين الذين ينكرون حقيقة تغير المناخ (ترامب واحد منهم). ومع ذلك فى عام 2024، فشلت جوجل فى تحقيق أهداف رئيسية من خطتها للصفر الصافى نتيجة لعملها مع الذكاء الاصطناعى، وحققت زيادة بنسبة 48٪ فى انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحرارى العالمى بسبب توسعها فى الذكاء الاصطناعى. وشهدت مايكروسوفت وميتا زيادات مماثلة فى بصمتهما الكربونية. فى هذا السياق ظهرت أفكار ومفاهيم جديدة تحاول الحد من البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعى مثل «الذكاء الاصطناعى المسئول»، و»الذكاء الاصطناعى الأخلاقى»، و»الذكاء الاصطناعى المستدام»، و»الذكاء الاصطناعى الأخضر» وتسعى كلها إلى ضمان الاستخدام الأخلاقى والشفاف لتطبيقات الذكاء الاصطناعى بطريقة تتفق مع توقعات المستخدمين والقيم التنظيمية والحفاظ على البيئة والقوانين والأعراف المجتمعية. وأعتقد أنه لا بديل من أن تصبح الاستدامة البيئية أحد المبادئ الأساسية نحو التطوير والتطبيق المسئول للذكاء الاصطناعى لأنه ليس مجرد أداة فحسب، بل إنه مستهلك أيضا للموارد، وبكلمات بسيطة يقصد بالذكاء الاصطناعى الأخضر الممارسات التى تهدف إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعى للتخفيف من التأثير الذى يخلفه البشر على البيئة الطبيعية من حيث الموارد الطبيعية المستخدمة، علاوة على التخفيف من التأثير الذى يمكن أن يخلفه الذكاء الاصطناعى نفسه على البيئة الطبيعية. وأخيرًا، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعى الأخضر قابلًا للتنفيذ لجميع أصحاب المصلحة المعنيين فى صناعات الذكاء الاصطناعى، بدلًا من أن يكون مفهومًا نظريًا مجردًا.. وهذا هو التحدى الأكبر.