في سنة 1970م، قدم فؤاد المهندس فيلمه الشهير "سفاح النساء"؛ يحكي الفيلم عن محسن الصحفي في مجلة الجريمة والعقاب؛ الذي يكلفه رئيس التحرير بعمل تحقيق صحفي يرفع من توزيع المجلة؛ لكن محسن هداه تفكيره الشيطاني لخطة انتحال شخصية السفاح الذي يقتل النساء ، والذي كان يرتكب جرائمه دون أن يكشفه أحد، لينتهي المطاف بمحسن في السجن وتعريض حياته وحياة خطيبته للخطر.. مين يصدق أنه بعد هذه السنين الطويلة يسير بعض الأشخاص على نفس نهج فؤاد المهندس، ويحولون التمثيل لواقع، ويفعلون أشياء أكثر خطورة لمجرد البحث وراء التريند والشهرة. كل يوم "تريند" جديد، وبعيدا عن أهمية موضوعه أو تفاهته ، إلا أنه يصبح الشغل الشاغل للجميع، ومثلما يظهر وينتشر في ظروف غامضة، يختفي أيضا في ظروف غامضة ويبدأ عشاق التريندات في البحث عن تريند آخر، وبعد ما كانت الصحافة هي المصدر الرئيسي للمعلومة، أصبحت السوشيال ميديا مصدرا لها، دون تحري الصدق، أو مراعاة الدقة حتى أن هناك مواقع إخبارية أصبحت تأخذ معلوماتها مما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفقدت الصحافة هيبتها. أصبحنا يوميا نستيقظ ونحن منتظرين التريند الجديد، وللأسف الهوس بالتريند أصبح مسيطرا على الكثيرين؛ في البداية كانت مجرد أفعال غريبة وغير منطقية، الغرض منها جذب الانتباه، لكن في الفترة الأخيرة تحولت لجرائم ومخالفات قانونية مثل عريس الدقهلية، الذي فكر وخطط واتفق مع اثنين من أصدقائه على خطفه في ليلة فرحه، وبعد إثارته الجدل وتصدره للتريند اتضح أنه مجرد فيلم ليصبح تريند وأكثر شهرة ويجذب ملايين المشاهدات على قناته الخاصة على اليوتيوب ويحصل على الدولارت، لينتهي به الحال بالقبض عليه ومن عاونه. وخلال الساعات الماضية استيقظنا على تريند جديد، صاحبه تُربي البساتين الذي ظهر فجأة وادعى عثوره على أعمال وسحر داخل حوش مقابر عائلة الكابتن مجدي عبدالغني، تلك الأعمال خاصة بلاعب نادي الأهلي السابق كابتن مؤمن زكريا، بوجود صورته وعليها طلاسم وكلمة مرض، لينتشر الخبر بصورة رهيبة أسرع من البرق، ويربط الآلاف بين تلك الأعمال والمرض النادر الذي يعاني منه مؤمن زكريا منذ سنوات، مرض الضمور الجانبي والذي يصيب شخصا من كل 2 مليون شخص، ليتضح بعد ذلك أن ما حدث مجرد لعبة من التربي، اتفق مع زوجته ونجله وآخرين على اختلاق الواقعة؛ بغرض التريند ونجحوا في تحقيق هدفهم وحقق الفيديو الذي صوره ملايين المشاهدات، لكن وجدوا نفسهم تحت طائلة القانون، وناهيك عن جريمتهم التي فعلوها في حق أنفسهم فهو دمروا شخصا كان يحاول أن يتأقلم مع مرضه، مؤمن زكريا الذي من المؤكد أنه بعد اختلاق التربي لتلك الواقعة تعرض لضرر نفسي بالغ سيؤثر على رحلته العلاجية. الغريب أن تلك الوقائع تنتشر بشكل كبير وتستحوذ على اهتمام الكل، في حين أن هناك قضايا وموضوعات على درجة عالية من الأهمية ولا تجد نفس صدى الموضوعات التافهة أو الكاذبة، وكأن المشاهد أو المتلقى صار يبحث عن الإثارة أو الأشياء التافهة فقط لا غير. والسؤال هنا، ما الذي يدفع إنسانا عاقلا ومتزنا نفسيا للتفكير في مثل تلك الأمور لمجرد التريند وفي لحظة يضيع مستقبله!.. هؤلاء الأشخاص الذين يسعون لعمل أي شيء لمجرد التريند يعانون من خلل نفسي، الموضوع خرج عن السيطرة ولابد من وضع حل لتلك المهازل وفرض عقوبات صارمة حتى يكونوا عبرة لغيرهم من مجانين التريند.