شهدت فرنسا موجة من الاحتجاجات الغاضبة في أعقاب قرار الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين ميشيل برنييه رئيساً للوزراء، في خطوة اعتبرها المعارضون تجاهلاً صارخاً لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وقد خرج الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لهذا القرار، متهمين ماكرون ب"سرقة الانتخابات" و"إنكار الديمقراطية". خلفية الأزمة وفقاً لما ذكرته صحيفة لوموند الفرنسية، فإن خلفية الأزمة الحالية تعود إلى نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت قبل شهرين. هذه الانتخابات أسفرت عن برلمان معلق، حيث انقسمت المقاعد بشكل متقارب بين ثلاثة كتل رئيسية، في المقدمة جاءت الجبهة الشعبية الجديد، وهي تحالف يساري قوي، تلاها كتلة الوسط التي تضم حزب النهضة بقيادة ماكرون وبعض أحزاب يمين الوسط، وأخيراً حل التجمع الوطني الذي يمثل أقصى اليمين. اقرأ أيضًا: مظاهرات تملأ الشوارع الفرنسية انتقادًا لسياسات ماكرون وتطالب بعزله هذا التوزيع غير المسبوق للمقاعد خلق حالة من الجمود السياسي، حيث لم تتمكن أي من هذه الكتل من الحصول على الأغلبية المطلقة اللازمة لتشكيل الحكومة، وقد استمرت هذه الأزمة لمدة شهرين، مما دفع ماكرون في النهاية إلى اتخاذ قراره المثير للجدل بتعيين برنييه، وهو ما اعتبره كثيرون تجاوزاً لإرادة الناخبين وتجاهلاً لنتائج الانتخابات. رجل المهام الصعبة في مواجهة معارضة شرسة اختار ماكرون ميشيل برنييه ذو ال73 عاماً، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف البريكست، لقيادة الحكومة الجديدة. وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن برنييه، العضو في حزب الجمهوريين اليميني، يواجه وضعاً سياسياً هشاً، حيث حصل حزبه على أقل من 50 مقعداً في الجمعية الوطنية. وفي أول تصريحات له، أكد برنييه استعداده لتشكيل حكومة تضم ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك اليسار. وقال: "لا أريد الدخول في مواجهة، وآمل أن أتمكن من تشكيل حكومة تأخذ في الاعتبار جميع وجهات النظر". الشارع الفرنسي يغلي نقلت صحيفة الجارديان البريطانية مشاهد الاحتجاجات الحاشدة التي عمت الشوارع الفرنسية يوم السبت. وقد دعت حركة "فرنسا الأبية"، الفصيل الأبرز في تحالف اليسار، إلى تنظيم مظاهرات في 150 مدينة وبلدة في جميع أنحاء فرنسا. وفي خطاب ناري أمام المتظاهرين في باريس، قال جان-لوك ميلينشون، زعيم حركة فرنسا الأبية: "الديمقراطية ليست فقط فن قبول الفوز، بل هي أيضاً التواضع لقبول الهزيمة"، مضيفا موجهاً حديثه للمحتجين: "أدعوكم لما سيكون معركة طويلة". انقسام سياسي حاد كشفت الجارديان عن موقف مثير للاهتمام لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، إذ صرح جوردان بارديلا، زعيم الحزب، قائلاً: "برنييه هو رئيس وزراء تحت المراقبة، لا يمكن فعل أي شيء بدوننا"، ما يضع اليمين المتطرف في موقع "صانع الملوك" في المشهد السياسي الفرنسي الراهن. في المقابل، انتقد أوليفييه فور، الأمين الأول للحزب الاشتراكي، قرار ماكرون قائلاً إنه وضع نفسه "تحت سيطرة اليمين المتطرف". الرأي العام منقسم كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إيلاب" يوم الجمعة، وفقاً لما نقلته صحيفة الجارديان، عن انقسام عميق في الرأي العام الفرنسي حول قرار ماكرون وتداعياته، إذ أظهرت النتائج أن غالبية كبيرة من الفرنسيين، تصل إلى 74%، يعتقدون أن الرئيس ماكرون قد تجاهل بشكل صارخ نتيجة الانتخابات الأخيرة، بل إن أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم، وتحديداً 55%، ذهبوا إلى حد اتهام ماكرون ب"سرقة الانتخابات". اقرأ أيضًا: الرئيس الفرنسي يطلق مشاورات مع الكتل السياسية سعيا لتشكيل «حكومة» هذه الأرقام تعكس حجم الغضب والإحباط الذي يشعر به قطاع كبير من الشعب الفرنسي تجاه ما يرونه تجاوزاً للعملية الديمقراطية. ومع ذلك، فإن الصورة ليست قاتمة تماماً بالنسبة لبرنييه، إذ أشار الاستطلاع إلى أن 40% من الفرنسيين يعتبرونه خياراً جيداً لمنصب رئيس الوزراء.