لا تزال قضية الشاب «كريم.س» المعروف إعلاميًا ب«سفاح التجمع» تتصدر المشهد رغم إحالة أوراق القضية إلى المفتي لإبداء الرأى فى إعدامه، فتفاصيل القضية صادمة ومثيرة للرعب والجدل، فالقاتل كان يختار ضحاياه بعناية ويعذبهن بسادية وتلذذ ويجبرهن على تناول مخدر «الآيس» فى غرفة معزولة الصوت، ولم يكتفِ بذلك بل كان يعاشر جثامينهن جنسيًا بعد قتلهن، وهى الحالة المعروفة فى الطب النفسي بمرض «النيكروفيليا»، وهو ما استند إليه محامى السفاح فى دفوعه. وكثير من خبراء القانون ومنهم محامى إحدى الضحايا أكد أن ذلك الادعاء مجرد حيلة للتنصل من الجرائم وتخفيف العقوبة، فهل يعد المرض النفسي بوابة للهروب من الأحكام؟ وما أبرز تلك الأمراض التى ربما تأخذها عين العدالة على محمل الجد؟ ◄ الاضطرابات النفسية قد تزيد من عقوبة المتهم أما المرض فيخففها ◄ 45 يوما مدة إيداع المتهم المصحات النفسية قبل الحكم عليه ■ سفاح التجمع مع أصدقائه تتعدد الاضطرابات النفسية لكن يظل أكثرها انحرافا وإثارة للاشمئزاز ما أفصحت عنه تحقيقات النيابة فى قضية «سفاح التجمع»، وما أدلى به من اعترافات، فضلًا عن تفريغ مقاطع الفيديو على هاتفه المحمول واللاب توب الخاص به، إذ كان يتلذذ بتعذيب ضحاياه ويعاشرهن جنسيًا بعد إزهاق أرواحهن بدم بارد وهو ما يعرف ب«النيكروفيليا». ◄ 3 أنواع الغريب أنه كان يجد لذة واستمتاعًا أثناء قيامه بذلك، وبالطبع يدخل هذا الاضطراب النفسى تحت بند الانحرافات الجنسية التى تمتلئ كتب التاريخ وسجلات محاكم دول العالم بأشخاص ارتكبوها، ومنهم قتلة متسلسون أيضًا، بل إن الفراعنة كانوا يسارعون إلى تحنيط جثامين النساء المتوفيات لحمايتهن من اغتصاب ما بعد الموت، طبقًا لما جاء فى كتاب «تاريخ هيرودتس» للمؤرخ الإغريقي هيردوت. وفيما يتعلق ب«النيكروفيليا» وماهيته، يقول الطبيب النفسى، الدكتور أحمد غريب: ينقسم مصابو هذا المرض لثلاث فئات، وهم أشخاص يقومون بقتل ضحاياهم بدموية شديدة بغرض ممارسة الجنس معهن ويسمتعون بالقتل والجنس معًا وأغلبهم له تاريخ فى ذلك، أما الفئة الثانية فتبحث عن جثث ميتة بالفعل سواء بنبش القبور أو فى المشارح، وهناك واقعة لأحد حراس المقابر بمنطقة حلوان كان يتلذذ بمعاشرة جثامين النساء بعد موتهن ثم يحرقها بعد ذلك، والفئة الثالثة كانت لا تتعدى حدود الخيال فقط ولا يقومون أبدا بتنفيذها، مشيرًا إلى أن أعمار هؤلاء المضطربين تتراوح بين العشرين والخمسين عامًا. وعن دوافع المرض يقول: تختلف الدوافع من فرد لآخر، لكنّ أبرزها البحث عن شريك غير مقاوم لا يعبِّر عن رفضه أو الاشمئزاز، وغالبًا ما يكون لدى المضطرب عقدة الرفض منذ طفولته، وهناك دافع آخر ينتج بسبب تدنى الشعور بالذات فيحاول فرض سيطرته على الجثة، فضلًا عن بعض الاضطرابات العقلية الأخرى كالذُهان، لكنها لا تمثل سوى نسبة قليلة، وهذا يؤكد أن مرتكب هذا الفعل عادة ما تكون لديه قدرة على التفرقة بين ما هو حقيقى وغير حقيقى. وحول كيفية العلاج، يرى غريب أنه يبدأ من علاج الأسباب المرتبطة بالمرض علاجًا سلوكيًا، ومن ثم تعديل أشكال التفكير الخاطئة لدى المريض. ◄ اقرأ أيضًا | أحكام الأسبوع الماضي| إحالة أوراق سفاح التجمع للمفتي وحبس عصام صاصا ◄ اضطراب أم مرض؟ كثيرون لا يدركون الفارق بين المرض النفسى واضطراب الشخصية، وهذا ما يجعل بينهما خلطًا كبيرًا، خاصة فى حالات ارتكاب جرائم جنائية، فالأمراض النفسية شديدة الخطورة قد تخفف من عقوبة المجرم وينتهى به الحال فى واحدة من مصحات العلاج النفسي أو الأمراض العقلية، على عكس الاضطرابات النفسية التى قد تزيد من العقوبة وتشددها. ◄ الفروق ! وحول الفرق بين المرض والاضطراب النفسى، يقول استشارى الطب النفسى، الدكتور جمال فرويز: إن المرض النفسى حالة طبية لها دلائل وأعراض محددة، ويتم علاجها باستخدام الأدوية الطبية أو العلاج النفسى أو كليهما، على عكس الاضطراب النفسي الذى هو نمط غير طبيعى من الأفكار والمشاعر تؤثر فى الأداء والعلاقات، لكن يمكن علاجها بسهولة، ومؤخرًا بات الذين يعانون تلك الاضطرابات يلجأون إلى المخدرات كهروب مؤقت مما يؤدى بهم إلى ارتكاب جرائم مختلفة. أما فيما يتعلق بالأمراض النفسية التى تجعل مرتكبيها فى حالة من غياب الوعى، فيشير فرويز إلى أنها عديدة وذات خطورة شديدة، وأبرزها الأمراض الذهانية التى تجعل المريض يعانى هلوسة حادة وخيالات لا أساس لها من الصحة، ولا يمكن مناقشته أو إقناعه، ومن بين المصابين بهذه الأمراض مدعو النبوة ومن يشعرون بتآمر كل الناس عليهم، وأغلبهم يتم تبرئتهم أمام المحاكم الجنائية، لافتًا إلى أن الواقعة الأشهر على الإطلاق فى هذا الإطار كانت حادثة أم فى مركز فاقوس بالشرقية، والتى قتلت طفلها وطبخت أجزاءً من جسده وتناولتها، بسبب إصابتها بأعرض اضطراب ذهانى وقت ارتكاب الجريمة، وتم إيداعها إحدى مصحات العلاج النفسى. ويضيف فرويز: هناك أيضًا مرض الفصام أو الشيزوفرنيا وله أشكال عدة، فى أغلبها لا يكون الشخص فى حالة وعى نتيجة إصابته بنوبات فجائية وبعد الإفاقة لا يتذكر شيئًا، كذلك مرض الاكتئاب العقلي أو السوداوي، حيث يقدم المريض على جرائم القتل بعد نوبة صرع وهياج تعصف بالمخ وتؤثر فى الجزء الجانبى منه، وهنا لا بُد من إجراء أشعة الرنين المغناطيسى على المخ فضلًا عن تقرير طبى مفصل يقوم به أطباء وأخصائيون نفسيون قبل إصدار القاضى الحكم. ◄ 45 يومًا أما الدكتور أستاذ علم النفس الجنائى، خالد عبد الغنى، فيقول: فى بعض القضايا التى يظهر على مرتكبيها خللٌ عقلى أو عدم اتزان وتشوُّش عقلى واضح، يُصدر القاضى حكمه بإيداع المتهم مستشفى الأمراض العقلية أو المصحات النفسية لمدة 45 يومًا لبيان حالته، إذ يشرف على مراقبته على مدار الساعة ثلاثة أطباء يعقدون جلسات واختبارات نفسية له، كما يقوم طاقم التمريض أيضًا بملاحظة سلوكياته وأفعاله خلال تناول الطعام وطريقة الكلام، وبعد انقضاء المدة يتم كتابة تقرير مفصل عن الحالة للتأكد من مدى سلامة قواه العقلية من عدمها، وحال إثبات وجود خلل فى المخ عند ارتكاب الجريمة يودع المتهم فى المصحة ويتم تبرئته. ◄ فقدان الإدراك وعن نصوص القانون فى هذا الصدد، يقول عميد كلية حقوق القاهرة الأسبق، الدكتور محمود كبيش: أصبح الكثير من المحامين يستغلون المرض النفسى كحل للهروب من الأحكام أو تخفيفها، لكن يظل هناك فارق كبير بين المرضى العقليين ومنْ يدعون ذلك، فالمريض العقلى لا يدرك طبيعة الفعل الذى قام به أو يتذكره على الإطلاق مثله مثل الطفل الصغير، وقد نصت المادة 62 الفقرة الأولى عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 على أن الاضطراب النفسى للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو بغير علمه، ويظل المتهم مسئولا جنائيًا عن الجريمة وتأخذ المحكمة هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة. ويوضح كبيش أنه فى حال ظهور بعض علامات الخلل النفسى على المتهم يجوز لقاضى التحقيق أو للقاضى الجزئى كطلب النيابة العامة أو المحكمة المنظور أمامها الدعوى أن يأمر بإيداع المتهم إحدى منشآت الصحة النفسية لمدة لا تزيد على 45 يومًا بعد سماع أقوال النيابة ودفاع المتهم، وتصدر تلك الجهة تقريرها المفصل عن حالة المتهم بشأن إصابته بالخلل من عدمه وإمكانية تأثيره فى أفعاله، وفى حال ثبوت جريمة تزوير هذا التقرير الطبى أو المساعدة فى إعداد تقرير غير دقيق، تُضاف جريمة التزوير إلى كل من شارك فيها وقد تُضاعف مدة العقوبة. ◄ تعاطي المخدرات أما المحامى أحمد هلال، فيقول: فصلت المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بقانون 71 لسنة 2009 بين أثر تعاطى المخدرات، إذ حدّدت أن المتهم الذى يعانى اضطرابًا نفسيًا أفقده الاختيار نتيجة تناول عقاقير مخدرة أخذها قهرًا عنه أما إذا تناولها بإرادته الكاملة فإن ذلك لا يعفيه من المسئولية الجنائية ولا يخفف الحكم عنه، لافتًا إلى أن نوع المرض النفسى هو الذى يحدّد إعفاءه من العقوبة من عدمه، ولا بُد أن يكون مرضًا يضرب العقل مباشرة مثل التأخر العقلى والفصام والاضطرابات النفسية الشديدة.