خواطر صحفى عجوز قضى جل عمره يبحث عن ذاته أظنها خواطر كثيرين من جيلى مات بعضهم ولم يحققوا نصف أحلامهم من حسن حظ الجيل الحالى من الصحفيين أن معظمهم التحق بالعمل الصحفى أو الإعلامى بعد 25 يناير 2011، فقد تمتعوا بميزات قل أن يجود الزمان بمثلها.. وبعيدًا عن التكنولوجيا المتمثلة فى جهاز المحمول السحرى والإنترنت التى حلت لهم مشاكل كثيرة جدا فقد استفادوا أيضا من وجود الجيل القديم الذى يخلو من العقد والتابوهات الجامدة.. فلم يكن مسموحًا لنا إبداء الرأى فى أى شىء وكان الجيل الذى سبقنا يتمتع بأنانية غريبة فى التعامل معنا.. على الأقل لم يكن مسموحًا لنا أبدًا أن نكتب مقالًا.. كان هذا من سابع المستحيلات ولم نكتب المقال إلا بعد أن زحف الشعر الأبيض إلى رؤوسنا.. هذه حقيقة للأسف الشديد عانى منها جيلى كله.. اليوم أتيحت الفرصة لكل الشباب أن يكتبوا مقالات وأن يعبروا عن آرائهم وخواطرهم وتنشر صورهم أيضا. كانت منافذ الرزق غير متاحة لمعظمنا وكان الحل السحرى أن نسافر ونتغرب ونتعذب بعيدًا عن عوائلنا وأحبائنا.. وكان هذا معناه بالنسبة لنا أن نحلم بعيدا عن الوطن وعندما نعود نبدأ من أول السطر وتضيع من معظمنا فرصة الترقى فى بلاط صاحبة الجلالة.. اليوم هناك جيل جديد من شباب تولوا مناصب رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة.. هذا الجيل يشجع الشباب ويدفعه لتولى المناصب القيادية ولم يعد مستغربًا أن يصبح نواب رئيس التحرير من أعمار لا تتعدى الأربعين عاما.. بينما كان هذا المنصب من الأحلام غير الممكنة على أيامنا.. كان منصب مدير التحرير مقصورا على شخص واحد فقط أو شخصين بالكتير واليوم هناك أكثر من 30 شخصًا يحملون منصب مدير التحرير فى صحيفة يومية واحدة بل إن الهيئة الوطنية للصحافة أقرت منصب مدير التحرير لكل محرر قضى أكثر من 20 عاما فى العمل. اليوم يمكن لشاب لا يتعدى عمره 25 عاما أن يكتب المقال مذيلا بصورته مما أعطى الفرصة لظهور أقلام نابغة وموهوبة فى عمر صغير عكس ما حدث لجيل العواجيز الذى لم يأخذ فرصته إلا بعد الخمسين والستين للأسف. بالنسبة لى وهذا رأيى وقناعتى، فقد صاحب 25 يناير2011 فى كل المهن زخما كبيرا وجرأة فى الاعتماد على الشباب وتغييرًا جذريًا فى مصر وخاصة فى مهنة الصحافة مع ظهور المواقع الإلكترونية والصحف الخاصة والإذاعات التى تتعدد مسمياتها وكذلك المكاتب العربية والأجنبية التى لم تكن متواجدة بهذا الحجم. لا ننكر أننا تعلمنا من الأجيال التى سبقتنا وأنهم أصحاب فضل كبير علينا لكنهم قيدونا وحبسونا فى أدوار معينة مثل شخوص السينما وكانت مسألة انتقال المحرر من مكانه لمكان آخر داخل صحيفته شيئا صعبا، فالمحرر يدخل الصحيفة فى قسم ما ويظل يعمل فيه حتى يشيخ أو ينتقل إلى رحمة الله.. اليوم أصبح هذا عاديًا ويستطيع الصحفى أن يتنقل بين الأقسام ويكتسب الخبرات والمهارات وهو ما يزال شابًا يافعًا.. هذه بعض من خواطر صحفى عجوز قضى جل عمره يبحث عن ذاته أظنها خواطر كثيرين من جيلى مات بعضهم ولم يحققوا نصف أحلامهم. الجيل الحالى من الصحفيين من كبار السن يتميز بالتسامح وحب التعليم والحرص على تقديم خبراتهم لجيل الأبناء عن طيب خاطر وبدون مقابل. ولم يدر بخاطرى يوما أن أكتب هذا المقال حرصًا على مشاعر الكثير ممن سبقونا لكنها الحقيقة مهما حاولنا تجميلها. فقد عاش هذا الجيل أيامًا لا يتمناها لمن جاء بعده ولم يكن يستطيع أن يهرب من واقعه إلا بالسفر بعيدًا كما فعل معظمنا، لعل فى السفر الراحة التى لم يجدها فى صحيفته وقد كان بعد أن ضاع نصف العمر ونحن نصارع السنين.