تسرى بنا الأيام سريان الماء في الصنبور وتلاحقنا السنين ملاحقة أمواج البحر بعضها البعض وكأنها سلسلة متتابعة من السباق لأعمارنا سنين طويلة مرت سريعاً ولأن الأشخاص في حياتنا هم بصمات واضحة يترك كلُ بصمة ثابتة في العقل الباطن لا تتغير حتى لو تغير الزمن كثيراً ما تناغزنى نفسى بذكريات مؤلمة حوَّلت أجمل أيام حياتى من فتاة مثلها كمثل زهرة تتفتح تبتغى من الدنيا أن تفرد جناحيها لتحلق في الأفق .. حولتها إلى عالم مؤلم ومظلم أعلاه الحزن وأدناه القلق والحيرة. أن ألتحق بالجامعة هو حلم حياتي وأن أغرس نبتة شبابي في القاهرة الكبرى هو السعي الدؤوب وراء هذا الحلم فمنذ أن أنهيت دراستي بالمرحلة الثانوية وحصلت على مجموع لا بأس به يُمكننى من الالتحاق بالجامعة وبحسب التنسيق تم قبولي بكلية الآداب جامعة القاهرة ومن هنا بدأ الحلم يتحقق بأن أنتقل للعيش في بيت خالي في "حلمية الزيتون" مع زوجته فهي تعيش بمفردها معظم الوقت لظروف سفر خالى للعمل بين الحين والآخر وليس لديهم أولاد. بالفعل انتقلت إلى هناك وبدأت الدراسة لا أنكر أن زوجة خالي كانت تعاملني أحسن معاملة وفعلاً كنت أشعر أنها تعوضنى حنان أمى وبُعدى عنها مر العام الدراسي الأول سريعاً وأنهيت السنة الأولى بنجاح توفي خالي مع بداية العام الدراسي الجديد، ولأن خالى ليس لديه أولاد صارت أمي هى الوريثة الوحيدة وبعد ما أمسيت ضيفة في بيت خالي أصبحت صاحبة مكان وهذا هو حال الدنيا بكل تأكيد كانت هذه ضربة قاضية بالنسبة لزوجة خالي وتلك هى القشة التى قسمت ظهر البعير تغيرت تصرفات زوجة خالي معى من الطيبة والحنان إلى ثور من الغضب العارم تتعمد إهانتي كى أترك لها البيت وأرحل، لكنها كانت لا تعلم بأنى قد غرست الشجرة ولن أعود إلا بأن تؤتى ثمارها، ظلت على هذا الحال سنة كاملة، جاءت إجازة الصيف واضطررت للسفر إلى بلدتنا. انتهت الإجازة وعدت إلى حلمية الزيتون حاولت فتح الباب بالمفتاح لكن دون جدوى، طرقت الباب فإذا بى أجد رجل هرم يفتح لى وأخذ يحملق في وجهى بنظرة استفزازية وكأن لديه خلفية سوداء عنى وبصوت أجش صاح قائلاً نعم: وبسؤال خفي خبيث قلت له: مين حضرتك قال بكل بجاحة: صاحب الشقة في الحال اتصلت بالشرطة وإذا بزوجة خالى تفجر المفاجأة الكبرى ده الأستاذ "صالح زوجى" ضربة قاضية شعرت معها بخيبة الأمل في حلم رسمته وزرعت بذوره لكنى لم أوتَى ثماره بعد !!!! عدت إلى بلدنا بخيبة الأمل مرت فترة طويلة وإذا بجرس التليفون يرن وصوت مجروح مذبوح إلحقينى !!!! أمى زوجة خالى تستجير ماذا حدث!!! أسرعنا بالذهاب إلى حلمية الزيتون هناك وجدناها ملقاه على الأرض بمفردها وقد أصيبت بالشلل وعلمنا أن زوجها صالح ليس بصالح كان سئ السمعة ويخونها أمام عينيها وسرق كل أموالها وتركها وهرب مضى عام آخر وأنا معها أخدمها بحب وكأنها أمى مشفقة عليها مما حدث لها عسى أن تشعر بأنى عوض من الله لها عن كل فقد عاشته وفي صبيحة ذلك اليوم الذي لا يُنسى انطفأت فيه الشموع وخيَّم الحزن في كل مكان كانت تنازع كثيراً من الألم وأشارت إلى الخزانة قائلة هاتى العلبة الخشب بسرعة فتحتها وأعطتنى ورقة ولفظت أنفاسها الأخيرة وهى تقبض على يدى بشدة بعد إنتهاء العزاء فتحت الورقة وكانت هى الورقة الرابحة تنازل لى عن حقها في الشقة ثمرة حلمي، التى رواها الإحسان فكبرت وأينعت.